القسم الأول
سيداتي وسادتي الاكارم:-
لنطرح الأسئلة التالية ثم نبدأ: – عن أي شعب نحن نتحدث ؟ ( الشعب الآشوري, أم الشعب الكلداني, أم الشعب السرياني, أم الشعب الآرامي )، أم عن ( الشعب الكلداني الآشوري السرياني الآرامي ) كلها معا, أم أخيرا وليس آخرا الشعب الكلدواشوري السرياني ؟؟ , في الحقيقة إنها لمأساة أن يتسمى شعب واحد بتسميات عدة والمأساة الأكبر في أن لا يستطيع أبناء هذا الشعب وخاصة ما يسمى بقادته أن يتفقوا على تسمية واحدة موحدة لشعب يعتبر احد أقدم الشعوب التي أسست الحضارة الإنسانية , لأنه إذا لم يكن هذا سببا كافيا للاتحاد فعلى الأقل لتجنب سخرية ومهاترات الآخرين من القوميات والشعوب الأخرى المتجاورة, فعندما يأتي ذكرنا في هذه المناسبة أو تلك, فالحيرة الكبيرة بان لا يعرفوا كيف ينادوننا . . . .
سقت هذه المقدمة ( التعبوية ربما ) معبرا عن حالة من الألم والخيبة والإحباط التي تعتصر قلبي وقلوب العديد من المخلصين من أبناء هذه الأمة على الحالة المزرية التي وصلنا إليها، وأنا هنا لا أريد أن أكون متشائما أو محبطاً ولكني فقط أحاول قراءة الواقع المؤلم الذي نحن عليه بعيدا عن المهاترات والمجاملات وتقديم الصورة القرمزية لواقع لا نستطيع أن نصفه إلا بالبائس والمدمر.
في الحقيقة من النادر أن تجد اليوم شعب أو امة تعيش الحالة المأساوية من التشرذم والضياع مثل ما نعيشه نحن, شعب يتسمى بعدة تسميات مركبة إنها لحالة كارثية, تصور يسألك شخص عن قوميتك وأنت تتمشى في احد شوارع دمشق أو عمان… فكيف تجيبه بالله عليك ؟ (والله أنا كلداني آشوري سرياني ), أو يسألك ما هي لغتك فتجيبه ( أنا لغتي السريانية الكلدانية الآشورية ) ناهيك عن انه البعض منهم من يقول أنا لغتي الآرامية, أما إذا سألنا عن مذهبنا ؟ فحدث ولا حرج فلله الحمد شعب لا يتجاوز عدده المليونين فيه من الكنائس والمذاهب عدد لا يحصى حيث يكفي لتغطية نفوس الصين والهند معا.
يبدو لي أننـا نحن أبناء هذه الأمة لا نتعلم من دروس التاريخ والإحداث والتجارب المأساوية الكبيرة التي مرت علينا عبر الأزمان وكأن التاريخ يعيد نفسه. اسمح لنفسي أن أطلق مقارنة بسيطة ولكنها ذات دلالات جوهرية ومهمة لنقارن وضعنا في المئة سنة الأخيرة على سبيل المثال وبين الفترة الزمنية ما قبل الميلاد أي بالضبط فترة الصراع بين نينوى وبابل وبالتالي سقوط آخر دولة وطـنية ( بيت نهريـنية المنشأ ) , لنقارن ( مع الفارق السياسي والحجم السكاني الكبير طبعا ) ماذا نرى :-
1 – صراع سياسي سلطوي بين بابل ونينوى ومن اجل النفوذ والسلطة.
2 – فساد إداري واجتماعي على كل المستويات وهذه حقيقة لا يستطيع أن ينكرها احد, يكفينا الإطلاع على المئات بل الآلاف من المصادر والدراسات في جامعات العالم ومتاحفها للتأكيد على ذلك.
3 – تنامي أطراف الإمبراطورية سواء التي حكمت في نينوى آو في بابل وبالتالي إصابة السلطة الحاكمة بالغطرسة والأنانية والغرور واعتقادهم بان سلطانهم وجيوشهم لا تقهر.
4 – تزايد نفوذ رجال الدين آنذاك وسعيهم إلى بسط نفوذهم وبالتالي استفحال الصراع فيما بينهم وتكوين تكتلات وتجمعات نستطيع أن نسميها بالطائفية والمناطقية بالمفهوم الحديث وبالتالي ظهر أسلوب المؤامرة وبث المفاهيم التي ساهمت بشكل كبير بخلق واقع مهزوز داخل المجتمع في الدولة مما أدى إلى إضعاف الكيان الاجتماعي والسياسي وبالتالي عدم الشعور بالعائدية إلى امة واحدة أو شعب واحد.
5 – امة آو دولة في هكذا حالة من الفوضى والصراع الداخلي والأنانية المفرطة بالضرورة ستؤدي إلى نخورها وضعفها وانحلالها وبالتالي ستصبح بالضرورة هدفا ولقمة سائغة لإطماع الأمم الأخرى.
إن الغرض من طرح هذه النقاط المختصرة هو بسبب التشابه الكبير بين تلك الفترة وما نعيشه اليوم:-
1 – ألسنا نعيش تلك الحالة التي عاشها أسلافنا قبل ألفين وخمسمائة عام, ألا نعاني من التراجع والابتعاد عن الضوابط الاجتماعية والتقاليد والعائدية لأمة واحدة لدى العديد من أبناء هذا الشعب وعن القيم والمثل العليا التي كانت تتميز بها امتنا ؟ أما على الصعيد السياسي والقومي فالتناحر والتفرقة والصراع على التسمية والنفوذ وتمثيل الأمة وبالتالي (الكراسي ) على أشده, هناك صراع ألان بين الأحزاب والكنائس والتجمعات وحتى الأفراد على كل شئ, عدا فيما يتعلق بمصلحة الأمة وتوحيدها فلا احد يهمه الأمر وكأنه ينطبق القول علينا ( إذا مت ظمآن فلا نزل القطر ).
2 – أما في ما يتعلق بأمر التزمت وعدم قبول الرأي الأخر فحدث ولا حرج, الكل يعتقد انه هو المحق وهو صاحب الرأي الصائب والسديد والأخر على خطا وهو بالضرورة عدو ماحق خارج عن الدرب القويم.
3 – أما الحديث عن رجال الدين ففي الحقيقة والواقع أستطيع أن اجزم بأنهم يتحملون القسط الأكبر من المسؤولية لمأساة هذه الأمة ( وأنا هنا لا أعمم ) !! فعوضا من أن يوظفون مواقعهم الدينية ويعملون إلى جمع إطراف هذه الأمة المشتتة والعمل على توحيدها وحمايتها من الاضمحلال والضياع باعتبارها أمانة في أعناق الجميع فماذا تراهم يفعلون, إنهم يصولون ويجولون ( خاصة اللذين في الخارج ) في أمريكا وكندا واستراليا وأوربا تراهم نشيطين في كل شي إلا صالح الأمة وخير مستقبلها. بالحقيقة تنطبق عليهم مقولة للفيلسوف والمفكر اللبناني الكبير جبران خليل جبران ( ويل لأمة تكثر فيها المذاهب والطوائف وتخلو من الدين ) كذلك قال ( ويل لأمة مقسمة إلى أجزاء وكل جزء يحسب نفسه فيها امة ). أليس هذا بالضبط واقعنا ألان وأستطيع أن أقول واجزم بأنه أسوا من ذلك بكثير. لننظر إلى حالة التشرذم والانقسام والتمزق والانصهار سواء في بوتقة الشعوب التي تجاورنا في موطننا الأصلي أم في حاضنة الشعوب والأمم التي نهاجر إليها انظروا حالة الحقد والكراهية وعدم الثقة بين بعضنا البعض والتخوين والتجريح ومـا إلى ذلك من صفات تواجدت فينـا سواء في أماكن تواجدنـا أو في بلاد المهجر. في قول الحقيقة لا أخاف لومة لائم وواقع الحال لهذه الأمة وما يحيط بها من ظروف مهيأ للاضمحلال والانصهار التدريجي ومن ثم الزوال وأخيرا الفناء، هذا إذا استمر الحال بهذا الشكل أو إذا لم تحصل نهضة أو ( صحوة ) تنتشلها من هذا الموت البطئ والاندثار التدريجي.
لنكف عن وضع اللوم دائما على القوى والعوامل الأخرى خارج حدود الأمة, لأننا يجب أن نرفع الغشاء عن أعيننا ونقرا الواقع المر كما هو من دون مجاملات ولا أحلام يقضة ولا مؤتمرات عقيمة لأن المشكلة فينا نحن أولا، المرض في جسد امتنا لذا يجب أن نضع اليد على الجرح لنشخص الداء ومن ثم إذا كان بالامكان أن نعمل شيئا, نعم لا أنكر أن هناك عوامل خارجية عملت وتعمل دائما من اجل إزالة وتميع هذه الأمة ذات التاريخ العريق من الوجود بشكل مباشر ومتعمد أو بتحصيل حاصل وغير مباشر, ولكن المشكلة بالأساس وكما ذكرت في بداية حديثي هي فينا نحن, في بقائنا مخدرين نعيش على أحلام الماضي وعلى الذاكرة تاركين الحاضر يتفسخ بسبب تكاثر جراثيم التفرقة والأنانية والتزمت الأعمى و الابتعاد عن تعاليم المسيح أللذي دعا إلى المحبة والتسامح والابتعاد عن زرع بذور التفرقة والتناحر.
إني أسال بربكم هل أن رجال الدين من جميع ألوان كنائسنا يطبقون تعاليم من يبشرون باسمه ؟؟ اشك في ذلك ( عدا البعض منهم ) أما الغالبية فهم ألاهثين وراء المقاعد الوفيرة والمنافع الشخصية والنفوذ والحسابات البنكية العامرة أما الأمة ومصير شعبها فلتذهب مثلما ذهبت صدوم وعامورة.
سيداتي وسادتي الأفاضل:-
في الحقيقة إن الحل يكمن في الكف عن التنظير ودفن الرؤوس في الرمال, الحل هو التحلي بالشجاعة ( التي يبدو أننا افتقدناها ) ولو لمرة واحدة في حياتنا وان نشخص المرض والخلل الذي فينا كمجتمع وكأفراد وكتنظيمات وأحزاب وفئات وكنائس ومذاهب, الحل في أن نتكلم بصراحة ومن دون حرج ومجاملات لا تغني ولا تسّمن, يجب أن نشخص الأخطاء القاتلة التي ارتكبت على يد غالبية القادة من رجال الدين والسياسيين وحتى العديد من الناشطين والكتاب الذين دخلوا في نقاش بيزنطي لا يقدم ولا يؤخر , الحل يكمن في أن نكف عن (تا ليه ) الأشخاص .
بصراحة لوكنت اكتب سيناريو فلم عن هذه الأمة فخير عنوان ينطبق عليها هو( شعب ممزق وأمة تحتضر ) نعم إن هذه ألامه ( الكلدانية.. السريانية.. الآشورية.. الآرامية…….. الخ ) سمها ما شئت, إنها تحتضر.. تحتضر.. تحتضر.. وتموت رويدا رويدا.. يا سبحان الله… أن التاريخ يعيد نفسه ولأكثر من مرة وهذا الشعب لا يتعلم والأمة لا تتعض.
الحل:-
الحل هو في أن يجتمع الشجعان من النساء والرجال من هذه الأمة كي يتدارسون الوضع المأساوي الذي نعيشه ولكي يتم اتخاذ قرارات تاريخية قبل فوات الأوان ومن اجل إعادة سارية المركب في الاتجاه الصحيح للإبحار صوب بحر الأمان إلى مستقبل امن ومضمون يعطي الحق لامتنا بالبقاء والوجود لتقف جنبا إلى جنب وبكل احترام مع الأمم الأخرى إقليميا وعالميا.
لماذا لا نحاول أن ندرس تجارب الشعوب الأخرى التي كانت تعاني مثل معاناتنا ولكنها وعت واقعها وحالتها البائسة وسارعت إلى توحيد صفوفها والعمل من اجل مصير ومستقبل شعوبها. لنأخذ على سبيل المثال لا الحصر تجربة الشعب اليهودي حيث كان إلى بداية القرن العشرين شعبا ممزقا متفرقا وحتى في صراع عنيف فيما بينه من اقتتال وضحايا, مجموعة تسمي نفسها باليهود ومجموعة أخرى بالعبريين وأخرى بالإسرائيليين وأخرى بالاشكنازي والاسكنازي… الخ
في تلك الضروف المزرية التي كان يعيشها هذا الشعب من صراع داخلي انبرت مجموعة من الناشطين والمخلصين اللذين أدركوا خطورة الموقف وكان في مقدمتهم ( هر تزل و بن كوريون…وغيرهم ) دعت إلى توحيد الصفوف ونبذ الخلاف ووضع مصلحة الأمة قبل كل شئ وان يتحد الجميع تحت اسم واحد ولغة واحدة وراية واحدة مع العمل الدءوب والتنازل بعضهم لبعض والتضحية ونكران ألذات، تم لهم ما أرادوا وبدأت عملية بناء الأمة من جديد, والدليل على ذلك انظروا أين هم ألان ؟
إني أتساءل هل لدينا نحن نفس الشجاعة والحب لهذه الأمة وهذا التاريخ وتلك الحضارة, هل لدينا في الواقع ذلك الشعور الحقيقي بالمسؤولية تجاه استمرارية وجودنـا أو اندثارنا، هل نحب نحن امتنا مثلما أحبو هم أمتهم ؟ أن الحفاظ على التأريخ والحضارة لأمتنا واجب علينا على اعتبار أنه دين في أعناقنا للأجيال القادمة, إنني أتساءل هل يستطيع رجال الدين المتعصبين والمتزمتين منهم أن يتخلوا عن أنانيتهم ويتمثلون بروح المسيح وتعاليمه السمحة ويعملون على توحيد الكنيسة التي جزأت بالأساس على يد أسلافهم من رجال الكنيسة. هنا تحضرني واقعة قبل بضع سنوات عندما حضر إلى العاصمة السويدية ستوكهولم مسئولين كبيرين جدا من ( الكنيسة الكلدانية ) و ( الكنيسة الآشورية ) وأثناء لقاء كبير مع أبناء الرعية من الكنيستين وجهت سؤالا إلى المسئولين عن المدة التي ستستغرق مسالة توحيد الكنيستين, فكان جوابيهما لي ( إن ذلك يستغرق ما لا يقل عن عشرة سنوات ) تصوروا !!! واليوم قد مرت على ذلك اثنا عشر عامـاً… ولا زال الخلاف مستعراً.
يكفي مثل هكذا جواب أن نستشف مدى عدم جدية بعض الجهات إن لم نقل غالبية مسئولي الكنيسة بمختلف ألوانها وتسمياتها في مسالة توحيد الكنيسة وبالتالي هذه الأمة المغلوبة على أمرها.
لذا فان الحل برأي المتواضع ممكن أن يكون على غرار النموذج اليهودي على سبيل المثال وذلك بان يكون لنا: –
1. القومية… أن يكون اسم واحد فقط سواء كان ( الآشورية ) أو ( الكلدانية ) أو ( السريانية ) وعندما يتم اختيار والاتفاق على احد هذه الأسماء يجب أن يلتزم به جميع أبناء هذه ألأمة.
2. الكنيسة.. كذلك فيما يتعلق باسم الكنيسة فيجب أن يتحلى أبناء هذه ألامة بالحكمة والعقل الراجح وان يفكر الجميع بمصلحة شعبنا ومستقبله لذا يجب أن تتفق على تسمية واحدة فتختار إما ( كنيسة المشرق الآشورية ) أو( كنيسة المشرق الكلدانية ) أو( كنيسة المشرق السريانية ).
3.اللغة وهنا كذلك فاني اعتقد إذا توفرت النيات الحسنة والبراغماتية لدى منظرينا وعقلائنا فمن السهولة أن نـتـفق على أن نختار بين اللغة ( الكلدانية ) آو ( اللغة الآشورية ) آو ( اللغة السريانية ) .
4. وضع سقف زمني تحدده الأمة وممثليهـا لأنحاز هذه المهام.
5. من الممـكن من أجل أن لا يغبن حق أحد في سباق الإنجازات وتحديد مجال الربح والخسارة فنأخذ على سبيل المثال تسمية القومية في أن نختار واحدة من الثلاث تسميات (وتصبح التسمية ألرسميه لنـا جميعـاً )، ثم نأخذ تسمية الكنيسة من واحدة من الاثنتين المتبقيتين لظمان حقيهما وتبقى تسمية اللغة للأخير. فبهذا تحل المعضلة الأزلية آي يكون لنـا تسمية لقومية واحدة من الثلاث، وتسمية لكنيسة واحدة من ثلاث، وتسمية للغة واحدة من ثلاث.
وعندما نتفق على اختيار التسميات الثلاثة كل واحدة تمثل جانب من الجوانب المتعلقة بنا نكون بذلك قد خلدنا الأسماء الثلاثة وفي نفس الوقت وحدنا الكلمة والأمة واعدنا قليلا من الاعتبار لهذه الأمة التي أصبحت محط تندر من قبل الآخرين.
الإنسان موقف وعندما تضع الحياة الإنسان في موقف ليأخذ القرار في قضية معينة خاصة في قضية مصيرية عندما تتعلق بمصير أمة وشعب فعلى الإنسان أن لا يتردد ويتهاون في اخذ القرار الأكثر عمليا من اجل الإنجاز الفاعل والأمثل لتعم الفائدة الجميع، فاني أتساءل أي من المواقف أكثر صوابا أن نترك الأمور على ما هي عليه ولا نفعل شيئا أم نأخذ قرارا تاريخيا يوحد امتنا إلى الأبد ؟ نعم أنا واثق أن مثل هكذا حلول قد لا تروق للبعض وقد يصفوها بالأحلام آو اليتوبيا أو الجنون أو أو أو , ولكن اسمحوا لي هذا موقفي أسجله للتاريخ وعندها لكل حادث حديث .
(يتبع القسم الثاني )