تحول صوته الى دخان………..
وهو يبحث عن سراق حـضارته
وتاريخه الممتد عبر كثـافة هائلة
من الســــــــــــــــــــــــــــــــنين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كان الوقت قد تجاوزالغروب بقليل ،
حين دخل المكتبة الواقعة اسفل بناية مرتفعة تناطح السحاب ،
في شارع تتلألأ على جانبيه الانوار .
كانت المكتبة تزدحم برفوف ملونة ، نظمت فوق اضلعها رزم من الكتب
والمجلدات الضخام بجميع اللغات ومختلف الخطوط ..
فتح حقيبته ورتب في داخلها خمس مجلدات بألوان براقة ،
احكم غلقها وتأبطها منتشياً وسار بخيلاء منتقلاً من ذلك الشارع
بأتجاه بناية اخرى بدت وكأنها قاعة اجتماعات داخل متحف كبير.
وجد الناس يدخلون ويخرجون منها بترقب وحذر ،
فلا يتحدثون لبعضهم ولا ينتبه احدهم للآخر او يعيره ادنى اهتمام
اقلقته تلك الصورة المريبة ، وتوجس امراَ غامضاً يصعب تفسيره .
أسرع بخطواتٍ مرتبكة ليقف أمام لوحة اعلانات مخملية خضراء
مؤطرة ومزججة بشكل هندسي دقيق
علقت في الجدارالمجاور لتلك البناية …
أزاح اللوحة قليلاَ وأخفى حقيبته في مخبأ أعد سلفاَ في الجدار،اهتدى اليه بحدسٍ مفاجئ ،……
اعاد اللوحةالمخملية الى مكانها بسرعة خشية ان يراه احد .
دخل القاعة وجلس بين الحضور واصغى لعله يستفيد من المحاضرة ،
فما استطاع ان يفهم حرفا واحداً منها ،َ
تأمل جاهداَ في معرفة الغاية او الهدف من عقد ذلك الاجتماع فعاد جهده بخيبة المتأمل .
لم يطل المكوث في تلك القاعة إذ خرج منها ضجراً ،
وانصرف لأخذ حقيبته فلم يجد للجدار او اللوحة المخملية من أثر.
استفسر من العجائز المعينات عن حقيبته فسخرن منه ….!
رجع مهموماً فوجد الطرقات قد خلت من الناس .
ونشر البدر اشعته الذهبية في فضاءات يغلفها الهدوء ..
سار وحيداَ في طريق مغروس الجانبين بأشجارملتفة الاغصان ،
فكَّر ان ينادي لعل احداَ يسمعه من وراء الأيك ،
فصاح باعلى صوته بحثاَ عن حقيبته ،
عكَّر بذلك سكون الليل فلم يسمع سوى غمغمة في ثنايا حفيف الاشجار ،
سألها عن السبب ؟
اجابت : ان ارواحاَ تسامرجذورنا الممتدة في اعماق الارض منذ اقدم العصور …!
قلِّب صفحات الكتب التي استعرتها هذا المساء لتعرف كل شئ .
ـ لكن الكتب داخل الحقيبة وقد ضاعت .
ـ لا يمكن ان تضيع ، ربما سرقت : اجهد نفسك في البحث عنها وحافظ على ما بين سطورها .
ونادى من جديد ،
سمع غمغمة الاشجار وقد امتزجت بصفير هادر دوى في ذلك الطريق الهادئ .
سما ببصره واذا بطائرتين مقاتلتين تخترقان السماء الزرقاء وتغرسان انفيهما في بحر متلاطم الامواج وتتحولان لسمكتين كبيرتين تحاولان ابتلاع بعضهما .
وبين زبد الموج وهيجان البحر تظهر غابة خضراء تتصاعد منها السنة اللهب .
وقردة ترقص فوق اشجارها المحترقة …..
طيورغريبة في فضائها .
طائر ابيض يهوي ويحترق ، يتبعه طائر اسود الى المصير نفسه .
تختلط الاصوات بالالوان .
وتتوالى الانفجارات وتنطلق صافرات الانذار في كل اتجاه ……
النيران تغلق عليه مفارق الطرقات ….
صارت الغابة هشيماَ محترقاَ ،
وتحول صوته الى دخان يتصاعد في الفضاء وهو ينادي بحثاَ عن حقيبته الضائـعـه ….!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حيدر الحيدر ـ 17 /8 / 1981
من مجموعتي القصصية ( أصداء تدوي في فضاءات أحلامي )

