بئر البترول تمنحه ماء الحياة
هل هذه حقيقة أم لإكذوبة … ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أخذ اليأس والملل يدب في نفوس الجموع المحتشدة في
صفوف طويلة أمام محطة تعبئة الوقود بعد ان تسربت اخبار
عن توقف ضخ البترول من المصفاة الرئيسية للمدينة …… !
لليوم الثالث يمضي واقفاَ في السرب المزدحم ،
لعل الشاحنة المنتظر قدومها تأتي ، وعلى إفتراض إتيانها ،
فهل بأستطاعته ان يملأ صفيحته بين قطيع لا تسمع غير صريخهم وعراكهم المستمر ؟
ان مدفئته الصدئة الواهنة كجسمه ستظل عطشى بأنتظار المغيث .
وما فائدة الوقود ما دام الماء قد إنقطع عن الضاحية منذ ان بدأ الحصارالرهيب حولها ؟
الناس جميعاَ صاروا في حيرة ٍ من امرهم
ما بين البحث عن الماء اوالانتظار في محطة الوقود .
تركَ صفيحته الفارغة في الحشد المصطف
بعد ان أوصى عليها شاباَ كان يقف في طابور الانتظار،
وجلسَ بعيداَ ليتشمس وليدفع عن مفاصله برد الشتاء القارس .
أشعل سيجارة ونفت من شفتيه زفيراَ قاتماَ نحو السماء المصبوغة بالدخان الاسود
بديلاَ عن الوان قوس قزح ٍكان يغطيها ايام زمان .
كان يتأمل الشمس التي اوشك قرصها ان يحتجب عن النظرعندما صاح احدهم :
لقد تدفق الماء من البئر .
تركتْ الصفوف المنتظرة للوقود أماكنها وهرولتْ بأتجاه البئر المتدفقة بالماء .
حاولَ ان يشق طريقه بحثاَ عن صفيحته التي اشرفت على الهلاك تحت الاقدام ،
الا ان حشوداَ عصفت به خلاف رغبته فوجد نفسه امام البئر المغدقة .
ولمْ يدر ِ كيف حلت قدماه في ذلك المكان .. !
إغترف بكفيه شربة من ماء البئر الغروف
لْم يهنأ بلذة مذاقها فقد إمتصها منه صوت من بين الحشد :
لا فائدة لما تفعل ،عليك ان تجمع منه تحسباَ للايام الصعبة التي في طريقها الينا .
إنتبه لصحة ذلك الكلام ، وانسحب بحثاَ عن وعاء كي يملأه ماءَ ..
لمح في الرصيف المقابل برميلاَ صغيراَ،
ركضَ نحوه فلم ينله اذ سبقه اليه شخص آخر .
أسرعَ نحو البناية التي يقطنها فلم يعثر على مفتاح شقته ،
إشرأب بعنقه من الشرفة العالية للبناية ،
رأى الجموع في حشد متزايد حول الماء المتدفق بقوة .
ظل حائراَفي طريقة للحصول على الماء لحظة سماعه لصوت غليظ منبعث من المذياع :
( ايها المواطنون …
أشاع نفرٌ من المغرضين خبراَ كاذباَ عن تدفق الماء من بئر ناضبة
في محاولة ٍ لأثارة الفوضى والبلبلة بين الناس ،
ندعو من الجميع التزام الهدوء وعدم تصديق تلك الشائعات المغرضة ،
ان الماء قادم اليكم وما عليكم الا الصبر على العطش …
أيها المواطنون …أيها الموا….. طنون …..)
إستمر المذياع في تكذيب الخبر ،
بينما ظل مبهوتاًَ بين ما يراه امام عينيه وما ذاقه وما يسمعه من المذياع .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حيدر الحيدر ــ 18 /12 / 1981
من مجموعتي القصصية ( أصداء تدوي في فضاءات أحلامي )