خاص- بييستون:
يعتبر كتاب ( الفيلييون ) للراحل نجم سلمان مهدي الفيلي من اهم المصادر والكتب التي تبحث في تاريخ قبائل وانساب الكورد الفيليين بعد ان يقدم نبذة عن اصل تسميتهم واصولهم .
الكتاب يقع في 415 صفحة من القطع المتوسط موزع في تسع وثلاثون فصلاً. يقدم للكتاب الباحث الكوردي المحامي جرجيس فتح الله وقد بذل جهوداً كبيرة في سبيل انجاز الكتاب وطبعه بعد رحيل مؤلفه.
الكتاب جمعه ( بعد وفاة مؤلفه) صاحب امتيازه السيد حميد نوروز آبان الذي اعتمد على نخبة مخلصة تعاونوا معه ليخرجه الى النور ، كما تفضل مشكوراً باهداء النسخة التي بين يدينا الى مركزنا ، و وعد بأعادة طباعة الكتاب بعد أن نفذت كل نسخه.
نظراً لاهمية الكتاب ، ورغبتنا في نشر ما يتضمنه من معلومات قيمة تفيد الباحثين والمهتمين بالشأن الفيلي. نقدم لقراء موقع كلكامش هذه القراءة الواسعة والمفصلة لكل ما ورد فيه، وعلى حلقات ، نقتبس منه فقرات كلما اقتضت الضرورة ذلك ونرجو ان نوفق في سعينا :
الباب الاول
التاريخ والوقائع
الفصل الاول – في الاسم واصوله
يعتمد الكاتب في تعريفه لكلمة الفيلي على مصادر مختلفة ومنها قول جورج ، كرزن في كتابه (ايران وقضية أيران ج2 ص 329) ، حيث يعرف كلمة الفيلي ، بالثورة ، وكذلك رأي هنري فيلد في كتابه ( معرفة الاقوام الايرانية ص98) ، بمعنى المتمرد والعاصي ، ثم يؤكد ورود هذه الكلمة في مصادر أخرى بمعاني الشجاع والفدائي والثائر.
أما عن أصل الكورد الفيليين فيورد تأكيد ( هوگو گروته) الى نسبهم الى العيلاميين القدماء بقوله ” حينما أرى وجه الفيلي الحالي فأنه يذكرني بالهيتيين ، ويتجسم أمامي كل الاقوام التي عاشت قبل آلاف السنين، ولا يستبعد بأن يكون الفيلييون من بقايا العيلاميين القدماء” هذا الاعتقاد يذهب اليه الكاتب وكل الفيليين تقريباً .
ويرجع تسميتهم بالفيلي الى انه مشتق من أسم الملك العيلامي پيلي الذي أسس سلالة بأسمه في عيلام، والذي تولى اثنا عشر ملكاً منهم الحكم ما بين اعوام( 2670 ق.م – 2220 ق. م) ابتدأ بحكم پيلي وانتهى بحكم ( يوزور أنيشوشيناك ) ، واطلق هؤلاء الملوك اسم پيلي على رعاياهم ايضاً. ولكن المؤرخون اشاروا اليهم بأسم سلالة (اوان) نسبة الى مدينتهم العيلامية ( اوان) . كما يرد في الكتاب أن البروفسور جورج كامرون ( أيران في اوائل التأريخ، ص 24) أثبت تولي پيلي العرش عام 2670 ق. م من مدينة شوش أبتداءأً.
بينما يذهب الكاتب ليوضح راي ( والتر هينتس ) في كتابه ( دنيا عيلام الضائعة) واكتشافه كتيبة أثرية في معبد كيريريشا يعود تأريخه الى العام 2250 ق. م منقوش عليها اسم الملك پيلي . ثم يورد رأي المحقق يوسف مجيد زاده في كتابه ( تأريخ وتمدن ايلام ) وتأكيد حكم الملك پيلي في عيلام ، ليتوصل الى ان حرف الپاء تحول بمرور الزمن الى الفاء كما حصل في تغيير اسم پاريس القديم الى فارس ، ويرجع ذلك الى ان الپاء والفاء هما من حروف الشفة وفي معظم اللغات الحية والبائدة كثيراً ما يستعاض عن الواحدة بالاخرى.
من كل ما ذكر نستنج ان الكاتب اطلع على مصادر كثيرة وبلغات مختلفة منها اللغة الفارسية لمستشرقين وباحثين درسوا المنطقة التي تعتقد انها الموطن الاصلي للكورد الفيليين ، اي انه قدم دراسة موسوعية وساق الدليل تلو الاخر ليصل الى استناجاته النهائية التي تبناها ، ومنها ان اسم الفيلي يعود الى احد ابرز ملوكهم الذي انشأ امبراطوريته في الموطن الاصلي والتاريخي للكورد الفيليين ، لما قبل اكثر من اربع الاف عام وهذا ما اكدته الأثارالمكتشفة في المنطقة ، رغم ان هذه المنطقة ما زالت تعبر بكراً لم تطله يد الاكتشاف والبحث العميقين وخاصة في الجانب العراقي وربما يرجع أسباب ذلك لعوامل سياسية.وخاصة مع علمنا انها منطقة غنية بالاثار الانسانية والغوص فيها ربما سيكشف للعالم كنوز معرفية كبيرة ،و لانها مهد لحضارات عديدة ومنطقة شهدت صراع بين امبراطوريات عظيمة كانت تشكل معظم تاريخ الانسانية.
التسمية سيعود اليها المؤلف لاحقاً ليطرح آراء الاخرى في شأنها ، وقبلها يغوص في تقديم حدود بلادهم حيث يذكر ” كانت حدود بلادهم القديمة تشمل عند اتساع مملكتهم كرمنشاه وكركوك شمالاً ونهر دجلة غرباً والخليج جنوباً ومناطق لرستان وبختياري وأقساماً من فارس شرقاً. وحتى في عهد الولاة الفيلية كانت منطقة نفوذهم الغربية تصل الى نهر دجلة”.
ثم يورد اراء بعض المستشرقين خلال القرنين التاسع عشر والعشرين الميلاديين كيف حاولوا ولاسباب سياسية حصر تواجد الكورد الفيليين داخل الاراضي الايرانية فقط. حيث يذكر كيف اختصر المستشرق الروسي جريكوف (رحلة مسيو جريكوف ص 47, 52). اسم الفيلييون على قبائل بيشكوه وپیشتکو بینما عرفهم (شوربل) بقوله ” الفيليين قبائل متعددة من اللر تقييم في النواحي الجبلية بين تركية وايران” أي بين العراق وايران لكون العراق كانت تقع ضمن الدولة العثمانية حينذاك. بينما حصر الاثاري الانكليزي (لايارد) الفيليية ضمن پشتکو بقوله ” كان اسم الفيليية يطلق على جميع سكان لرستان ثم انحسر في منطقة پشتکو” ويرى ان هذا الرأي يتطابق ورأي ( جورج . كرزن) القائلة ” الفيلييون هم جميع سكان لرستان وكذلك ورأي هنري فيلد بقوله ” الفيلييون هم السكان الاصلييون لمنطقة پشتکو”.
بينما نحن لا نرى تطابق في آلاراء المذكورة اعلاه وللاسف ليس بين ايدينا اي من المصادر المذكورة اعلاه ، ولكن يمكن ان نفهم من السياق أن الأثاري الانكليزي تحدث عن انحسار اسم الفيليين ،وربما كان يعني استخدام الكلمة ، بينما ( كرزن) اعطى تعرفياً اوسع حيث خص الاسم بسكان لرستان ، بينما رأي هنري فيلد كون السكان الاصلييون لمنطقة پشتکو هم من الفيليين لا يعني بالضرورة عدم وجودهم في المناطق الاخرى .
ولكن بشكل عام يمكن ان نستنج ان كلمة الفيليية كانت تستخدم للاطلاق على القبائل التي سكنت الى غرب من ايران وشرق العراق ، وكانت تتقلص استخدام هذه التسمية او تتوسع لاغراض سياسية . ولكن المؤكد انها كانت تطلق على سكنه منطقة واسعة من ايران والعراق ، وهي اصلاً ما كانت تطلق عليها بالعراق الاعجمي ، تفريقاً عن العراقي العربي الذي كانت تطلق على المنطقة الى غرب نهر دجلة . حيث اكد لنا المؤرخ كمال مظهر ان نهر دجلة كان يسمى بالنهر العظيم لانه كان فاصلاً طبيعياً بين الاقوام العربية التي نزحت الى العراق وخاصة بعد نشر الاسلام والتي وصلت الى نهر دجلة بينما كانت الاقوم الاخرى ( والتي عادة العرب يطلقوا عليهم بالعجم ، اي غير عربي) ، كانت تسكن الى شرق دجلة وهم السكان الاصليون لتلك المنطقة ، وخاصة مع علمنا أن هذه المنطقة نشأت فيها حضارات وادي الرافدين الاولى في اوقات متقاربة فبالعودة الى التسلسل الزمني لظهور الحضارات في وادي الرافدين نرى أن اول تطور للحضارة في جنوب وادي الرافدين وقيام مدن تعود الى 5500 الى 5000 سنة ق. م ، حيث ظهرت مدن -عبيد، اريدو، اور، سوس ، ونحن نعلم ان سوس تقع ضمن اراضي الكورد الفيليين حالياً.
بينما في الحقبة الزمنية اللاحقة اي فيما يقارب منتصف الالف الرابع قبل الميلاد (3500ق. م) أبتدات حقبة تاريخية جديدة بتطور الاختراعات التقنية ، وتجمع السكان على النظام الاداري والزراعي وتشكلت مجاميع سكانية مختلفة مستقلة عن بعضها وكان لكل منها ملك خاص يحكم باسم اللالهة الخاصة بها، فتكونت مدن الدويلات في اور وسومر وفي السوس في عيلام.
كان لاختراع الكتابة في سومر (3300 ق.م) عامل في تطور التدوين للتاريخ الانساني ، والتي تشير اليه الشواهد الكتابية على لوحات في عيلام وسومر.
وكان لذلك الفضل في تدوين أول ملحمة ( كلكامش ، 2650 ق.م) كاول نص ادبي كتب باللغة السومرية موضوعها الطوفان والبحث عن الخلود .
بينما قام الملك سرجون ( الاكدي) بتوحيد سومر وعيلام في ( 2350 ق.م) ، حيث ان ذلك مثبت في مسلة سرجون ومسلة نارام سن والمكتوبتين باللغة الاكدية والتي تعتبر ضمن اللغات السامية كالعبرية والارامية والعربية والفينيقية .
بينما سيطر الكوتيين وهم من القبائل الكوردية القاطنة وادي وسفوح جبال زاغروس ، واحكموا سيطرتهم على المنطقة نهاية الالف الثالث قبل الميلاد (2200 ق.م).
بينما عاد العيلاميون للسيطرة على المنطقة في (2002 ق.م) واستمر حكمهم لاكثر من مائة عام.بينما استولى الكورد الكيشيون وهم من قبائل في اعالي ديالى في حدود (1700 ق.م) ليتبعها قيام السلالة العيلامية واتخاذ بابل عاصمة وملكها شتروك ناخونتة ملك عيلام (1595ق. م) ، ثم تلاها (1570ق.م) قيام السلالة الكيشية والعاصمة عكركوف ليتبعها قيام المملكة الميتانية والمملكة الحيثية (1500ق.م). ثم لتتبعها الحضارات الاخرى حتى سقوطها في يد الاخمينيين الفرس ،ولتتوالى حضارت أخرى حتى تنتهي بنشوء الامبراطورية الساسانية في المدائن في (224 ق.م).
اننا اضطررنا لأيراد نشوء هذه الحضارات وسقوطها وهي التي توالت على المنطقة لتبيان ، دور العيلاميين ( اجداد الفيليين ) وتواجدهم التاريخي في المنطقة رغم تداول الحكم بين امبراطوريات واقوام مختلفة.
كما يمكن ان نصل الى معرفة مناطق تواجدهم ، و مناقشة ما اورده لاحقاً ، مؤلف الكتاب حيث يتطرق الى تحديد المقدم منذر الموصلي في كتابه (عرب واكراد بلاد الفيليية) {بقوله” لرستان الكبرى غرب ايران وجنوبها هي بلاد الفيلية” بينما يشير المستشرق الدنماركي ( أس . جي .فيلبرك) والبرفسور (جن.راف كارثويت) والدكتور جواد نزاد والمحامي عباس العزاوي وغيرهم الى قبيلة اللر باللر الفيلي اثناء شروحاتهم المختلفة، ومن جهة اخرى يؤكد الواقع السكاني تواجد الكورد الفيليين وبنسب متباينة في مناطق كرمنشاه وايلام وكهكيلوية وبوبر احمد وممسني وبختياري وجهامحال واصفاهان وشيراز وفارس والاهواز وخراسان وكرمان وكيلان وقزوين وغيرها من المناطق لحد اليوم داخل ايران. واما داخل العراق فانهم منتشرون في نواح من خانقين ومندلي والسليمانية وكركوك والتون كوبري وبغداد وديالى وشهربان والعمارة والبصرة والكوت والحي وعلي الغربي والديوانية والشامية والحلة والكوفة. رغم الظروف السياسية الصعبة التي مرت عليهم من اساليب التعريب القسري والمضايقات والتهجير في مختلف العهود ، وبالاخص في الازمنة المتأخرة منها}.
من كل ما تقدم اعلاه نستنتج صحة وجود الكورد الفيليين في ارضهم التاريخية في وادي الرافدين مع نشوء الحضارات الاولى فيها ، وقد انحسر دورهم وارضهم وتوسعت تبعا لقوة الامبراطوريات التي حكمت المنطقة في فجر التاريخ الاول ، ولكن يمكن أن نؤكد انهم كانوا سكنة شرق دجلة ، حتى ظهور الاسلام وانتشاره والذي رافقه نزوح عدد اكبر من القبائل العربية الى المنطقة ، واندماجهم مع السكان الاصليين، وتأثيرهم في تعريب المنطقة بحكم ان لغة القرأن عربية، وتغلب الشعور الديني على الشعور القومي وخاصة اذا فهمنا ان العرب كانوا القوة الحاكمة للفترة اللاحقة من تاريخ المنطقة. والذي سنعرج عليه لاحقاً لتبيان دور الاقوام الاخرى في التاريخ الاسلامي.
كما نستنج ايضاً وما تأكده المصادر والاحداث وقبل شمول الكورد الفيليين بحملات أبادة مبرمجة قامت بها الحكومات التي تولت حكم العراق منذ نشوء الدولة العراقية في بدايات القرن المنصرم , كان يشكل الكورد الفيليية الاكثرية السكانية في قرى وقصبات محافظة ديالى ، والكوت وبعض من العمارة ، وكانوا ايضاً ينتشرون في المدن الكبيرة كالبصرة وبغداد والحلة والكوفة. وان ارضهم التاريخية تقاسمتها العراق وايران حالها كحال الاجزاء الاخرى من كوردستان التي قسمت بين اكثر من بلد في بدايات القرن المنصرم .