عثمان باشا
التقى سون عثمان باشا في السليمانية قبل ان يسافر الى حلبجة ويلتقي السيدة عادلة زوجة الباشا. وكان اللقاء عند تاجر صديق لكل من عثمان باشا وسون.
يقول سون حول هذا اللقاء مبدياً انطباعاته انها فرصة طيبة ليتعرف على رجل يحترم اسمه كثيراً القسم الاعظم من كردستان وهو زعيم عظيم في قبيلة الجاف الكبيرة وحاكم حلبجة وشهرزور.
يصف في البداية زيه، وهو زي قبيلته لكنه من نوع فاخر اذ ان كل لباسه من الحرير وسترته موشاة بالذهب ويضع في حزامه خنجراً ويتدلى من جانبه مسدس صغير من نوع (برونيك) بعد ذلك يصف مظهره فيقول كان انفه صغيراً معقوفاً وقد بانت عظام وجهه على غرار كردي شمالي اصيل ومظهره على العموم ينم عن شراسة وقسوة، وكان يتكلم جملاً قصاراً يصوغها في لهجة قبيلته ويقوم على خدمته عدد من الرجال الغلاظ وعشرون من حملة البنادق وحامل غليون وخدم اخرون مسلحون.
كانوا يقفون مع الباشا ولم يترددوا حتى في المشاركة في الحديث وما كان الباشا ليستهجن تدخلهم وعلى الرغم من كونه غنياً وقوياً لكنه لا يعزل حياته عن حياة شعبه بأي وجه من الوجوه ولا يعد نفسه اسمى منهم اجتماعياً كذلك فهو على صلة وثيقة بمشاعرهم يعرف تفاصيل حياة افراد قبيلته.
لقد لاحظ سون مدى احترام الباشا لزوجته ومدى حبها له، فقد صادف عندما كان سون جالساً عنده ان جاء راكب من حلبجة وقد قطع كل هذه المسافة بين حلبجة والسليمانية ليقدم باكورة خيار الموسم الذي ارسلته زوجته له لكي يذوقه وسرعان ما ارسل الباشا احد خيالته الى حلبجة ليحمل الى زوجته شكره على مشاعرها (263-4).
عثمان بك لقد سمع ريج على ما يبدو عن شخصية عثمان بك قبل ان يلقاه. ان عثمان بك هذا هو اصغر اخوان الباشا كما يقول عنه ريج وانه اكثرهم جرأة.
يذكر ريج ان منظر عثمان بك اثر فيه كثيراً فلم يكن ضخم الجثة بل كان مربوعاً قوي البنية. وتقاطيع وجهه متناسقة غاية التناسق ولحيته سوداء مجعدة وعيناه زرقاوان غامقتان، وحاجباه سوداوان واهدابه سود، وسحنته خفيفة السمرة وردية جميلة نقية، لقد كان بوجه عام شاباً وسيماً جداً.
اما صفاته الاخرى فيذكر ريج، يقال عنه انه لا يضاهيه من ابناء قومه احد في الفروسية وفي التمارين العسكرية المفضلة لديهم وهو مشهور ايضاً بشجاعته وكرمه ومن جهة اخرى يقال عنه انه فاسق في اخلاقه مستبد في ميوله إلى حد ما (54).
بعد ان التقى ريج عثمان بك اللقاء الاول وتحدثا خرج ريج بانطباعات جديدة عنه فبعد ان يصف الزي الذي يرتديه وحبه لاناقته يذكر انه وجده متحدثاً رقيقاً غير متكلف وحديثه ينم عن الاخلاص. دون ان يكون أي اثر للخشونة والفظاظة فيه. وقد الفاه مهذباً في سلوكه ويرى ريج ان عثمان بك نفسه كان مدركاً لميزاته الشخصية. وكان انذاك يبلغ من العمر اثنتين وثلاثين سنة أي اصغر من الباشا بسنتين.
وكذلك خرج ريج بانطباعات عن موقفه السياسي فقد كان ميالاً إلى الحديث عن شؤون البلاد الكردية بحرية جاوزت الحد الذي اراده ريج – على حد تعبيره – وكذلك يقول كان من السهل الادراك انه لم يكن ميالاً للاتراك. (55)
وعندما زاره ريج في داره خرج بانطباعات جديدة تنم عن اعجاب ريج بشخصية عثمان بك. ان ملاحظة ريج حول موقف عثمان بك من موت نجله الصغير تجعلنا ندرك ان عثمان بك كان اكثر واقعية من اخيه الباشا واقل اكتراثاً بالموت إذ يقول انه ذهب لمقابلة عثمان بك لتعزيته وأجابه هذا بجمل قصيرة معتادة (هذا امر الله ولا مرد لامره واطال الله في عمر الباشا وفي عمرك) وبعد برهة – حسب ريج – بدأ عثمان بك يتحدث ويضحك كعادته، ثم فحص بعض الجياد ثم جيء له ببعض احجار الرخام ليختار منها قطعاً يزين بها قصره الجديد (193). ولو قارنا وقع موت نجل الباشا على الباشا بموت نجل عثمان بك على ابيه لامكن التعرف على مدى الفرق بين الشخصين بازاء مسألة الموت والحياة على الرغم من عمق النزعة الدينية عند الباشا التي يفترض ان تجعل من المتدين اكثر واقعية في تقبل مصاب الموت. اذ لاحظ ريج ان حزن الباشا على ابن اخيه كان اشد بكثير من حزن عثمان بك على ابنه، فقد كان الباشا بالغ التأثر ويحبس دموعه بصعوبة ونجد اشارة إلى هذا الفرق بين الباشا واخيه عثمان بك في مذكرات ريج فيذكر ان ثمة فرقاً كبيراً بينه وبين الباشا فعلى الرغم من ان عثمان باشا بدا لريج مشغولاً ويتمتم بالصلوات رجا ريج ان لا ينسى شراء الاوتار لكمنجه* كان ريج قد اهداها اليه (216).. ترى هل تعلم عثمان بك العزف على الكمان؟ مسألة بقيت مجهولة لكن النزعة للفن وممارسة الهوايات لدى هذا الشخص غير مجهولة وقد اشار ريج إلى ان عثمان بك كانت له (زور خانه) أي ناد رياضي كما كان يهتم بالموسيقى ويدعو بعض الفرق المحلية أو يستدعيها من بغداد لاحياء حفلات موسيقية. ان عثمان بك كان شديد الاخلاص لأخيه الباشا وقد اسر لريج سراً رجاه ان يكتمه وهو ان الباشا يفكر بالاعتزال وانه يبذل قصارى جهده لارجاعه عن عزمه. وهو يدري ان الباشا إذا اعتزل المسؤولية فان الباشوية ستعهد اليه فقد عرض عليه امير أو شهزادة كرمنشاه هذا المنصب اكثر من مرة وكان ريج على علم بهذا العرض (218). الحقيقة ان موقف عثمان بك يقدر عالياً في مجتمع شرقي يكون التنافس فيه على السلطة تنافساً شديداً وقد عانى الباشا من خيانات اسرية فقد خانه اخوه حسن بك وكذلك عمه عبد الله باشا لكن عثمان بك كان مخلصاً لاخيه لا يريده ان يتنحى عن منصبه على الرغم من كونه المرشح على الاكثر لتولي المسؤولية ولكن مع هذا قطع الباشا علاقاته مع عثمان بك وجرده من كل املاكه وصلاحياته بسبب المؤامرات والخدع التركية، فقد كانت تركيا تحاول ان تقوض اركان هذه الاسرة وتزرع بينهم روح الشقاق والفتن، وكما يقول ريج ان السلطات المجاورة ويقصد ايران وتركيا ليس بوسعها ان تدخل كردستان بالقوة بل بهذه الدسائس والفتن (228).
عثمان (شيخ ئوسمان) يذكر هَيْ في مذكراته ان رسولاً جاءه يقول ان ضابطاً ومفرزة من الجند على وشك ان يدخلوا المدينة (كوى) لاعداد المكان المناسب للشيخ عثمان المعين من قبل الشيخ محمود قائممقاماً على كوى. وقبل اسابيع قليلة من هذا كان المقدم نوئيل قد زار السليمانية وتم تعيين الشيخ محمود حكمداراً على كردستان وضمت مدينة كوى الى ولايته.
لقد شعر هَيْ بالحرج اذ كان قد عين حمه اغا حاكماً على كوى ثم جاء عثمان مرسلاً من الشيخ محمود ليكون قائممقاماً على مدينة كوي يصحبه ابن عمه شيخ عبد الله وضابط تركي سابق يدعى رشيد افندي مع قوة تبلغ (400) جندي.
ويصف هَيْ شخصية الشيخ عثمان انه رجل ماجد (جنتلمان) بحق وذو طابع مسالم ولين العريكة صغير الحجم نحيف البنية ويقول هَيْ انه لم ير انساناً على الرغم من نحافته على هذا الجانب من العظمة والسمو، وتمثل ذلك عندما قدم الشيخ عثمان الى السراى بعباءته المتطايرة وبمن كان يصحبه من سلسلة طويلة من الاتباع.
ويؤكد هَيْ ان الشيخ عثمان كان امينا صادقا معه في معاملاته جميعاً كما لم يكن يصح ان يصبح حاكماً (قائممقاماً) على كوى على الرغم من وجود اناس كانوا يرغبون بذلك لقد خبر هَيْ الذي كان محرجاً من حمه اغا بعد ان اخبره ان سلطته اصبحت معلقة الآن، ان يحكم المدينة بعنوان – معتمد الشيخ محمود الخاص – وكأنه قد جاء لحسم الخلافات بين عشيرتي غفوري وحويزى.
ومن الاشياء التي يذكرها هَيْ عن الشيخ عثمان انه قد اهدى هَيْ آلة تصوير من طراز كوداك هدية له وكان قد اخذها من ضابط الماني ويختتم تقريره عن الشيخ عثمان بانه كان انيساً لطيفاً جداً (166-70).
عمر اغا تعرف ريج عمر اغا قبل وصوله السليمانية فبعد ان ضرب ريج مخيمه على الضفة اليسرى من سه رجنار حتى تم التهيؤ لدخول السليمانية وصل عمر اغا وهو ضابط كردي يقول عنه ريج، كان واجبه ملازمتنا طوال مدة مكوثنا في كردستان (48).
يصف ريج عمر اغا بـ (الصديق الفطن) وكان بطبيعة العلاقة يكثر من محادثته ومحاورته ويبدو ان عمر اغا كان يمتلك معلومات كثيرة عن الواقع الاجتماعي والعشائري في كردستان (104) ويبدو ان عمر اغا الذي لازم ريج اثناء وجوده في كردستان وكذلك اثناء سفره إلى سنه وعودته منها قد اظهر لريج الكثير من العطف لا سيما عندما مرض ريج في الطريق ويذكر ريج ذلك من باب الوفاء، إذ غاب عن رشده وادرك من بعد انه لا يستطيع السفر ابعد من (بايه ن ده ره) ويحدثنا ريج كيف اضطجع ناشداً الراحة تحت ظل صفصافة عند جدول جميل واحتسى كوباً من القهوة التي أنعشته واصر عمر اغا الذي يصفه بالحنون بان يشرب ملء ملعقتين من دواء الاكراد العام وهو الشنين (ماستاو) وقد جلبه لريج من (بايه ن ده ره) ويعترف ريج انه انتعش بالشنين أو (الماستاو) كثيراً وفي العاشرة والنصف شعر بقدرته على قطع ما تبقى من الطريق وكان لحسن الحظ سهلاً كما يذكر (168-170).
يصف ريج عمر اغا بانه الشرقي الوحيد الذي عرفه حتى ذلك الوقت خلال اختباراته الطويلة للعرب والاتراك والايرانيين الذي يستطيع ان يلقبه بـ (جنتلمن) بكل ما في تلك الكلمة من معنى. لقد حدّث عمر اغا ريج عن ماضي حياته وعن معاناته الحاضرة ايضاً فقد كان عمر اغا قد اقتيد إلى السجن مع اربعة أو خمسة من اقرب رجاله ويبدو انه قد عومل معاملة قاسية في السجن ويومياً ياخذون واحداً من رجاله ليجلدوه جلداً مبرحاً لاكراههم على البوح بمخبأ دار سيدهم وامواله وربما كان الواحد منهم يجلد مرتين في اليوم وعلى الرغم من ذلك لم يبد على واحد منهم الضجر أو اعترف واجتمع رجاله في احد الايام وتوصلوا إلى اخبار سيدهم بانهم دبروا خطة لاقتحام السجن في تلك الليلة وذبح الحراس، والفرار بسيدهم إلى كركوك ولكنه منعهم منعاً باتاً عن القيام بهذه المحاولة وكاد رجاله يموتون جوعاً خلال مدة سجنه الا انه لم يظهر أي منهم رغبته في تغيير ما هو عليه من الحال أو ترجيح خدمة اخرى على خدمته.
التآخي