تماشياً مع سياسة مؤسسة شفق للثقافة والإعلام للكورد الفيليين ومنظمة البيت الكوردي لتخليد عظمائنا ومثقفينا.. أقيم عصر يوم الخميس الثاني عشر من شهر شباط 2009 حفلاً تأبينياً للشاعر والإعلامي والأديب الكوردي المرحوم (محمد دارا) تثميناً وتقديراً لجهوده ومساهماته الأدبية والصحفية في مسيرة خصبة دامت أكثر من ستة عقود فكان وبحق المثقف الملتزم بقضايا شعبه المقسم والمجزأ وقضايا الإنسانية في كل مكان.
إبتدأ الحفل بالوقوف لقراءة سورة الفاتحة على شهداء الحركة الكوردية والعراقية ثم قراءة آيات بينات من القرآن الكريم تلاها المقرئ هوراز أمين بعد ذلك رحب السيد فريدون كريم بالسادة الحضور وقدم نبذة قصيرة عن حياة الفقيد وشخصيته وقلمه الذي لم يأخذه في الحق لومة لائم وكذلك إشارة إلى روحية الشاعر وخياله الواسع … بعد ذلك ألقى السيد علي حسين الفيلي رئيس مؤسسة شفق للثقافة والإعلام للكورد الفيليين كلمة أشاد فيها بالمسيرة الثرة للشاعر والاديب الراحل واشار الى اهمية الاحتفاء بعظماء الأمة لان الأمة التي لا تهتم بعظمائها ليس لها مستقبل . وفي جانب آخر من حديثه عاتب وسائل الاعلام الكوردستانية والعراقية لعدم اهتمامها بالعلماء والاساتذة الاجلاء الذين كرسوا اعمارهم لخدمة المسيرة النضالية للشعب الكوردي وأفنوا زهرة شبابهم دون ان ينتظروا المقابل واشار الى تقصير نقابة الصحفيين واتحاد الادباء والكتاب الكورد في هذا المجال.
في ختام كلمته شكر الحضور على تجشمهم عناء المشاركة في هذا الحفل .
كما ألقيت في الحفل كلمة تأبينية مؤثرة مسجلة للأستاذ جواد كاظم مدير إذاعة شفق وتسجيلاً لمجموعة من الابيات الشعرية بصوت الفقيد.
تلى ذلك تقديم نبذة عن سيرة الشاعر الذاتية من قبل السيد ماجد السوره ميري قال فيها:-
اسمه محمد دارا سلمان، من مواليد بغداد ، باب الشيخ محلة الصدرية، عام 1920.
في أوائل طفولته ولعدم وجود مدارس في منطقته، وكحال باقي الناس الذين يرسلون أطفالهم للمساجد والجوامع لتعلم القراءة والكتابة على يد (الملالي) في (الكتاتيب) ؛ تتلمذ أول الأمر على يد الملا حميد اللرستاني ؛(وهو كوردي مندلاوي الأصل) ، فتعلم منه الكتابة والقراءة والدروس الدينية باللغة العربية فأتقنها بشكل جيد ،وتمكن من حفظ القرآن الكريم بأكمله في مدة قصيرة وتعلم اللغة الفارسية على يد الملا رحيم وهو أيضاً كوردي الأصل. التحق بعدها بالدراسة عند الملا عارف في سوق البزازين، فتعلم الخط والأجرومية والفقه .
بعد أن تمكن من ناصية اللغة العربية؛ انهمك في قراءة الأشعار الجاهلية والمراحل التي تلتها وتمكن من حفظ أغلبها وحفظ القصص والحكايات القديمة وعرج على الأدب الحديث وقرأ أغلب ما كان يصدر من كتب في هذا المجال.
أما عن بداية رحلته مع كتابة الشعر فكانت مع الملا عارف الذي فطن لموهبته الشعرية وكان ينشئ نصف بيت من الشعر أي الصدر ويطلب منه أن يكمل له العجز فيقوم بذلك بكل براعة حتى تمكن من العروض. أما عن أول قصيدة نشرها فكانت في جريدة الكرخ لصاحبها الأديب المرحوم الملا عبود الكرخي. ونشرت له قصائد في جريدة أخبار المساء لصاحبها (مهدي الصفار) في الخمسينيات. أما عن كتاباته باللغة الكوردية فقد نشر العديد من الأعمال الشعرية في جريدة (بيشكه وتن) أي التقدم، وعمل بشكل طوعي دون مقابل كمصحح في هذه الجريدة (التقدم) وقد قام بترجمة رواية الحرب والسلام باللغة الكوردية (اللهجة الكلهورية). وكانت الاستعلامات الأمريكية تصدر مجلة كوردية باسم (به يام) كانت تنشر له العديد من القصائد الكوردية باللهجة الكلهورية وكان المسؤول عنها صديقه (بكر دلير).
في منتصف الأربعينيات قام بزيارة إلى المناطق العشائرية الكوردية في كوردستان إيران الجنوبية من عشائر قصر شيرين وكرند و كرماشان و إيلام و لورستان الصغرى والكبرى وبقي هناك عاماً ونصف العام يجمع الأعمال الشعرية والأدبية للشعراء والأدباء الكورد القدماء والمعاصرين هناك ودونها كلها في كشكول ضخم ضم حتى أشعار بعض الشاعرات الكورديات.
من حوادث تاريخية في كوردستان إيران في تلك الفترة : قيام جمهورية كوردستان التي أسسها المرحوم القاضي محمد فذهب إلى مهاباد عام 1946 وألقى قصيدة بتلك المناسبة في ميدان (جوار جرا) وكانت بعنوان (جه و بكه ره و) أي افتح عينيك. وتوالت بعدها قصائده بالكوردية الكلهورية والعربية الفصحى في أغلب الصحف والمجلات التي تصدر في بغداد حتى أواخر أيام حياته.
سافر محمد دارا إلى مصر في فترة من الفترات وعمل محرراً في جريدة الوفد ردحاً من الزمن ثم محرراً في مجلة (شفق) التي كانت تصدر في مدينة المنصورة. وقدم حينها كراسا من تأليف الأستاذ توفيق وهبي بك بعنوان (عيون الأدب الكوردي) الى الصحيفة ليتم نشرها فعلا. بعدها بفترة سافر إلى المملكة المغربية ومن ثم تونس فالجزائر التي غادرها إلى أسبانيا. وأثناء حرب التحرير في اندونيسيا شارك في القتال على جبهتين بقيادة (سوكارنو) حيث عمل كمراسل حربي لجريدة (مرديكا) أي الحرية التي كانت تصدر في القاهرة، وأصبح أول مواطن فخري في اندونيسيا ولكنه أصيب بالملاريا الخبيثة حيث نقل إلى (بورما) للاستشفاء وبعد أن تعافى أرسلوا في طلبه للعودة إلى اندونيسيا فرفض العودة وفضل الذهاب إلى الهند ولكن سرعان ما توجه إلى أفغانستان ومكث هناك شهرين دون أن يجد عملاً فقرر الذهاب إلى إيران وكان يقوم بتدريس الطلبة المكملين الأدب والتاريخ الإيراني بأجور…
اما عن رحلته في عالم الشعر والأدب والصحافة فقال الباحث:
عمل محرراً ومصححاً في جريدة (هاوكاري) التي صدرت في أوائل السبعينيات وكذلك عمل محرراً في مجلة للأطفال باسم (استيره) وكان يعمل فيها الأستاذان إحسان فؤاد وجمال خزندار، وصدر منها عددان وأثناء طبع مواد العدد الثالث تمت مصادرتها من قبل الأجهزة الأمنية وأغلقت المجلة… بعد فترة استأنف العمل في الصحف والمجلات العراقية الكوردية منها والعربية ونشر العديد من القصائد الشعرية بكلتا اللغتين… بعد إحالته على التقاعد بعدة أعوام وفي عام 1991 أرسل الدكتور بدر خان السندي في طلبه للعمل في دار الثقافة و النشر الكوردية وعمل هناك حتى سقوط النظام في عام 2003 ليعود للعمل كمصحح لغوي في جريدة التآخي وبقي هناك فترة لينتقل للعمل في مؤسسة شفق للثقافة والإعلام للكورد الفيليين وسخر كل خبرته في مجالات الصحافة والأدب والشعر وساهم في الدفاع عن شريحة الكورد الفيليين الى أن وافته المنية ليلة السبت المصادف 22 تشرين الثاني عام 2008.
أما عن أدبه ومساهماته الصحفية فقد ألقى الأستاذ محمد علي السماوي كلمة جاء فيها:-
محمد دارا شاعر وكاتب سياسي وإعلامي قدير كان ذا تجارب كبيرة، عاصر شخصيات أدبية وسياسية وثقافية معروفة، كانت قصائده الحماسية تلهب الشعور القومي لدى أبناء شعبه، كان محباً لشعبه .. إنه أحد أعضاء الهيئة الإدارية لإتحاد أدباء الكورد .. له ثلاثة دواوين في اللغة العربية وله ديوانان في اللغة الكوردية.. إتقن العربية والفارسية فضلاً عن لغته الأم اللغة الكوردية… كانت تربطه علاقات صداقة مع كبار الشعراء والكتاب والأدباء مثل محمد مهدي الجواهري وإبراهيم طوقان وبدر شاكر السياب وعبد الوهاب البياتي وعبد القادر رشيد.
هناك عدة عوامل صنعت منه شاعراً منها موهبته الشعرية وخياله الواسع وكثرة سفره متجولاً بين أقطار عربية وأجنبية وحبه للغته.
بعدها شارك عدد من الحضور بالقاء بعض الكلمات والقصائد التي اشادت بهذا العلم الذي خدم الكلمة الكوردية والعربية على حد سواء منهم الأستاذ سالم اسماعيل نوركة واحمد محمد النقشبندي و عبد الوهاب حمادي وصادق العبوسي وسالم خماني وجواد كاظم وشقيق المرحوم السيد (ابو عادل) والسيدة ليلى هاشم والسيد احمد الحمد المندلاوي.
وجواد كاظم وشقيق المرحوم السيد (ابو عادل) والسيدة ليلى هاشم والسيد احمد الحمد المندلاوي.
12 / 2/ 2009