يسر صفحة دراسات كوردية ان تقوم بنشر كتاب الدكتور بدرخان السندي
( المجتمع الكردي في المنظور الاستشراقي) وذلك عبر حلقات متسلسلة.وهناك، مثال آخر له علاقة بموضوع الباراسايكولوجي، فقد ثبت أن أشخاصا يتمتعون بقدرات خاصة يستطيعون من خلالها شفاء بعض الأمراض وليس كلها ويختلف هؤلاء في تخصصاتهم الخارقية هذه على معالجة المريض ومثلما يمتلك البعض القدرة على تخليص المريض من آلامه أو مرضه فهناك من يستطيع أن ينـزل الآلام بغيره وحتى عبر مسافات تمتد مئات أو آلاف الأميال وان موضوع “إصابة العين” من الموضوعات التي دخلت ميدان الباراسايكولوجي وهناك حالات مسجلة حديثة ودراسات ميدانية.
والحقيقة إن أهم التعليلات لهذه الظواهر هي تمتع بعض الأشخاص بشحنات تشع من أدمغتهم فتؤثر في المرض وتقضي عليه وأخرى تؤثر في الشخص فتبليه بآفة أو مشكلة أو اضطراب نفسي أو عقلي أو كليهما معاً فيقع في ضائقة أو حادث .
ما زال هذا (العلم) غير واضح ولكن آثاره موجودة وفيه مؤلفات وتجارب لا يمكن تجاهلها، ويعتقد ان كل البشر كانوا يمتلكون هذه القدرات ولكنها اضمحلت وبقيت عند البعض عبر آلاف السنين من عمر البشرية. لذا قد تكون العجوز التي يتحدث عنها الدكتور روس واحدة من هذا النمط البشري الذي له قدرة باراسايكولوجية مؤثرة في مرض المريض وربما ما قيل عن قدرة الشيخ الفلاني وقدراته الخارقة في شفاء المرضى التي وهبها الله له، ربما أي هذه القدرة ما هي إلا قدرة باراسايكولوجية لا تمت إلى الدين الاسلامي بصلة والدليل على هذا ان مثل هذه القدرات موجودة عند غير المسلمين.
إن إحدى التجارب التي جرت في الاتحاد السوفيتي من قبل أشخاص لا صلة لهم بأي دين استطاعوا التأثير في شفاء بعض المرضى مثلما استطاعوا إحلال آلام شديدة في أمعاء بعض الأصحاء وبين مدينتي موسكو ولينين كراد أي ان المريض كان في لينين كراد والمعالج الباراسايكولوجي كان في موسكو، ولم يكن المعالج ولا المريض من المتدينين بأية ديانة *.
وان هذه القدرات أحياناً تكون دائمية وقد تفارق الفرد فيصبح عاجزاً عن شفاء المريض وقد يكون دعياً.إن هذه الأمور بمجملها يجب أن تراعى وتؤخذ بنظر الاعتبار عندما نقرأ مذكرات سون أو روس عن موضوع الأطباء والمعالجة بالتعاويذ أو بالمنـزلة الدينية والكرامات أنها ليست مسألة تعاويذ ولا تمائم ولا قطع نقود تلصق في رأس الطفل ولا كرامات ممنوحة لشيخ ولم تمنح للنبي (ص) !. أنها قدرات خاصة قد يمتلكها البعض حقيقة وقد يدعي البعض الآخر امتلاكها، وهذا الأخير عليه أن يمتلك مهارة التمويه وقد يحالفه الحظ مرة ولا يحالفه مرات والعكس ممكن. يذكر أدموندز إن الكرد البسطاء اعتادوا إغراق التقديس على وليهم المختار . كما يشير أدموندز إلى كتاب (بيره ميرد) الشاعر الكردي المعروف عن كرامات الشيخ (كاك أحمد) **، إن الكرد يعتقدون بالكرامات أي بقدرات خاصة خارقة لا تتأتى للناس العاديين وهذه القدرات يسبغها الله عليهم لصلاحهم وسمو منزلتهم الدينية (73.
ويشير أدموندز إلى إن موضوع الكرامات ليس جزءاً أساسياً عند البعض ومع ذلك فإن هذه الكرامات لكي تكون مقنعة يجب أن تكون قائمة على دليل يقنع الناس بحيازة الشيخ على القوة الخارقة والمواهب الرفيعة التي تجلب الاحترام عند الكرد، المقدرة على جعل الإنسان محصناً من الطلقات النارية من خلال تعويذة يحملها الرجل أو يخيطها في ثوبه وتسمى هذه التعويذة في كردستان ب (كوله
بند) أي حاجز الرصاص (74).
يذكر أدموندز إن (كاكه أحمد الشيخ) كان قد أسبغ على نفسه موهبة الكرامات ويصفها بـ(المهابة المتأتية من ضروب الدجل والشعوذة التي اتاها).ومن الامور التي جاء ذكرها في مذكرات أدموندز وقد أخذها بدوره من كتاب الشاعر بيره ميرد أن الشيخ كتب رسالة للملكة فكتوريا يتوسط ويرجو العفو عن راجا هندي كان قد ارتكب خطأ فلم تكتف الملكة بالعفو عنه بل كتبت للشيخ رسالة جوابية (73)
ترى هل كتبت الملكة رسالة فعلاً إلى كاك أحمد الشيخ وأين هي…؟ نحن لا نستبعد ذلك فمن الجائز أن ترد الملكة على رسالة شيخ طريقة في الشرق انها جزء من الدبلوماسية الاسترضائية لبريطانيا في الشرق فهذا ليس بالأمر الغريب ، لكن الغريب أن يتوسط شيخ مسلم (متعصب) لراجا هندي إذ ليس هناك ما يدل على إنه مسلم (أي الراجا الهندي) عند امرأة مسيحية أي ملكة بريطانية. على أي حال لا نعرف ظروف القضية ومدى صحتها وهذا ليس مهماً في علم النفس الاجتماعي بقدر ما تكمن الأهمية في مدى تقبل الشخصية الكردية ومن ثم المجتمع الكردي للغيبيات المرتبطة بإنسان ما وقدراته الخارقة .
وكذلك يسوق أدموندز قصصاً أخرى عن المواهب الخارقة للشيخ منها قصة إنقاذه لطالب الدين المظلوم الذي حكم بالإعدام رمياً بالرصاص بعد أن أتهم بإغواء فتاة جميلة ظلماً وعلى الرغم من الرصاص نهض الشيخ الذي أحاط الطالب بجبته لحظة إطلاق الرصاص فكان لهذه القصة دويها في المجتمع الكردي وبخاصة عند باشا السليمانية (74).
ومن القصص التي ارتبط بها اسم الشيخ بالسلطان عبد الحميد أن قصة إنقاذ هذا الفتى التي ذكرناها تواً انتقلت إلى السلطان عبد الحميد فدعا السلطان كاك أحمد لزيارة استانبول فاعتذر عن الزيارة ولكنه أرسل (الكللة بند) أي التعويذة بيد مفتي السليمانية ولكن حزباً في استانبول يعادي الطريقة القادرية أقنع السلطان أن يجرب قوة هذا الحجاب أو التعويذة في ثور خصي وبقدرة الله وقوة التعويذة لم يؤثر الرصاص على الثور ولما عاد السلطان إلى حجرته وهي خلوة لا يدخلها أحد ابدا وجد رسالة بخط يد كاك أحمد الشيخ وبأسلوبه ملقاة على الطاولة وتتضمن لوماً وعتاباً للسلطان لانه تجاهل التعليمات وجرب قوة الحجاب في غرض صغير تافه (74) كيف وصلت الرسالة؟ وكيف وضعت الرسالة على طاولة السلطان؟ سيبقى سراً من أسرار الشرق…
ويعلق أدموندز على هذه القصة إن الرسالة بددت كل ما قد بقي من شك في الضمير الملكي (75).
أما القصة التي خلدت العقيدة عند السلطان ثم انعكست على الآخرين فهي محاولة الأرمن تفجير قنبلة مؤقتة وضعت أمام مدخل جامع الحميدية وكانت قد نظمت بحيث تتفجر تحت قدمي السلطان عند دخوله ويتطاير حطام سبعين أو ثمانين مركبة في الهواء مع أشلاء أشخاص يتراوح عددهم بين 100-200 شخص بفعل الانفجار ولكن لم تنـزف قطرة دم من جياد العربة الملكية ودخل السلطان وهو يصيح (اني البس كلله بند – أي تعويذة كاك أحمد – فكيف يمكن أن تلحق القنبلة ضرراً بي؟) (75) ترى هل كان للتعويذة من دور في مثل هذه القصة المثيرة للدهشة التي يحدثنا بها أدموندز أو إنها محض صدفة ويبقى السؤال سؤالاً إسلاميا هنا . أليست الأعمار بيد الله أم بيد بعض من عبيده ؟؟ ثم أليس لكل امرئ أجل مسمى ومقدر من عند الله مسبقاً فهل لإنسان ما أن يؤخر أو يقدم في المشيئة الإلهية؟.
لا يمكن الخوض في نقاش معمق في هذا المجال لان في ذلك خروجاً عن حدود هذا الكتاب وغايته . على الرغم من أننا تحدثنا عن موضوعة الباراسايكولوجي بما فيه الكفاية وبعد أن أورد أدموندز قصة إنقاذ كاك أحمد الشيخ يذكر قصة قبيلة الـهماوند الكردية المنفية إلى طرابلس في شمال أفريقيا وجعلهم يبلغون عبارة على النهر لنقلهم وهم في طريق غدوهم إلى كردستان فراراً من النفي وقطع الطريق على متعقبيهم بطريقة ربما كانت شبيهة بمعجزة النبي موسى عليه السلام في شقه للبحر (75-76).
يعلق أدموندز على ذلك، أن كثيراً من الكرد يلازمهم مثل هذا الإيمان الساذج بأن لكل كردي الحق في تدخل ولي كردي لمصلحته ضد أي شخص. بعبارة أخرى يريد أدموندز أن يؤكد نزعة الكردي الى التمسك بولي ينصره في هذه الحياة.الحقيقة أن ما لاحظه أدموندز في أوائل القرن العشرين ما زال ماثلاً في كردستان ونحن قد غادرنا القرن العشرين فالنـزعة الماثلة عند كل كردي التي أشار إليها أدموندز ما زالت قائمة ونعتقد إن الظلم والجور الداخلي والأجنبي والإقطاعي والسياسي ساعد وما زال، يساعد كثيراً أبناء المجتمع الكردي للبحث عن أي شكل من أشكال الخلاص فالإنسان مجبول على نزعة البقاء والسعي نحو اللذة والابتعاد عن الألم وخشية الزوال.إن قهر الإنسان للإنسان يلجئه للتمسك بأي وسيلة للخلاص حتى إن ساوره الشك في مصداقيتها.