يسر صفحة دراسات كوردية ان تقوم بنشر كتاب الدكتور بدرخان السندي
( المجتمع الكردي في المنظور الاستشراقي) وذلك عبر حلقات متسلسلة.
ومن الامور الطريفة في مجال المعتقد ما يذكره هاملتون عن انطباع الكرد عن (ليمنكتن) وهو أسم استعاره هاملتون في مذكراته للنقيب ليتد لديل، وكان هذا آنذاك ضابطاً في قوات الليفي وجريئاً وقادراً على ارتياد الجبال بشكل مثير للانتباه وليس له غير مسدسه وجواده وقليل من الاتباع.
ولان هذا الضابط كان في عصب إحدى عينيه عيب أو خلل يمنعه من السيطرة عليها فكان شكله يبدو غريباً مما أعطى انطباعا لدى الأكراد ممن كانوا يشاهدونه انه يملك قوى خارقة للطبيعة لسبب لا يدريه هو (66), ويذكر هاملتون اعتقاد الكرد الذين وصفهم بالقوم الذي لا يرهبهم حيوان أو إنسان وهم يطلقون النار على أيهما بالسرعة نفسها، كانت وجوه بعضهم شاحبة داخل الكهف الذي أراد هاملتون استكشافه عندما انطفأ النور فجأة، فقد ظن هؤلاء البسطاء المتمسكون بالخرافات أن زوال الضوء كان من عمل الجن، ومن فعل مارد الجبل الشرير. وقد علل هاملتون انطفاء المشعل إلى قلة الأوكسجين بعد أن توغلوا في الكهف فطلب منهم إشعال عيدان الثقاب والاستدارة نحو فوهة الكهف (176).
يحدثنا شميدت عن العقيدة الزرادشتية التي كانت ديانة الكرد قبل دخولهم الإسلام، وهو يصف الكرد مذهبيا بأنهم ينتمون إلى المذهب السني الشافعي ونعتقد لو أن شميدت ذكر أن (معظم) الكرد على هذا المذهب لكان أدق في تعبيره (218) وبالرغم من أن عدداً من المؤرخين يعتقدون أن مقاطعة أذربيجان وهي أشهر مقاطعات ميديا هي موطن زرادشت الأول وأن لغتها كانت لغته القومية كما يذكر ذلك أحمد أمين (11) فان المستر ريج يعتقد أن مدينة العمادية (في كردستان العراق) هي موطن زراده شت (107).
نعود إلى شميدت وهو يصف الكرد بأنهم غير متعصبين أو متزمتين ومتسامحين مع المسيحيين الذين يعيشون معهم.إذ يعتقد أن الكردي العادي ليس متشدداً في إقامة صلاته اليومية أو صيام رمضان ويحج قلة من الكرد إلى مكة ويعلل ذلك بسبب إجراء الشعائر الدينية باللغة العربية التي لا يفهمها معظم الكرد كما يعطي تعليلاً آخر فهو يعتقد أن الجبال قد تكون سبباً في اتجاهاتهم إلى التصوف وطرق الدروشة التي تهدف إلى الاتحاد الوجداني بالله (218).
لقد اختلف الرحالة والمستشرقون في موضوع مدى تدين الكرد، ففي الوقت الذي نجد من يتفق رأيه مع رأي شميدت الذي ذكرناه تواً، نجد العكس أيضاً في انطباعات غيرهم، فهذه هانسن على سبيل المثال تذكر، أنها لم تكن تعرف مدى تأثير الإسلام على الشعوب حتى زارت كردستان ورأت كيف يقيمون الصلاة الخمس ويأتون الزكاة ويصومون ويذهبون إلى الحج إن استطاعوا (119).
والحقيقة نحن نعتقد أن نسبة المصلين من الكرد هي عالية قياساً بالشعوب الأخرى وحتى العربية ومعظم الكرد يصومون رمضان ولكن ربما الظروف التي شاهد فيها شميدت كردستان كانت ظروفاً غير طبيعية فقد تجول شميدت في مناطق تدور فيها حروب ضارية وقصف جوي ومدفعي وعوائل مشردة وأخرى تلوذ بالجبال والكهوف. ربما هذا بمجموعه لم يعط الصورة الواقعية للنـزعة الدينية للكرد هذا من جهة ومن جهة أخرى نحن نعتقد أن الكرد أقرب إلى فهم العربية من الباكستانيين مثلاً بحكم الجوار الجغرافي ولكن ملاحظته حول التصوف جديرة بالدراسة إذ راجت الطرق الصوفية في كردستان وقد تحدثنا عن ذلك في موضع آخر من هذا الكتاب ومع ذلك فإن الطرق الصوفية لم تكن وليدة في كردستان بل وافدة عليها وغالباً ما تكون من اقوام آرية ولنا في هذا وجهة نظر خاصة، ربما كانت خارج إطار هدف الكتاب هذا.
ينقل شميدت إلى قرائه شكوى الكثير من الكرد من تجاوز شيوخهم حدود سلطانهم لا سيما البعض الذي تعاطى السحر والشعوذة واستغل سذاجة النساء والفتيات وعلى الرغم من ذلك فان شميدت لا ينسى أن يذكر بان زعماء كرداً لابل بعض اعظم زعماء الكرد كانوا متصوفة مثل الشيخ سعيد بيران الذي تزعم الثورة الكردية في كردستان تركيا 1925 وشيخ محمود الحفيد وشيخ بارزان (218).
ويبدو إن شميدت قد لاحظ أن البعض يرجع إلى الشيخ فلان لأن عنده الغفران وربما قصد شميدت ما يسمى التوبة، فقد يذهب الكرد عند أحد الشيوخ ليعلن التوبة عما سبق وفتح صفحة جديدة ويشعر الكردي بعد هذه التوبة بصفاء الروح والخلاص من ثقل أفعاله والتوبة مشروطة بعدم العودة إلى ما لا تقبله الشريعة الإسلامية .
ومثل غيره من الرحالة يشير شميدت إلى الطريقتين الصوفيتين المعروفتين في كردستان القادرية والنقشبندية ويصف بعض الفعاليات الشاذة.كما انه يشير إلى طائفة اليزيدية وبعض طقوسهم وطوائف أخرى كالقزلباش (220).
إن شميدت يرى أن الطرق الصوفية في كردستان انتظمت على أسس قبلية ، فالشيوخ يعملون ويفسرون في مواضع سكناهم يحيط بهم تلاميذهم ومريدوهم ويقوم أفاضلهم بتسلم (الطريقة) من شيوخهم والتبشير بها في قبائل أخرى وهكذا على حد قول شميدت انتظمت كردستان كلها في شبكة حلقات صوفية، وفي بادئ الأمر كان الشيوخ، رؤساء روحانيين لا غير ولما تعاظم نفوذهم وتراكمت الهدايا والعطايا أخذوا بالتدريج ينقلبون إلى زعماء ذوي سلطات زمنية (218). ويشير شميدت في مذكراته إلى أن بعض مريدي الصوفية يعتقدون ان شيخهم هو المهدي المنتظر (142).
وقد لاحظ شميدت أن الاباء يرسلون أطفالهم لتعلم القرآن الكريم ولكنهم على حد قوله يتعلمون قراءة القرآن لكنهم لا يفهمون شيئاً ، هي كما يذكر تمارين لتقوية الذاكرة ليس غير.
إن مشاهدة شميدت لهذا النوع من التربية الدينية كانت في قرية تسمى (سوريه) فقد وجد فيها رجل دين يحفظ القرآن لعشرة صبيان، وسورية هذه هي إحدى القرى التي أبيدت عن بكرة أبيها من قبل قوات الحكومة ولا نعتقد أن صبياً من الصبية الذين شاهدهم شميدت قد نجا من القرية التي أحرقت بأهلها وهي قرية تابعة إلى قضاء زاخو مدينة المؤلف.
إن طريقة تدريس القرآن هي التحفيظ كما شاهدها شميدت وهي تقوم على التهجئة الصوتية ثم القراءة أما من يريد أن يكمل دراسته الدينية فإنه يدرس القرآن والفقه. ومع هذا فإن ملاحظة شميدت صحيحة فكثير من الكرد الكبار لا يفقهون ما يقرأون أو لا يفهمون ما يرددون أثناء الصلاة إلا المتعلمين للغة العربية منهم وشأن الكرد في هذا شأن الأقوام التي دخلت الإسلام كالباكستانيين والإيرانيين والترك 000الخ لا بل فإن المؤلف قد تأكد من أن كثيراً من العرب المصلين لا يفقهون معاني الآيات التي يقرأونها أثناء الصلاة، فكيف بغيرهم من الأقوام. وعلى أي حال فإن هذه مسألة تخرج عن حدود وغايات كتابنا هذا ويمكن الحديث عنها في مجال آخر.
ومن الملاحظات التي سبقت ملاحظات المستر ريج ملاحظات بورتر الذي زار السليمانية قبل عام 1820 فقد تحدث الأخير عن المعتقدات حول سرجنار قبل بلوغه السليمانية بقليل، فقد قيل له أن الماء المتدفق هناك ينبع من سفح تل أخضر وهو يحمل اسم الإمام علي(رض) رابع الخلفاء الراشدين، إشارة إلى بلوغ الإمام علي (رض) إلى سرجنار. وقد توارث الناس هذا المعتقد وهو أن الخليفة المقدس قد أقام خيمته مرة على المنحدر وقد نمت شجرتان هناك، أن كل شجرة قد نمت في الوتد الذي دق لربط حافر حصانه (448)، وهذا ما ذكره ريج أيضاً ودونه في مذكراته عام 1820.
إن لظاهرة الموت علاقة وطيدة بالمعتقدات ومن هنا نجد إن كل الأقوام عبر مسيرة الحضارة الإنسانية ربطت بين الموت والدين، أو المعتقد. ومن هنا لابد أن ننظر إلى مسألة الموت في الشعب الكردي من زاويتين الأولى تمثل الموروث الانثرواجتماعي للشعب الكردي والثانية تمثل نظرة الدين الإسلامي إلى الموت ذلك أن الشعب الكردي في كثرته شعب مسلم.
يذكر توما بوا أن الكردي صلد أمام الموت ويعرف كيف يواجه الموت بشجاعة ويذكر بوا عدداً من الأمثلة والحكم الكردية المعنية بالموت كما أنه يشير إلى أن للكرد في مناسبة الوفاة والمآتم عادات خاصة بهم، ويفضل الكردي الموت في ساحة المعركة على الموت في السرير.
والحقيقة نود هنا أن نسترسل في ذكر انطباعات تومابوا عن الموقف والتعامل مع ظاهرة الموت عند اليزيدية بصفتهم كرداً اقحاماً في كثير من صنوف طقوسهم لإعطاء طابع تاريخي عن الكرد قبل الإسلام في هذا الموضوع، وربما بقيت بعض هذه الطقوس واندثر القسم الباقي .
يغسل الجسد رجل ديني يسمى (بير *) وهي درجة دينية في اليزيدية.
Taakhi