علي أمين.. لقبه القبيح.. من الأسماء المعروفة في بامرني.. عرف منذ أن كان يافعاً بكرهه للتعليم وهروبه من المدرسة.. حينما أصبح شاباً تطوع في سلك الجيش اللاشعبي قبل أن يتحول الى جحشاً في تشكيلات السلطة.. كان يستلم راتبه من آمر سريته لقاء إنخراطه في هذا المسلك المُشين.. أهالي المدينة كرهوه، بحكم معارضتهم للنظام ، جل أبناؤهم مع البيشمركة والشيوعيين..
بعد أن قاطعه أهالي بلدته توجه لينسج علاقة صداقة مع ضباط وجنود المطار العسكري جنوب المدينة مستغلاً موقع بيته المحصن بحكم قربه من مقر منظمة حزب البعث وربيئة حماية للفوج تعلو تلا مشرفاً على مدخل المدينة والجبل لا تبعد سوى 600 متر فقط عن المواقع العسكرية الاخرى .. وبمرور الأيام انحسرت دائرة علاقاته مع أقربائه وذويه ، قطع صلاته مع اقرب الناس إليه بمن فيهم والدته وأبيه العجوز ناهيك عن أشقائه وشقيقاته..
وحدها زوجته بقيت تكابد معهُ .. لا تدري كيف تثنيه عن تصرفاته الطائشة وتضع حداً لغروره ونزقه.. حاولت أن تزرع الطيب في نفسه وتعيدهُ لدائرة معارفه كائناً لا يختلف عنهم في سجاياهم وصفاتهم الإنسانية.. لكن الشرّ استحوذ عليه .. أعمى قلبه.. باءت تصرفاتها بالفشل.. كانت حائرة تدفع ثمن ارتباطها به كزوجة.. الجميع ينتقدون تصرفات زوجها.. أعماله المشينة.. وهي تداري ذلك بصمتها ودموعها..
لكنه تمادى في غيه.. أخذ يقسو عليها هي الأخرى.. يذلها.. يُعيرها بأهلها وفقرهم ، مع الأيام امتدت يديه لنفث شعرها وضربها.. كان يعنفها بشدة وهي تزداد ألما ً.. في آخر مرة حينما افتعل سبباً تافهاً لأذلالها وزاد من جرعة شتائمه البذيئة لها ولذويها .. أخذ يلعن جميع النساء من جنس حواء في المقدمة منهن حماته واصفاً إياها بأقذع الأوصاف.. لم يكترث لدموعها التي إنسابت على خديها وهي تستمعُ لكلماته النابية تمادى يطلب منها رغم الشتائم أن تستعجل في تحضير المازة وقنينة العرق .. كان ينتشي بتقريعها وايذائها كل مساء قبل أن يحس بنشوة الكحول ولذتها فيكتمل احساسه بالسعادة.. السعادة المنتزعة من احشاء ايذاء الآخرين وعمق جروحهم..
لكنها لا تدري ما الذي دفعها ذلك اليوم كي تقول له وهي تضع المشروب ومازته أمامه: خذ اشرب .. تسمم.. أتمنى من رب العالمين أن يضعك تحت حكم امرأة لا ترحمك.. تذلك.. ردّ عليها بشريط من شتائم وبذاءات روتينية مكررة سمعتها عشرات المرات قبل اليوم.. وأضاف اليها اوصاف وتعبيرات جديدة استلها من قاموس تشبيهاته ومصطلحاته.. كأنه ينفث سماً دفيناً من خواء روحه وخزين حقده وكراهيته للناس .. كل الناس متجسداً في هيئة زوجته التي لم تكن في نظره الا جارية وعبدة لا تستحق الشفقة ..
من قمة شاهقة في جبل متين تسللت بمحاذاة سياج جلو البلوط مجموعة الأنصار هابطة نحو هدف محدد هو بيت احد الجحوش في الجهة الشرقية للمدينة ، تقودهم سلوى.. كلفت بقيادة الهجوم واقتحام الدار في تجربة هي الأولى من نوعها في حركة الانصار .. كل ما قدم لها من معلومات.. أن الشخص المُهاجَمْ من أسوء العناصر.. عليها مع مجموعتها عدم التساهل أو التهاون معه.. المطلوب الحذر الشديد وعدم إعطائه فرصة لاستخدام السلاح وإطلاق العنان لتهوره…
قررت سلوى امتحان قدراتها في تلك الليلة.. هاهي تقود أول مجموعة هجوم نجاحها في تأدية المهمة سيعزز موقع النصيرات ودورهن بين الناس في المجتمع .. هاهي فرصتها اليوم عليها أن تكون جديرة بهذه المهمة.. كانت الهواجس لا تفارقها وهي تتقدم خطوة بعد خطوة نحو الدار التي يتموضع فيها الهدف..
عندما وصلت مشارف الباب.. لا تدري كيف تجاوزت المسافة التي تفصل بين الباب وغرفة الجلوس.. قفزت كالغزال وهي تركل باب الغرفة برجلها.. لتطلب من الجحش المسلح، علي أمين، الجالس عدم الحركة والاستسلام.. بينما امتدت يد كوفان لانتزاع البندقية المركونة فوق رأسه.. الذي ذهِلَ من شدة الصدمة.. تحولت سلوى بملامحها الأنثوية إلى إلهٍ جبار شلّ قدرته على الحركة وأرعشه.. دفق الماء تحته.. بلل سرواله.. لم تكن سلوى فرحة في نجاح المهمة وحدها حينئذ.. لم يكن من معها في تنفيذ المهمة في غاية الفرح.. كان فرح الزوجه لا يوصف.. هللت وزغردت.. إستجابت السماء لندائها.. لبت طلبها.. نفذت امنيتها.. حققت حلمها بتسليط كائن خرافي تقمص هيئة النصيرة سلوى تنقض عليه .. تلجمه .. تنتزع منه رجولته.. سلاحه .. حولته لمسخ ذليل .. منذ ذلك اليوم أصبحت سلوى إلهة تشعُ ضياءً .. تراصفت لجوار عشتار وفينوس بين نجوم السماء المتلألئةِ ..
ـــــــــــــــــــــــ
صباح كنجي
مقتطف من حكايا الانصار والجبل