حفلت منطقة الجزيرة السورية بالحضارات المتعاقبة والتي كانت متقدمة إلى أبعد الحدود وما أن اندثرت هذه الحضارات حتى بقيت من ورائها مجموعة هائلة من الآثار التي شكلت ثروة وطنية نتفاخر بها, ولكنها شكلت في الوقت نفسه نقمة عانت منها آلاف العائلات التي سكنت فوق قمم بعض التلال التي شكلت خلاصة هذه الآثار في المنطقة, حيث بدأ المنع يشغل حياة هؤلاء بمجملها وخاصة من الناحية الخدمية, حيث منعت هذه البيوت والمناطق المبنية على قمم وبجوار هذه التلال من التخديم بمجمل الخدمات وهذا ما شكل نقطة الخلاف حول أهمية هذه الآثار ما بين دائرة الآثار والمدافعين عنها وبين من يعاني الأمرين من جراء نقص الخدمات في مناطق سكنهم ومنذ أن ولدوا.
عن السكان
يقول السيد معاذ أمين ( من قاطني أحد هذه التلال ) لشوكوماكو :” إننا نعاني الكثير جراء انعدام هذا التخديم فبيوتنا التي أصبحت مهترئة لم تعد تحتمل المنع من رفدها بمنازل أخرى من الاسمنت المادة التي أصبحت أساسية في البناء الآن, فبيوتنا هذه لم تعد قادرة على حمايتنا من آثار البيئة وخاصة أيام الشتاء”, ويقول عز الدين محمود :”لقد خدمت قريتنا كلها بالمرافق الصحية والمياه والتزفيت ولكن مناطقنا هي الوحيدة التي بقيت دون أية خدمة وهذا ما يربك حياتنا ويجعلها صعبة للغاية مع تطور الزمن وعدم قدرتنا على مجاراتها”.
وتعاني هذه المناطق من سوء التخديم بعد أن قامت البلديات بفصلها عن المناطق القابلة للتخديم ويقول في هذا الأمر السيد ع. طاهر رئيس أحد البلديات في المنطقة بخصوص هذا الأمر :” إن أمر تخديم هذه المناطق ليس متعلقا برغبة البلديات التي تتمنى أن تخدم كافة المواطنين بكل ما يحتاجون إليه من خدمات ولكن الأمر مرتبط بمديرية الآثار المسئولة عن هذه المناطق ويعود لها فقط أمر إدارة الخدمات في هذه المناطق الخاضعة كليا لها”.
ومع المعرفة التامة بأهمية تلك الآثار إلا أن السكان يحق لهم أيضا تقديم طلبات تخديمهم, تلك الطلبات التي لا توجه إلى البلدية بل إلى مديريات الآثار في المحافظة.
الطلبات ومديرية الآثار
يعبر العاملون في مديريات الآثار عن أسفهم على القاطنين فوق تلك التلال ولكنهم غير قادرون مع ذلك على التفريط بتلك الآثار القيمة فيقول مسؤول في مديرية الآثار بالقامشلي لشوكوماكو :”إننا مضطرون بحكم عملنا على الحفاظ على هذه الآثار فأمر تخديم هذه المناطق قد يؤثر سلبا على هذه الآثار وخاصة فيما يتعلق بطبيعة بعض هذه الخدمات كالمجرور الصحي وخطوط المياه والبناء الإسمنتي, ولذلك فإن هذه الخدمات الأساسية لها آثار سلبية على مستقبل هذه المناطق وما يوجد فيها ولذلك فمن الصعب تقديمها على حساب سلامة القطع الأثرية”, وحين توجهنا بالسؤال عن مدى قابلية وجود آثار مهمة في هذه التلال للسيد سردار بدو ( خبير آثار ) قال :” بالطبع في هذه التلال آثار كثيرة ومهمة جدا وإذا كانت الآثار الرومانية والإسلامية من الآثار الظاهرة للعيان لحداثتها فإن ما يوجد في هذه التلال أقدم وبالتالي أهم, وللعلم فإن محافظة الحسكة هي المنطقة الأولى عالميا في عدد التلال الأثرية التي اكتشفت حضارات بأكملها في بعض منها”.
ومع اشتداد حاجة السكان للتخديم لجأت مديريات الآثار على الموافقة على بعض الطلبات بشروط معينة فيقول أحد المسئولين في دائرة الآثار بأن:”هناك طلبات يمكن تنفيذ بعض ما جاء فيها ومن ذلك الموافقة على ترميم هذه المنازل الطينية والمبنية باللبن باللبن فقط دون الاسمنت والسماح بالمجرور الصحي ولكن على عمق 30 إلى 50 سم فقط “, ويؤكد بأن أي مخالفة لهذه الشروط تعرض المخالف لإزالة المخالفة ومن ثم للمحاكمة.
هل من حل جذري؟
وحين سأل”شوكوماكو” أحد المسؤولين في دائرة الآثار بالحسكة عن مدى القدرة على الاحتكام إلى إنزال هؤلاء السكان من تلك المناطق الأثرية وتعويضهم بسكن آخر في منطقة غير أثرية قال :” إن هذه الإمكانية غير موجودة لدينا حتى الآن لأن دائرة الآثار من أكثر الدوائر المهملة والفقيرة والتي تعاني الكثير من النقص من ناحية الميزانية في حين أن هذا الحل جيد جدا وجذري وهذا ما تقوم به البعثات الأثرية الأجنبية التي تملك إمكانيات مادية كبيرة كما حدث في منطقة ( حموكر ) حيث قامت البعثة الأجنبية العاملة فيه على تعويض السكان ومن ثم العمل على التنقيب في الموقع دون أية مشاكل”.
وعن حجم هذه الميزانية المطلوبة يقول أحد العاملين في دائرة الآثار في القامشلي بأن”: هذه الميزانية بالتأكيد ستكون كبيرة لأن القرى الموجودة في الحسكة تبلغ حوالي 3200 قرية تقريبا وهذه القرى فيها ما يزيد عن 2000 موقع أثري معظمها تلال أثرية مسكونة بالناس وحتى بالمقابر التي قد تثير مشاكل أخلاقية-اجتماعية حين البدء بالتنقيب فيها”.
وما بين أحقية الطرفين فيما يطالبون به ويدافعون عنه تبقى فقط الحلول الوسط هي التي من المفترض اللجوء إليها ومن هذه الحلول إما التخديم وفق شروط معينة وبمقاييس معينة أو تعويض هؤلاء السكان الذين ليس من المعقول تركهم في هذه المعاناة إلى الأبد وفي ظل مقولة السيد و. أحمد ( موظف بالآثار في الحسكة ) بأن:”دائرة الآثار لا تمتلك الميزانية المطلوبة للتنقيب في هذه التلال”.
القامشلي 27/7/09 شوكوماكو

