يسر صفحة دراسات كوردية ان تقوم بنشر كتاب الدكتور بدرخان السندي
( المجتمع الكردي في المنظور الاستشراقي) وذلك عبر حلقات متسلسلة.والحقيقة حسبت أن الموضوع انقضى وعدت إلى محاضرتي، ولكني فوجئت في اليوم التالي إذ جاءني هذا الطالب ومعه الطالبة نفسها إلى غرفتي في الكلية ومعهما كتاب ووضع الطالب الكتاب في يدي ولاحظت إن يده كانت ترتجف عندما فتح لي إحدى الصفحات كان اسم الكتاب (الكبائر) على ما أعتقد وطلب مني بصوت منفعل أن أقرأ وفعلاً قرأت ووجدت أن الكتاب يعد الصورة كبيرة من الكبائر.
قلت له مالك مهتم بهذا الموضوع كثيراً ومن الأمس يا ولدي فاجاب هل آمنت الآن يا دكتور آن الصورة حرام؟ قلت كلا… قال كيف والمؤلف يقول ذلك بصريح العبارة؟ قلت له إن مؤلف الكتاب إنسان مثلي وهذا الكتاب هو ليس بالقرآن ولا بحديث نبوي ولا أشعر قطعاً بأي شكل من أشكال (الحرام) إذا ما وقفت أمام الكاميرا… وخرج الطالب والطالبة وهما (لا أعلم) آسفان على مصير أستاذهما يوم الحساب أم حانقان عليه.أما أنا فقد كنت واثقاً أن كلاً منهما قد وقف وسوف يقف عشرات المرات أمام الكاميرا.
ويحدثنا سون عن وصول الحاكي أو الفونوغراف وكان آنذاك أكثر المخترعات الغربية انتشاراً في الشرق ولكن الحاكي صودر من قبل البعض لأنه آلة كافرة أي الاستماع إلى الأغاني بواسطة اسطوانة الحاكي (القوان) (254). كم أتمنى لو ان سون بعث حياً اليوم ليجد الفرق الموسيقية والآلات الغربية والراديوات والمسجلات الصوتية وأجهزة الفديو كاسيت والستلايت في كردستان.. وما من (عيبه باوكم) تقال أمام كل التطور الحضاري الذي بدأت كردستان تعيشه من خلال تقدم التكنولوجيا العالمية.ولكن سون يلمح لنا إن المجتمع آنذاك لم تكن عقيدته عمياء في الشيوخ فالأسر أو العوائل والمحلات (جمع محلة) تميز بين شيخ وآخر. فكان بعض الشيوخ أو أبناء الشيوخ غير مقبولين ومرفوضين اجتماعياً بسبب تصرفاتهم التافهة… كانوا شبه ممنوعين من ارتياد المحلة الفلانية أو تلك أو أن المحلة تفخر بأن لم تطأ قدما (شيخ) شوارعها. ويصف سون بعض أشكال العنجهية التي تصدر عن أبن فلان أو ابن علان من المشايخ لا نرى ضرورة ذكر أسمائهم هنا .
أما ويكرام فيضعنا أمام ملاحظة جميلة لاحظها أبان وجوده بين الكرد المسلمين في منطقة حكاري في العقد الاول من القرن العشرين، فقد وجد أن كل كردي هناك يكن احتراماً عظيماً لمار شمعون ويعتبره زعيماً اسمياً لرعاياه ويعده رجلاً ذا قدسية موروثة، وكثيراً ما يعد المسلمون المتزمتون لحم الحيوان الذي يذبحه المسيحي ما لا يصح ان يأكله لانه لا يمكن الجزم بأنه حلال ولكن إذا ذبح بيد أحد أفراد أسرة مار شمعون فلن يتردد أشد المسلمين تحرجاً من أكله وهو حلال له ولاسيما إذا نحر بسكين معينة من جملة مورثات تلك الأسرة (253).الحقيقة لا يمكن تعليل ما يذكره ويكرام إلا بأحد أمرين أو كليهما معاً وان كنا لا نجد فيما يذكره قياساً لمناطق أخرى من كردستان.
فالأمر الأول أن المسلمين الكرد في حكاري ربما كانوا يميزون بين المسيحي الفرد ورموز المسيحية أي ما يرمز إلى عيسى عليه السلام وهو نبي يقدسه الإسلام أما الأمر الثاني فإن كثيراً من المناطق يتعايش فيها المسلمون والمسيحيون ويرتبطون بوشائج عديدة إلا ما يذكره لهم رجال الدين أو ما كان محرماً ومنطقة حكاري من المناطق التي يتعايش فيها المسلمون والمسيحيون ومع ذلك ليس للمؤلف شواهد حول الموضوع الذي ذهب إليه ويكرام.
أما الدكتور روس الذي زار كردستان في الثلث الأول من القرن التاسع عشر فقد لفتت انتباهه بعض المعتقدات الكردية ، وطبيعي بعض هذه المعتقدات يعتقد بـها الأكراد لا بصفتهم الكردية حسب بل لكونهم مسلمين .
نقرأ في مذكرات فريزر 1834 ما كتبه إلى زوجته حول تبجيل الكرد للسادة ويعلمها أن المقصود بالسادة الأشخاص من نسل النبي محمد (ص) وان ما يتمتع به هؤلاء السادة من احترام هو أكثر من كل الطبقات الأخرى ويعتقد الكرد بتمتع هؤلاء بمواهب خاصة مستمدة من أصلها المقدس، ومن هذه المواهب التي تدعي بها بعض أسر السادة وليس كلها هي القدرة على تحمل النار أو أن النار لا تحرقهم وان بعضهم يزعم بقدرته الجلوس في تنور محمر وملتهب دون أن يحترق ويكومون النار على يديه ويصيح (انه بردان) ويخرج من التنور سالماً غير مصاب بأذى (31-32). يحدثنا روس بإسهاب عن مجادلته لبعض الأشخاص في مجلس باشا السليمانية عن صحة هذه الادعاءات وعلى ما يبدو أن ما يحير فريزر انه لم يجد أحدا من الجالسين كان قد رأى بام عينه شخصاً في تنور ملتهب أو يرفع قطعة حديد محمرة بيده ولكنهم كانوا يعولون على السماع وأصر فريزر انه لا يمكن أن يصدق ما لم ير بنفسه وان هو يذكر أن أحد الجالسين قد أوضح له بأنه قد رأى من يضع الحجر في فمه و فريزر يعد ذلك ضرباً من ضروب الاحتيال (33). ومن المعتقدات التي لاحظها اعتقاد الكرد بالنذر وما يسمى بـ (النذركاه) أي أماكن النذر فقد بين له دليله الذي يرافقه في رحلته أن الشخص المريض إذا رأى في الحلم أحد الرجال الصالحين أو أحداً من الأئمة في مكان ما فإنه أي ذلك المريض أو ربما صاحب الحاجة يقوم بتخليد ذلك المكان بوضع أكداس من الحجارة اعترافاً بالجميل وارشاداً للآخرين عن هذه البقعة المقدسة فيؤدي هذا إلى مجيء مرضى آخرين واضافة الحجارة إلى هذا الكدس وهكذا يكبر الركام وكثيراً ما يقطع الذين حصلوا على الشفاء من هذا الموقع المقدس قطعة من ملابسهم يعلقونها في أغصان الشجيرات النابتة من بين صخور هذا الركام اعترافاً وإقراراً بجميل هذا الرجل الصالح (44) ومن مشاهدات الدكتور روس الواردة في مذكرات فريزر في العقيدة العلاجية عند الكرد أن سكان إحدى القرى الكردية كانوا يأتون بأطفالهم إلى امرأة عجوز وهي تنفخ بصلواتها وتمنح الأطفال المرضى خرقاً بالية وقطع النقود التي كانت تباركها فتعلق في رؤوس الأطفال بالشمع فضلاً عن الرقى والتعاويذ والتي تعلق في رؤوس الأطفال أيضاً (19).
والحقيقة نحن نرى أن هذه المعتقدات في علاج المرضى أمر طبيعي في مجتمعات مختلفة لا في عصرنا هذا بل في عصرهم. لقد كان روس طبيباً جراحاً في بغداد جاء خصيصاً لشؤون المقيمية البريطانية والجالية البريطانية ولا يمكن أن نجد طبيباً واحداً يملك خبرة طبية حديثة بمفهوم ومستوى تلك الحقبة في كردستان. ربما كان هناك أطباء في استانبول أو طهران أو حتى في بعض المدن الكبيرة الأخرى .. بغداد والموصل. أما في كردستان فلا وجود لطبيب والأدنى من ذلك إذا وجد طبيب عن طريق الصدفة حاربه المشعوذون لا بل أهل المدينة أنفسهم وهذا ما جرى مع الأطباء الذين زاروا السليمانية وذكرهم سون.
لذلك من الطبيعي أن يتجه المريض صوب أي جهة يتوسم فيها الشفاء وليس للأم والأب إلا تعليق قطعة النقود أو التعويذة بالشمع في رأس طفلها الذي يحتضر أو الذي كان محكوماً بالإسهال (حتى الموت) فلا علاج ولا خبرة علمية.. وعندما لا تفيد التعويذة يبحث المريض لنفسه أو الأب لابنه عن مخرج آخر، رجل صالح يتراءى له.. وربما كان هذا عاملا نفسياً جديراً في تقوية معنويات المريض… لم لا؟
التآخي