مم وزين والبعد الفلكلوري الشعبي
ان فلكلور اي شعب من الشعوب هو مخزون تطوره وصراعه الطويل عبر التاريخ ، يراكم فيه معارفه و تجاربه ، في صراعه مع الطبيعة ، وصوره عن الحياة ، فلا غرو ان يتجه العلم الحديث في الاستناد اليه كركن اساسي من اركان التحليل والتفسير لاية ملحمة او اسطورة او نمط ، بالعودة الى المنبع وهو الفلكلور بابعاده وازمانه وامكنته ..
وعظمة اي شعب _ بقناعتي _ تتأتى من قدرة فلكلوره على اختزان و اختزال مسيرة تطوره في صيرورته التاريخية المتدرجة لتوصل اكبر قدر ممكن من تلك المكنونات الى الاجيال اللاحقة . وهنا وان كنت لست بصدد دراسة مستقلة عن الفلكلور الشعبي الكردي _ يجب القول ان عظمة وقوة هذا الفلكلور _ اقصد الكردي _ يتأتى بتحديه _ ولمراحل طويلة _ وبقوة لتحديات كبيرة استهدفت وجوده ولكنه ثابر وحافظ على خصوصيته ، ولسنين طويلة _ ومازلنا الى الان _ بقوة فلكلورنا نتصدى لثقافات قوية تستهدف محونا واذابتنا … من هذا المنطق ولمرجعية الفلكلور وكونه القاعدة / المنبع الاساسية _ ارى بأنه _ لابد من تفكيك الملحمة وربطها بجزئياتها الفلكلورية ومن ثم _ امكانية _ معرفة الرواسب المتبقية حولها الى الان في الموروث الذهني حتى نتمكن على الاقل – من التقرب – ولااقول معرفة – الفواصل الاساسية لهذه الملحمة … وهذه الحالة ستعود بنا القهقري – وبجهود مضنية – الى الوراء .. الى الاف السنين ، لعلها مراحل ماقبل التاريخ – التدوين – ومن ثم بدايات التدوين الكتابي ، واحدد هنا _ حيزي الجغرافي _ منطقة // ميزوبوتاميا // بلاد مابين النهرين تحديدا …
1_ الوعي الاسطوري _ الملحمي في ميزوبوتاميا _ البنية الاساسية :
يكاد علماء الميثولوجيا _ في غالبيتهم _ يتفقون على موضوعة ان بلاد ما بين النهرين // ميزوبوتاميا // هي منشأ الاسطورة … مثلما شهدت انطلاقة فجر التاريخ وذلك بتدشين مرحلة الكتابة .
وقد وسمت هذه الثقافة باسم شعب مازال البحث والجدال قائمين حول اصله وطريقة وصوله الى جنوب النهرين ، وان كانت اكثر الاراء والمدعومة بمكتشفات أثرية معاصرة // تل ليلان – قرب القامشلي الان // توحي بأرجحية كونهم توجهوا الى هناك من الجبال الشمالية الشرقية _ للعراق كمصطلح تاريخي قديم _ والتي اثيتت بعض الدلائل الاركولوجية المعاصرة ايضا _ طريق انسياحهم وخط توجههم الى هناك // اثار موقع تل الخنيديج على نهر الخابور قرب الحسكة مثلا // (7) وقد سمي هذا الشعب ب ((السومريين)) ودون الدخول في مزيد من التفاصيل اقول : لقد ابدع هذا الشعب فن الكتابة (8) فسطر من خلالها ابدع واروع النصوص والملاحم .. اصاغت فيما اصاغت نظريات وان كانت بدائية في اصل الكون ونشوء الحياة و خلق الانسان .. الخ ، وفق رؤى لاتخلو من هالات على الانسان ان يصغي اليها برهبة وقدسية … وقد وصلت الثقافة السومرية من القوة حتى طغت على ثقافات المجتمعات المجاورة التي تلتها واضحت الركيزة الاساسية لبناء المفاهيم المتتالية حول التكوين … الحياة … الخلق … الخ …
فترتكز عليها ثقافات الشعوب التالية تضفي عليها خصوصياتها وتشبعها برؤى وتجارب حياتية جديدة … ومؤكد هنا ان يختلف فيه بعض الاسماء / الابطال/ الالهة / المنطقة حسب رؤية وموقع ذلك الشعب / التجمع … وفي هذه العجالة لايمكننا البتة تجاوز المتغيرات الاقتصادية / الاجتماعية التي رافقت تلك الخطوات ، من صيرورة المجتمع _ السومري تحديدا _ نحو الاستقرار وبناء التجمعات السكنية … فالمدن وما رافقتها من متغيرات معيشية ومستلزمات حياتية فتظهر المهن / الحرف وتتوسع الزراعة _ كما ونوعا _ وتدجن الحيوانات وتتشكل قطعان المراعي …
ومن ثم ما اضفت عليه هذه المتغيرات من اثر في ترسيخ مفهوم مركزة الماء وضرورتها كأحد العناصر _ الاساس _ بل الاصل في وجود الحياة ومن ثم استمرارها وارتهانها به .. ففي البدء ظهرت الحركة من العماء ومن العماء الى بحر الظلمات ومن البحر انطلقت الحياة … وفي البدء كان السكن قرب الينابيع و الانهار .. الخ …
فالماء حاجة ماسة وضرورية لاستمرارية الحياة بالنسبة للانسان والنبات والحيوان ومن هنا تركزت طقوس العبادة في مجتمع _ زراعي ورعوي كهذا _ في شكل دورة الحياة مع تحول الطقس / المناخ _ لاابل _ تجسدت فيها وادمغتها معها لتدخل في شكل تركيبي / مندمج مع تصورات الخلق ومن ثم .. دورة الحياة من جديد ..
ويكفينا تأملا في اسطورة اينانا ودوموزي السومرية ومن ثم تموز وعشتار البابلية لاحقا وكيفية تجسد هذا الطقس _ دورة الحياة (9) في نمط المجتمع الزراعي / الرعوي المعتمد على الماء كوسيلة اساسية لاستمرارية الحياة ومن ثم لتوضح المفهوم / الاساس السابق زمنيا للملحمتين حول بدء العالم / الحياة منذ الزمن الهلامي الهيلوي … وصراع // ابسو و // تعامة // او // تامات // قبل الخلق ومن ثم توجههم نحو خلق النسق / الجيل الاول من الالهة _ الابناء كما هو وارد في اسطورة التكوين البابلية _ اينوماليش _… و طبعا لم تخل تلك الاساطير والملاحم من ذكر الصراعات الجانبية داخل المجتمع _ بين المزارعين والرعاة مثلا _ وان بدت على شكل لاتناحري مما يوضح مفهوم التكامل بينهم وهذا ما يبدو اضحا في النص السومري لملحمة صراع الراعي والفلاح على // اينانا // التي اختارت الراعي دون الفلاح زوجا لها …
ومن ثم ظهور مفهوم المقايضات والتبادل السلعي لتتكامل دورة المعيشة والحياة … ومن هذا المنطق فقد شغلت مسألة الموت حيزا مهما من التفكير السائد وبدا الفهم يتوجه نحو ايجاد صيغة من صيغ الاستمرارية كالعودة الثانية الى الحياة او الخلود …
فيطرأ مفهوم العودة الى الحياة لتشغل صيغا ومفاهيما متعددة ترتكز _ ايضا _ على اساس فهم الخلود _ وايضا _ انطلاقا من مفهوم دورة الحياة كانعكاس لبيئة زراعية _ رعوية حيث العشبة اليابسة الميتة _ وجذورها القابعة في بطن الارض _ والحبة اليابسة تدفن في الارض لا تلبث ان تنمو من جديد … وهكذا ان ولعل هذا الامر لم يرو عطش المفكرين الاوائل فترتقي بهم الرؤية بعد بحث وجهد مضنيين عن الخلود ، فتصل الى عصارة الفهم _ الحالي _ بأن الانسان يخلد بأعماله ومايتركه لمجتمعه وللاجيال القادمة … ولعل المفكر السومري في صياغته _ لملحمة جلجامش وهو يبحث عن سر الخلود بعد موت صديقه انكيدو _قد سبق انسانا المعاصر ، فبعد جهد جلجامش الشاق بحثا عن الخلود ، وبعد ان منحه // آوت نابيشتم // بطل الطوفان المخلد من قبل الالهة _ بذرتها استطاعت حية كبيرة خطف تلك البذرة ليعود جلجامش الى مدينته _ اوروك _ ويحدد قناعته بأن الانسان فان وان ما يخلده هو الاعمال العظيمة فقط …
لقد تقصدت ذكر هذه الملاحم والاساطير الموغلة قدما في التاريخ والتي اناطت المكتشفات الاثرية الحديثة اللثام من مكنوناتها ومن ثم فكت رموزها لانه سيتوضح معنا لاحقا _ من وجهة نظري _ الارضية الاساسية التي اصاغت عليها ثقافة مابين النهرين // ميزوبوتاميا // ملاحمها واساطيرها ومن ضمنها الذهنية التراثية الكردية ب _ صيغ _ أشكال // مم وزين // – القاعدة الاساسية _ الجذر.
Taakhi