بداية اقدم التهاني والتبريكات لقيادة وتنظيمات المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري في الذكرى الثانية لتأسيسه متمنياً له التقدم والموفقية لخدمة شعبنا المسيحي من الكلدان والسريان والآشوريين .
كمراقب سياسي مهتم بشؤون شعبنا، كنت متابعاً عن كثب لمسيرة المجلس الشعبي واستطيع تدوين هذه الملاحظات آملاً ان تستمر مسيرة المجلس ويحافظ على ديمومته باعتباره واحداً ـ وليس الوحيد ـ من التنظيمات المهمة التي يعول عليها شعبنا . اكتب هذا المقال عن مراجعة الذات الضرورية والنظر الى النتائج التي آلت اليها الأمور خلال حقبة زمنية من العمل ، وهذه الحالة ضرورية لكل تنظيماتنا وأحزابنا بما فيها المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري خاصة بعد انسحاب الجمعية الثقافية الكلدانية ، والفيلسوف سقراط ، يقول أعرف نفسك .
فهل راجعنا يوم من الأيام انفسنا وأعمالنا إن كنا افراداً او منظمات ؟
أقول :
من المسلمات التي تعلمناها في عالم السياسة ان العبرة ليست في تحقيق النصر ، إنما تكمن في كيفية الأحتفاظ بذلك النصر وديمومته بعد زوال السكرة وغياب النشوة .
هكذا انطلق المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري بوثبة عريضة نحو الأمام وبزخم كبير مستعيناً بعدد من العوامل والتي يأتي في مقدمتها اولاً : الأمكانيات المادية غير المسبوقة ، وثانياً بروز كارزمية رابي سركيس المتواضعة متسلحاً بعنصر الأخلاص .
البدايات تأسست بشكل صائب بالأعتماد على المشاورات وعقد مؤتمرات وتقديم دراسات واعتماد مبدأ الديمقراطية لوضع الأنسان المناسب في المكان المناسب ، لكن رغم تلك البداية الجميلة فقد طرأت على المسيرة بوادر التعثر الأول وكان ذلك في تهميش دور نخبة مثقفة مخلصة وفي مقدمتهم الزميلان سامي المالح وحازم كتو أبو ميلاد .
المهم انطلقت مسيرة المجلس بعد هذا التعثر ، وكل الشواهد تشير الى تسنم المسؤوليات من قبل بعض المنتفعين في المراكز الأولى ، لا سيما القائمين والمسؤولين على صرف المبالغ وآلية الصرف وما شاب ذلك من ملابسات وأقاويل . ويمكن تشخيص بعض المحطات في مسيرة المجلس ومنها :
1ـ رابي سركيس آغا جان كان وزيراً في حكومة الأقليم وله كلمة مسموعة لدى القيادة الكردية ، والرجل يمتلك في قلبه عنصر الأخلاص والعمل والتفاني ، لكن برأيي ان الأخلاص ليس كافياً في اللعبة السياسية ودروبها المتشعبة ، فاللعبة السياسية تحتاج الى اكثر من عنصر الأخلاص ، رغم ضرورته ، أجل ان السياسة حالة زئبقية متقلبة مع مجريات الأحداث والزمن .
كان رابي سركيس الأب الروحي للمجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري ، لكن يبدو ان من يحيط برابي سركيس لم يتسموا بالمهنية والحيادية في عملهم ، وكانت النتيجة في تخصيصات المبالغ بأن يغلب عليها عوامل التأثيرات الشخصية ، والتي لم تكن في منأى عن تلك المصالح ، ومحاباة الأنتماءات الكنسية ـ بشكل رئيسي ـ والأجتهادات الفردية وترجيح كفة المتطلبات الكنسية بشكل عام اكثر من المتطلبات الشعبية من الحاجات الملحة والضرورية ، إن كان فيما يتعلق بمشكلة السكن او بمسالة الأستثمارات الأنتاجية او السياحية المفيدة للمجتمع على المدى البعيد .
إن هذا التوجه جعل من مؤسسة رابي سركيس والمجلس الشعبي .. كخزينة تضخ المبالغ والمعونات والتي يغلب عليها طابع المساعدات الخيرية الأنسانية ، مع تسّيد وطغيان الأجتهادات الخاصة والعلاقات الشخصية وترجيح واضح لكفة منفعة الكنائس لا سيما في الجانب العمراني . عموماً ان هذا التوجه كان في منأى عن العمل المؤسساتي الضروري في مثل تلك الحالات ، لقد كان هذا التوجه كما هو معلوم على حساب الأستثمارات الأخرى ، إن كانت زراعية او صناعية او سياحية او استثمارية مالية ، وهذه جميعها ذات جدوى اقتصادي حيث الأستفادة منها على المدى البعيد .
الإنصاف وقول الحقيقة يحتم علينا ان نسلم في بديهة مفادها ان صرف تلك المبالغ لم يكن دائماً عديم الجدوى ، بل احياناً كان من الضرورات القصوى ، ومنها توظيف واستخدام عدداً كبيراً من الشباب في الحراسات الليلية او غيرها من الأعمال ، فمن ناحية تم انتشال هؤلاء الشباب من براثن البطالة ومن جهة اخرى حوفظ على مدننا وقرانا من العمليات الأنتقامية ، كما نشير الى اهمية سيارات نقل الطلبة الى الجامعات ، ونصب مولدات الكهرباء ، وبناء دور سكن ـ رغم ما طالها من الأنتقاد بسبب رداءة البناء وتفشي الفساد المالي في امر بنائها .
ولا مجال للاشارة الى جميع الجوانب الأيجابية ، لكن لا بد من الأقرار من ان المحصلة النهائية كانت بعدم جدوى الكثير من المشاريع ، والتي لم تساهم قط في تخفيف العبئ المعاشي على ابناء شعبنا في المنطقة في سهل نينوى حيث تربض في الغالب بلداتنا الكلدانيـــة ، وكذلك حيال ابناء شعبنا الذين غادروا بيوتهم مرغمين من بغداد والبصرة والموصل . والنتيجة الظاهرة للعيان هي هروب الآلاف من ابناء شعبنا الى خارج حدود الوطن العراقي حيث ارض الله الواسعة .
2 ـ في الشأن السياسي لم يتبنى المجلس برنامجاً سياسياً واضحاً مستقلاً كطرف سياسي في الساحة السياسية ، إذ كان جل اهتمامه هو ايجاد وتعضيد تنظيمات مجتمع مدني مع خلق صيغة تنظيمية توافقية ( لجنة التنسيق ) تجمع لفيف من التنظيمات الحزبية السياسية فيها الكلداني والسرياني والآشوري وتجتمع تحت شعار : الكلداني السرياني الآشوري ، والأشكالية التي حدثت ان رابي سركيس اعتقد ان تكون هذه تسمية لقومية جامعة تتكون من دمج الأسماء الثلاثة ، وقد عمل على رفع الأسمين الكلداني والآشوري من مسودة الدستور الكوردستاني ، لكن هذه العملية لم يرضى بها الآشوريون
وكذلك الكلدانيون ، لقد رأينا في وقتها ان هذه العملية هي طمس لقوميتنا الكلدانية الأصيلة ولتاريخنا في بلاد ما بين النهرين .
3 ـ في انتخابات مجالس المحافظات لعموم العراق تمكن المجلس الشعبي .. مع تلك القوى المتآلفة معه من إحراز نصر مبين عبر قائمة عشتار الوطنية ، وتمكن من إقصاء قائمة الحركة الديمقراطية من بغداد والموصل . لكن شهر العسل هذا لم يدم طويلاً ، ففي عالم السياسة لا يوجد اعداء او اصدقاء دائمين بل هنالك مصالح دائمة تلعب دورها في التحالفات والأئتلافات .
اليوم وفي انتخابات مجالس المحافظات لاقليم كردستان انبثقت ثلاث قوائم كانت معظمها متآلفة تحت خيمة المجلس الشعبي.. في قائمة عشتار الوطنية ، واليوم نقرأ عن انفراط ذلك العقد لتنبثق قائمة الكلــدان الموحدة التي سنأتي على ذكرها في مقال خاص ، ثم قائمة المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري وقائمة ثالثة وهي قائمة الحكم الذاتي للكلدان السريان الآشوريين والتي انسحب منها حزب بيت نهرين الديمقراطي .
لقد قرأنا مؤخراً عن انسحاب جمعية الثقافة الكلدانية من المجلس الشعبي .. ومن لجنة التنسيق التابعة له ، وهنا ينبغي التدقيق في اسباب الأنسحاب الواردة في بيان الجمعية والذي يقول ان الأنسحاب كان تحت ضغوطات ( الهيئة العامة ) وهذا يحمل في طياته معاني الأستياء من التهميش الذي يلف شعبنا الكلــداني . وهذا يشكل نقطة ضعف للمجلس.. حيث الأشارة واضحة الى الأنحدار بدلاً من الصعود ويجب على قيادة المجلس ان تفكر ملياً بدلاً من توجيه اللوم على المنسحبين .
يليه القسم الثاني
حبيب تومي / اوسلو في 28 / 5 / 2009