تباينٌ كبيرٌ في الشكل, تماثلٌ صغيرٌٌ في العقل..
“ما أحبُّ إلى نفسي من شيخ همنغواي إلاّ قرة فميّ وشيخ فتواي..”
يعتبر الفأر من القوارض, الثدييات ـ هذه تحرك المشاعر ـ, ويعيش الفأر في البيوت القروية وفي المدارس والمخازن وفي فروع الأمن ولكن بحجمٍ أكبر. يأكل كل شيءٍ تقريباً. كان له دور سيء في سفينة نوح عندما قام الشيطان وبصورة فأر بقرض جسم السفينة, لكن سيدنا نوح انتبه لذلك ولحق به وضربه في كفٍ كان يلبسه ويقال أنه من الكف جاء القط.. ويستطيع الفأر أن يتحمل العطش أكثر مما يتحمله الجمل وهو سفينة الأجداد من قبل طوفان نوح..
يقول العلماء الحقيقيون أن الخريطة الجينية لتركيب جسم الفأر تشبه الخريطة الجينية لتركيب جسم الإنسان بنسبة تزيد على 80 % , وأن خريطة أبناء وبنات آدم ـ والشيخ ـ العالِم واحدٌ منهم تشبه خريطة الشمبانزي بحوالي 98 %, وإذا انطلقنا من نظرية داروين حول الارتقاء ـ والذي لا تنكره الكنيسة بل تعترف فيها ـ يمكن القول أن شيخنا “العالِم” العزيز تقاطع قبل حوالي 6 ملايين سنة مع الشمبانزي, كما أن جذوره تقاطعت مع جذور الفأر قبل قرابة 77 مليون سنة(عند إعادة قراءة الفتوى يحسّ المرء أن ذلك التقاطع قد حدث بالأمس القريب)…
المُنجد وهو إسمٌ على مُسمّى, وربما صار القاموس المحيط, وهو المُنجد الأول في جمعية الرفق بالحيوان ـ ولا أعرف إن كان هو الذي حيّاه مظفر النواب بعد أن شاهد ذيله من تحت العباءة في إحدى وترياته عندما كان يقطع مع فيلٍ على الجسر ويقول الفأر للفيل: سامع شلون صوت دعساتنا عابتهدر هدر..
ليس من العدل أنه عند الضحك تظهر تجاعيد الوجه والتي يفتقدها معظم “العلماء”..
لا يوجد عندنا نقصٌ في الأغبياء واحتياطنا منهم أكثر من احتياط النفط والغاز, وأقول لشيخ الشيوخ الذي كان قد أفتى في يومٍ سابقٍ بهدر دم الدب القطبي لأن هذا الحيوان “عسراوي أو يسراوي” أي يستخدم يده اليسرى بمهارة أكثر من اليمنى وكما هو “معروف” أن اليد اليسرى نجسة.. ومعلومة أخرى أقدمها لعالِمٍ آخر وهي أن البرغوث يقفز ما يعادل 350 مرة أكثر من طوله ـ والنطوطة حرام ـ, والقفز يذكّر مرة أخرى بالفيل وهو الحيوان الوحيد الذي لا يقفز ـ أقول لهم أن الزواحف لا تتعثر أبداً, وفق الله خطاكم وثبتها كي لا تتعثر..
لا أعرف لماذا قامت القيامة ضد الشيخ العالِم الفقيه, والذي أفتى ضد الفئران وخاصة هدر دم السيد ميكي ماوس, ومما يؤسف له أن الذين تضامنوا وتوافقوا مع الشيخ كانوا قلائل, ومن بين المدن التي احتجت على عالِمنا وعالَمَنا كانت مرج ستان, حيث توقف السير في الشوارع الرئيسية, بعد أن قامت مجموعات الفئران بمسيرة تضامن وتأييد لأخوتهم في البلدان الستانية, وانتهت المسيرة عند الجامع الطويل بعد أن التحقت بالمسيرة قوافل من القطط رافعة صور توم وجري وميكي ماوس وغيرهم من أفراد العائلة المباركة, وحُملت لافتات, وكُتبت عبارات, وسُمعت بيعات وشروات …إلخ.
وصار ميكي ماوس رمزاً للأوطان المليئة بالقطط السمان, وقد ألقى رئيس بعثة دولة “البسينات” كلمة ثورية عبر فيها عن التفاف الجماهير وراء القيادة الحكيمة الشجاعة للرمز الكبير وقاطعت جماهير الفئران والقطط الكلمة عدة مرات بهز الذيل, كما ألقى الأمين العام المساعد ـ او ربما المساعد أول ـ كلمة حماسية أشاد فيها برئيس رؤساء منظمات وجمعيات الأبحاث والعلوم التابعة لأكاديمية بيف ـ باف التحت أرضية, كما قدم أحد رجال الأعمال الفأرية ـ القططية شرائح من جبنة البقرة الضاحكة والثور المبتسم, وفي نهاية المهرجان أرسلت الجماهير برقية تحية وتأييد للقائد الشجاع والذي استطاع النفاذ من أكثر من مصيدة فأر حتى الآن…
وعلى هامش المظاهرة سجل مراسلنا ـ نحتفظ باسمه هنا تحسباً من الشيخ رائد الفضاء(يات) ـ سجّل الحديث التالي بين فأرين شابين قدما من جمهورية الخلافة العصرية للقطط الرشيقة بعد أن تمخض جَبَلهم وأنجب المستجيب:
ـ مبارح تعرفت على تسي تسي..
+ وبعدين.
ـ أخذتها عالبيت وبالطريق مسكت إيدها ولحمست على كتفها..
+ وبعدين.
ـ قعدتها عالكنبي..
+ وبعدين.
ـ قدمت لها أكل وشرب..
+ وبعدين.
ـ لو بتشوف قديش كانت سكسي.. شيء مغري بجنن..
+ وبعدين.
ـ عبطتها بكل قوة وشديتها على صدري..
+ وبعدين.. احكــــي..
ـ قلت لها إنو قاموا بإخصائي.. لكن فينا نتناقش!..
وحديث البيضات والسكس بيذكّر بمقدمة إبن خلدون وفتوى إرضاع الكبير.. وهي التألق في الشكل, وغذاء العقل..
وأقول من البداية أنه إن كان من سبب لدخولي الجنة فإنه يعود لفتوى الشيخ الأزهري ـ لا علاقة هنا لمرض الزهري ـ, وهي الأم والأب للفتاوى كلها وأحبها إلى قلبي وقلب الكثير من عباد الله من المؤمنين والمؤمنات, وقد آمن على يدي العديد من الجهلة سابقاً ومنهم المدير العام للشركة التي أعمل فيها وقد أصدر وقتها قراراً داخلياً إلزامياً لتطبيق إرادة عالِمنا الشيخ المبارك وعلى جميع العاملين ـ على مبدأ الشعوب على دين ملوكها أو رؤسائها ـ..
وكانت سكرتيرة المدير تعرف عملها بشكل جيد وتبدأ صباحها بإغلاق باب مكتب المعلم وراءها لمدة سبع دقائق, وفي نفس الوقت يبدأ كل العاملين الذين تمسهم الفتوى باستراحة الرضاعة.. والحقيقة أنه كانت هناك نتائج إيجابية انعكست على ارتفاع إنتاجية العمل وغابت النرفزة والعصبية بين العاملين, وصرت ترى وجوهاً باسمة تستقبل المراجعين برحابة صدر أو ـ رحابة صدور عامرة ـ..
وبعد انقضاء فترة من الزمن أرادت السكرتيرة أخذ إجازة من إجازاتها المستحقة, وفي الصباح جلست مكانها امرأة في سن التقاعد وتحمل تحت ثيابها وفوق رجليها ما يزيد على المائة كيلو غرام, وبعد وصول المدير العام حملت فنجان القهوة ودخلت إلى مكتبه وأغلقت الباب خلفها!!! وما هي إلاّ لحظات وصراخ المدير يستدعيني وبأعلى صوته “مطرووود.. مطرووود.. ما بدي شوف وجهك..!!” والآن أبحث عن عمل بعد أن كنت أتوقع ترقية وزيادة راتب وعلاوات.. وحتى زميلتي في الغرفة.. لا .. لا أستطيع استيعاب أن كل شيء تحطم وصار وهمٌ وخيال.
سؤالي ورجائي للشيخ العالِم الجليل أن يرسل لي ملحق للفتوى أو فتوى تشرح الاستثناءات والأعراض الجانبية للفتوى الأم.. أو كما يسمى “نشرة استعلامات للاستخدام” ومن الأسئلة التي لا أملك جواباً قاطعاً عليها مثلاً: ما هو حكم الرضاعة إذا كانت “المستورة” قامت بإجراء عملية تجميل وكان هناك شيء من “حشوات السيليكون”؟ وما حكم الزميلة المثلية؟ وهل يصح البدء بالجزء اليساري أو أنه في هذه الحالة تكون الرضاعة باطلة ويجب البدء من جديد؟ وما هي درجة “السحب ـ المصّ”؟ وما حكم الرجل الذي يستخدم تركيبة أسنان؟ وغسل الفم قبل أو بعد الرضاعة وهل من نصيحة لنوع المعجون وهل المسواك يكفي؟ استخدام العِلك(اللبان)؟ ومن يقوم بعمل إضافي ـ أي مدة سريان الرضعة الواحدة؟ وهل يصحُ الرد على التليفون؟ وما حكم الرجل الذي يمتنع؟ وهل يحق للمرأة التمنع وإيجاد الأعذار؟ وهل من علاقة بينها وبين القمر ودورته؟ وما هو حكم المرضى؟ وردود فعل ذو القربى وما ملكت يمين..؟ وهناك بعض الأسئلة التي أريد أن تكون شخصية بيننا وليس من اللائق طرحها للملأ…!
وفي نهاية الأسبوع التقينا بصديق قديم في متحف التراث الشعبي وبادر بالسؤال بلغة الضاد طبعاً: المدام ولا شيء آخر؟ قلت له ما أسوأ نيتك, إنها مُرضعتي وزميلتي في العمل والحمد لله..
بودابست, 1 / 10 / 2008. د. فاضل الخطيب.