الحجة الدفاعية الوحيدة – وهي واهية على أية حال – التي يتحصن من ورائها قادة النظام في بلادنا ومسؤولو الاعلام في مواجهة التهم الموثقة التي تنهال عليهم من الحكومة العراقية وتبرهن على تحول سوريا مقرا وممرا وراعية للأعمال الارهابية ضد العراقيين وآخرها تفجيرات الشهر المنصرم التي باتت تعرف بحوادث – الأربعاء الدامي – ببغداد هي : ” لدينا أكثر من مليون لاجىء عراقي فهل يعقل أن تكون سوريا وراء التفجيرات ” و ” كيف يمكن تسليم اللاجئين ومعظم المسؤولين العراقيين بما فيهم المالكي كانوا لاجئين في سوريا ولم يتم تسليمهم ” فماهي حكاية اللاجئين الى سوريا عراقيين وغيرهم ودرجاتهم وأصنافهم وهل يخضعون لأصول القانون الدولي وشروطه المعمولة بها عالميا بخصوص اللاجئين السياسيين ومن هي الجهة السورية المشرفة عليهم وتعليماتها المتبعة وما الى غير ذلك .
أنظمة البعث الشمولية في سوريا الراهنة والعراق القديم تعاملت مع مسألة اللاجئين منذ البداية بحسابات الربح والخسارة وليس حسب النظرة الانسانية والتزامات مواثيق الأمم المتحدة وبمفهوم استثمارهم في متطلبات ادارة الصراع مع دول وحكومات مجاورة – ماعدا اسرائيل – بطبيعة الحال لتحقيق العوائد المالية في تنمية قواها القمعية ومن ثم النفوذ لصالح ادامة تسلطها على رقاب شعوبها في الداخل وتعزيز وسائل الاستمرار في فرض – الخوة – على الخارج وفي هذا السياق اتخذ نظام البعث السوري منذ بدايات ستينات القرن الماضي نهجا مدروسا حيث شرع الأبواب أمام استقبال الهاربين والمعارضين من قادة مجموعات حزبية ومنظمات وزعماء عشائر ورجال دين ومثقفين وشعراء وفنانين ومؤسسات نشر من دول معينة وخصوصا من العراق والأردن ولبنان وتركيا والسعودية وبعض دول الخليج وبغض النظر عن حاجة القادمين الذي كان جلهم من أصحاب القضايا المشروعة الى نوع من الأمان وهجرتهم الاضطرارية من بطش ذوي القربى وسعيا منهم بتحقيق أهدافهم في الحرية والعدالة في بلدانهم فقد كانت االأجندة السورية تختلف وترى في اللاجئين كنزا ثمينا على الصعيدين البشري والسياسي ومصدرا لتحقيق المآرب الخاصة على المديين المتوسط والبعيد وماالتنوع في خلفيات اللاجئين القومية والمذهبية والعقيدية والاجتماعية الذين توافدوا الى سوريا والخليط الغريب العجيب في توجهاتهم السياسية من أقصى اليسار الى أقصى اليمين الا دليلا واضحا على بطلان مزاعم النظام– اليسراوية – والأنتي امبريالية – والتقدمية التي تغنى بها طويلا في استقبال اللاجئين ومن ثم المهاجرين تاليا من العراق هربا من المذابح ذات الطابع القومي – الديني – المذهبي وهذه حالة أخرى تتميز عن حالات اللجوء السياسي السالفة الذكر .
عوضا عن تنظيم شؤون اللاجئين المعارضين لأنظمة بلدانهم المتوافدين الى سوريا بموجب استمارات اللجوء السياسي والانساني المتعارف عليها دوليا وحسب الأقنية الحكومية الرسمية الشفافة تم تسليم أمورهم الى أجهزة الأمن المتعددة وتوزيعم الى مكاتب مختصة ببلدانهم وتم اعتبارهم قضية أمنية مغلقة تتم مراجعاتهم في الاقامة والتنقل والسفر عبر الأقنية الأمنية ولايسمح لهم بالنشاط الاعلامي والسياسي أوالاتصال بالقوى السياسية السورية الا باذن أو تكليف وزيادة على ذلك كان نشطاؤهم يتلقون الاشارات مباشرة أو غير مباشر من وكلاء الأمن حول سياسات النظام وما يجب أن يتم في هذا البلد أو ذاك كمحاولة لاملاء المواقف مسبقا .
الغالبية الساحقة من اللاجئين لأسباب سياسية وخاصة من العراقيين بعربهم وكردهم لم يكن العنف بمعناه الارهابي في أجندتها ولم تتجاوب أطراف عديدة مع رغبات النظام في ممارسة التخريب ببلدانهم ولكن يجب القول أن النظام استغل الأوضاع المأساوية المزرية العامة من أمنية ومعاشية وعائلية ونجح في استمالة البعض وبصورة فئوية وفردية للتعاون مع الأجهزة الأمنية اما بتقديم المعلومات أو تنفيذ العمليات أو اتخاذ المواقف السياسية المؤيدة للنظام بالنسبة للأحزاب السياسية التي طالب بعضها من أجل صيانة استقلاليته والحفاظ على ماء الوجه أمام القواعد بعلاقات سياسية مع الحكومة أو مؤسسات حزب البعث الحاكم وعدم حصرها بالقنوات الأمنية وكان لهذا البعض ما أراد وذلك بعقد لقاءات المجاملة الشكلية بين حين وآخر في مكاتب القيادة القومية الصورية وهنا يجب التذكير بأن خزائن الأمن السوري التي كان يحمل مفاتيحها في عز مراحلها – الملازم الأول عارف – من مكتب العراق في الفرع الخارجي – أمن الدولة ( اضافة الى الفروع الأخرى وخاصة الأمن العسكري بادارة اللواء المتقاعد الآن علي دوبا وخلفه اللواء حسن خليل ومسؤول الملف الكردي اللواء محمد منصورة ) قد تتضمن ملفات حول أفراد ومسؤولين من اللاجئين من بلدان عديدة منتمين لأحزاب ومنظمات يسارية ومذهبية تورطوا في مسلك الخدمات المتبادلة مع الأجهزة في مجالات متعددة وبشكل خاص العلاقات العامة وتقديم الاستشارات واصطياد وتجنيد شخصيات ثقافية واجتماعية مرموقة بعضها كان قريبا من مصادر القرار في أوطانهم وفي مراحل لاحقة توجت تلك الصلات بين هؤلاء ومقربين من مصدر صنع القرار في دمشق بمشاريع – البزنس – والاتجار في الممنوعات على المستوى الاقليمي .
حجج وذرائع مسؤولي النظام السوري بخصوص الأزمة الناشبة مع العراق لن تنطل على أحد خاصة عندما يمنون العراقيين بالوجود المليوني لأنه وحسب المنطق الرسمي السوري كلما زاد عدد لاجئي بلد ما فهذا يعني امكانية استفادة أكثر من مضاعفة العمليات الارهابية في ذلك البلد وهو الآن العراق اضافة الى جواز استخدام ذلك الكم البشري كرهائن ووقود في الوقت ذاته واستثمار في المجال الاقتصادي لذلك من المفيد أن تبادر الحكومة العراقية الى اعادة مهجريها وتوفير الدعم الكامل لذلك من جانب آخرهناك دول وسوريا من بينها تستفيد من التعامل مع منظمات ومجموعات الارهاب الغنية جدا التي تودع أموالها في بنوكها ومصارفها لغسلها وتشغيلها كما تقدم لها خدمات تسليحية بما فيها مواد للتخريب ممنوعة دوليا لقاء مبالغ طائلة تدخل جيوب المتنفذين والعائلات الحاكمة أما عندما يزعم المسؤولون السورييون بأنه ليس من عادة نظامهم طرد وتسليم اللاجئين السياسيين فنتساءل أين الفنزويلي كارلوس ؟ وأين عبد الله أوجلان وأين العشرات من أعضاء ب ك ك الذين تم تسليمهم الى الحكومة التركية بعد اتفاقية – أضنة – الأمنية الثنائية وأين من تم تسليمهم الى دولة خليجية معروفة مقابل الأموال ؟
لسنا في هذه العجالة بصدد تناول تفاصيل حكاية اللجوء واللاجئين من بعض بلدان المنطقة الى سوريا النظام وقد نتطرق الى ذلك في مناسبات أخرى ولكن مما يحز في النفس مواصلة ممثلي بعض المنظمات القومية واليسارية المتواجدين في دمشق أو القادمين اليها في تقديم خدماتهم السياسية لنظام الاستبداد من وراء ظهور السوريين ومحاولة تشكيل مظلة لكل الممارسات القمعية الرسمية ضد الداخل الوطني من اعتقالات وملاحقات وكم الأفواه والتدخلات السافرة في شؤون لبنان وفلسطين والعراق بما في ذلك تصدير الارهاب والارهابيين انه لمن المحزن والمضحك أن تتداعى في هذه الظروف بالذات أحزاب شيوعية عربية لعقد مؤتمرها في دمشق ومن المؤكد سيكون على رأس جدول أعماله ” دعم واسناد نظام الاستبداد ” كما فعلتها أحزاب قومية واسلامية ونقابات مهنية من قبل فهل يفسر ذلك بمثابة دفع فاتورة – الاقامة – واللجوء وشرط استمرارية الدعم المالي السوري – الايراني ؟