يسر صفحة دراسات كوردية ان تقوم بنشر كتاب الدكتور بدرخان السندي
( المجتمع الكردي في المنظور الاستشراقي) وذلك عبر حلقات متسلسلة.إن مسألة الحشيش والصوفية ليست بالأمر الجديد – ونحن لا نقصد الكل بل كل من أتى بفعل مشين بإسم الخصوصية الدينية الممنوحة له ولجماعته-. يذكر الدكتور زكي مبارك أن الحشيشة شاعت في البيئات الصوفية كما يحذر بوجوب الاحتراس من الآفات الأخلاقية التي تنشأ من مصاحبة أصحاب الأذواق- يقصد الصوفية- من هذا النمط ثم يؤكد أن الصوفية وبلا شك لهم أياد في نشر آفة الحشيشة بين الجماهير الفارسية والعراقية والشامية والمصرية (325-326).
يستعرض تومابوا المعتقدات الكردية منذ اعتناق الكرد للزرادشتية ويحاول أن يلقي ضوءاً على مفهوم الزرادشتية وعلى طقوس هذه الديانة وعندها النار رمز العدالة والنضال ضد قوى الشر فكل رجل عليه الخيار بين الخير والشر (أورمه زد) و(أهريمه ن) وضرورة الاحسان إلى الحيوان والحكمة الزرادشتية قائمة على ثلاثة أركان (التفكير الجيد والكلام الطيب والعمل الحسن) (103) .
ثم يستعرض تومابوا موضوع دخول الكرد الإسلام وثوراتهم المتعددة ضد الخلفاء وجنودهم (105). بعدها يتحدث عن طقوس الديانة الإسلامية وهذه مسألة تشترك فيها الأقوام المسلمة كلها أي ليست خاصة بالكرد وحدهم ثم يعرج على العقائد الصوفية التي ظهرت في كردستان وكيف أن الكرد عبروا عن نظرياتهم الصوفية وطرقهم التقشفية في قصائد عديدة لا يفهمها إلا الندرة ويذكر تومابوا أن في الأشعار الرمزية دوماّ عنصر المودة البشرية (111).
يحاول توما بوا أن يعطي أمثلة عن التعابير الرمزية في الأدب الصوفي ومن ثم تقاليد الارتقاء الصوفي . وهو يذكر كما ذكر من قبله المستشرقون والرحالة الطريقة القادرية نسبة إلى الشيخ عبد القادر الكيلاني وأسماء بعض عوائل المشايخ مثل الطالباني في كركوك والبريفكاني في بادينان ويحمل الرئيس العام لهذه الطريقة في بغداد لقب نقيب الأشراف (112) .كما يذكر الطريقة الثانية وهي النقشبندية ومؤسسها بهاء الدين من بخارى (1317-1389) التي انتشرت في كردستان على يد مولانا خالد.وعندما يقارن تومابوا بين الطريقتين يذكر إن شيوخ النقشبندية أكثر عدداً وأكثر نفوذاً من شيوخ القادرية.ويرى أكثر العوائل سلطة شيوخ شمدينان ونهرى وبارزان وشيوخ طويلة * (112).
ويربط توما بوا بين عدد من الحركات الكردية المسلحة وسلطة الشيوخ في إعلان الجهاد مثل الشيخ عبيد الله الشمزيني والشيخ سعيد بيران والشيخ وتحت عنوان (الأكراد الهاربون من الإسلام) يصف تومابوا أمام بعض المذاهب التي يسميها بالمذاهب المنحرفة أي تلك التي تهربت من الإسلام، وأكثر هذه (المذاهب) من وجهة نظره يتمثل باليزيدية(114)، الحقيقة نحن لسنا مع ما يذهب إليه تومابوا في تعريفه لليزيديين على أنهم في الأساس كانوا مسلمين صوفيين ومن المذهب السني ومتحيزين للخليفة يزيد الأول (680-683) (115) بل أن اليزيديين هم بقايا الكرد الزرادشتيين وان ما يعول عليه تومابوا من دخول بعض المصطلحات أو بعض أشكال الطقوس التي يؤديها اليزيدون اليوم لا تعني أنهم كانوا يدينون بالإسلام قدر ما تعني أن الحروب والويلات ومحاولات إدخالهم الإسلام وارتدادهم ومقاومتهم لذلك لابد ان أدخلت في ديانتهم وطقوسهم شيئاً من ديانات الجار وهذا أمر طبيعي ممكن أن تلقى ما يشبهه في كثير من الديانات المتجاورة في العالم لا سيما إذا كانت الديانة صغيرة ومهددة من قبل ديانة كبيرة قوية واسعة.
وإن ما يدعيه البعض هنا وهناك لا سيما من دعاة الزعامة اليزيدية على أنهم من الأمويين ويطلقون لقب (أموي) على أنفسهم فهي مسألة لا تخرج عن المداهنة السياسية لهذا النظام أو ذاك في المنطقة فأي فريق هذا الذي لغته الكردية صرفة لا بل انه حفظ للكرد آلاف المفردات الكردية التي ضاعت هنا وهناك – لكنها بقيت لديهم؟ وأي أمويين يرتدون زياً آرياً بحتاً إلا من أراد أن يكون (أموياً ) فتخلى عن زيه أو ورث زيه عن جد أو أجداد تخلوا عن أزيائهم في حينه قهراً وليس اختياراً؟ وأي فريق هذا حفظ لنفسه ولكل الكرد التقاليد والعادات التراثية من غناء ملحمي ورقص شعبي أصيل؟ ثم إن لليزيدية أمراء لا يتنازلون عن كرديتهم واعتزازهم بأصولهم الآرية قيد شعرة في العراق وفي تركيا وفي أرمينية وأوروبا. أنها مسألة التعريب أو التتريك أو التفريس مسألة عانى منها كل الكرد عبر التاريخ وللأسف فإن بعضاً من ضعاف النفوس الكرد يعزفون على هذا الوتر ويتكسبون من هذا العزف فذاك من أعاد نفسه إلى آل النعيم فغدا مقرباً والآخر يلوح ببرزنجيته (العربية!) وآخر يلوح بطائيته فيتقربون من السلطة فمنهم الوزير ومنهم الكبير ومنهم الشهير أنها سلعة على أية حال لا بل سلعة رائجة.
ويعرج تومابوا على مذهب كردي آخر يسمي أصحابه أنفسهم أهل الحق ويتسمون بتعصبهم الشيعي وقد ولد هذا المذهب في كردستان وبلغ منطقة شهرزور وهورمان في منتصف القرن الحادي عشر عن طريق (مبارك شاه بابا خوشين) الذي ضم امرأة إلى أتباعه السبعة وهي فاطمة الهيفاء أخت الشاعر الكردي المعروف بابا طاهر الهمداني (635-1010) ويكن أهل الحق احتراماً كبيراً لعلي بن أبي طالب (رض) وذريته مع احتفاظهم بعلاقات طيبة مع السنة إن الكاكائيين الحاليين في العراق هم امتداد لهذا المذهب.
ويذكر تومابوا بعض طقوس أهل الحق فهم (يبجلون بابا يادكار وضريحه و يعد قبلة الحجاج وهم يدعون للأنبياء موسى وعيسى وبالأخص داود ويؤمنون بالمظاهر المتوارثة للألوهية وبالرقم 71 وكل مرة تظهر الألوهية بموكب من أربع أو خمس ملائكة ويؤمنون بالتقمص (تناسخ الأرواح) تماماً مثل اليزيدية والدروز (116).
ثم يستعرض تومابوا باختصار ذوي الرؤوس الحمر الموجودين في الأناضول وديار بكر وخربوت ويتكلمون لهجة زازا ويسمون أنفسهم (علوي) وهم أيضاً من المتطرفين للشيعة. ليس لهم جوامع بل يزورهم مرشد(117). ويؤمنون بوجود وسيط بين الله والبشر وهم (5) ملائكة و121 وزيراً لله و40 نبياً وتجبى ضرائب دينية منهم ويتولى ذلك رؤساؤهم الدينيون وهم (الداد) أو (السيد) ويصومون (12) يوماً لأجل 12 إماماً وثلاثة أيام أخرى قبل عيد الخضر ويصلون مرة واحدة في اليوم ويعبدون الشمس في شروقها وفي غروبها ويقدسون النار ويقدمون الضحايا إلى منابع الأنهار وليس لهم كتاب مقدس خاص بهم ولكنهم يبجلون القرآن والإنجيل والتوراة(117-118).
كذلك يتحدث تومابوا عن الشبك الذين يسكنون في ضواحي الموصل وهم مذهب على حد تعريف تومابوا خليط من اليزيدية والشيعة(118).
ويعرج توما بوا على المعتقدات ذات الطابع الخرافي التي وجد أن الكرد يعتقدون بها .والحقيقة إن ما يذكره تومابوا هنا ليس بالضرورة أن يكون معتقداً عاماً ، إذ رب خرافة سائدة في صقع من أصقاع كردستان قد لا تكون سائدة في مناطق أخرى وهكذا .
ومن انطباعات توما بوا فضلاً عن الإشارة إلى وجهات نظر السياح الذين زاروا كردستان أنهم يتفقون على حقيقة أن الكردي يؤمن باستخدام التعاويذ والطلاسم وان كثيراً من المعتقدات التافهة منتشرة بين الكرد. وكذلك يذكر تومابوا أن النسوة الكرديات بصورة خاصة يعتقدن بقراءة البخت والفال وان الغجريات يقمن بهذا الدور ويستخدمن مختلف الأحابيل والطرق (123).
كتب توما بوا عن المعتقدات المرتبطة بالولادة وغيرها فيذكر أن في السليمانية تحت عبء الحوادث المتوقعة كان على المرأة الحامل أن تحمل نوعاً من الطلاسم والشائع أن المرأة التي تستنسخ هذه التميمة لن تنجب أطفالا! ( طبعاً إن كاتب التميمة سيخسر إذا ما استنسخت التمائم) وكذلك يذكر أن في حالة تعسر الولادة يلجأون إلى الحيل والذرائع الباطلة والخزعبلات ويأتون بحجر وقد كتبت عليه بعض الأدعية ويوضع على ظهر الحامل. أما في قبيلة شمزينان ففي حالة عسر الولادة يوضع سيف(خان له ب زيرين) أي ذو الكف الذهبي على فراش المرأة وهو بطل ملحمة دمدم الكردية الباسلة الشهيرة ويذكر بوا أن في بعض المناطق من كردستان يحاولون منع الشر عن الوليد الجديد فحالما تلد المرأة يضعون على فراشها مصحفاً وسيفاً وقطعة حديد وتعاويذ أخرى لتجنب وقوع الشر وإذا كان الوليد صبياً فإن رجال العائلة يحرسونه ليل نهار طوال أسبوع في غرفة الولادة وخلال هذه المدة لا يفسح المجال لخروج المرأة التي ولدت أو النساء الحاضرات أثناء الولادة ولا يمكن حتى جلب أي شيء إلى الغرفة وكذلك يمنع دخول النساء غير النظيفات للاعتقاد بأنهن يجلبن التعاسة (64-65-124) ونعتقد أن بعض هذه الطقوس تمتد إلى التعاليم الزرادشتية.
Taakhi