كانت فاتنة طروادة تتمتع بمزايا جمالية لم تتوفر في غيرها: بيضاء.. هيفاء… شعرها ذهبي يغار منه لون الشمس عيناها نجلاوان بزرقة مياه البحر.. قوامها جميل لا يضارعه جمال بين نساء العالم من اجلها.. من اجل جمالها قامت اول حرب بين الشرق والغرب.. بشأنها اختلطت الحقيقة بالاسطورة ونسجت حولها خيالات ورؤى وكل غنى على ليلاه في داخله وقد وجد ليلاه فيها فراح يمني النفس بالخطوة عندها ويقدم ولاء الطاعة لابيها الملك الشيخ عساه يمهد الى قبول ابنته فيه.
انها ابنة ملك (اسبارطة) تيندايوس من امها الحسناء ليدا التي زعم اليونانيون في خرافاتهم ان امها حملت بها من كبير الهتهم (زوس) والذي زارها على شكل طائر جميل.. طويل الرقبة من البجع الابيض.
لقد توافد الخطاب على ابيها عندما شاعت مواصفات جمالها الفريد من نوعه بين انحاء البلاد الاغريقية.. كان الخطاب من الامراء والقادة الابطال المشهود لهم بتحقيق الانتصارات الحاسمة التي خاضوها ومنهم من فاق الاقران بقوة بأسه ومتانة بنيته واشتهر بغنى ثروته الكل يحدوه الامل تشتد عنده الرغبة وتزدحم الاماني في مخيلته بانه هو الظافر بملكة الجمال النادر.
الملك الشيخ كان يعلنهم بالامال والوعود ولم يحسم امره في واحد منهم لان الاختيار متروك لفاتنة طروادة فكان التملك والضجر وطول الانتظار من تسويف المواعيد يلعب دوره في نفوس هؤلاء الخطاب الكثر فتسلل السخط والثورة الداخلية في نفوسهم وشعر عوليس ملك جزيرة اتاكا بخطورة الموقف وحراجة الانتظار وكان انفذ ملوك الاغريق فطنة واكثرهم حكمة وابرعهم رأيا وامكرهم تدبيرا فاشفق على الملك الشيخ وقصده مسرا اليه:
يا عاهل اسبارطة العظيم: ستحدث خطوبة في بلاطك العامر اذا انت لم تعجل باعلان قرارك في شأن زواج ابنتك هيلين لان خطابها الكثيرون لابد وان يكيدوا اليك.
كان الملك شاعرا بذلك وكثيرا ما كان يقلب الامور الى ذات اليمين وذات الشمال وينتظر بنفس الوقت من يسدي اليه النصيحة والمشورة وكثيرا ما كان يتساءل مع نفسه (ما الحيلة في تجنب ما يكدر صفو البلاد).
فرح الملك حين قال عوليس (عندي المخرج وهو في غاية البساطة واليسر) قال الملك: (هات اذن يا عوليس الحكيم) اقترب عوليس من الملك وهمس في اذنه كلمات فانبسطت اسارير الشيخ المهموم وطفح وجهه بالشر وكاد يطير فرحا رغم شيخوخته..
استأذن عوليس وغادر بلاط الملك وانصرف الملك وهو يردد كلمات الشكر الى عوليس.
دعا الملك امراء اليونان بان يحضروا عنده حيث اتخذ قرارا بتزويج هيلين ودعا الى موعد حدده في قصره لاعلان قراره..
في الموعد المقرر حضر في قاعة العرش في القصر الملكي راغبو الزواج من هيلين وهم عدد كبير من الامراء وبعد الترحيب بالوافدين قال الملك:
(ساختار اليوم من بينكم يا امراء اليونان زوجا لابنتي ولكني اطالبكم قبلها ان تؤدوا اليمين بين يدي).
فرددوا جماعيا: اية يمين يا ملك اسبارطة؟ ومن منا تريده على اداء هذه اليمين؟
رد الملك: اريدها منكم اجمعين: اريدكم على القسم باغلظ الايمان ان لا يكون زواج هيلين مثارا بينكم للتحاسد والاضغان وان تؤيدوا حق الزوج الذي سيختار منكم ايا كان وان ترعوا حرمة هذا القران وتدفعوا عنه كل عدوان.
وبما ان كل واحد في الامراء له كبير الامل في ان يكون هو الزوج المحظوظ: هتفوا سوية (فالنقسم) وهنا امر الملك فجيئ بالحملان والجديان وقدمت اقداح النبيذ للامراء الشباب وراح الملك يبتهل (نشهدك يارب الارباب وانت ايتها الالهة المنتقمة من الحانثين نشهدكم اجمعين على هذا القسم العظيم).
وتلا ملك اسبارطة القسم وردده خلفه الامراء وعلى اثر ذلك نحرت الاغنام وشرب الامراء اقداحهم وساد السكون وتقلبت وطأة الانتظار وكانوا جميعا يتطلعون الى الملك الشيخ وعيونهم وقلوبهم معلقة بشفتيه واخيرا قال:
(ايها الامراء انكم جميعا من الشرف القدر وكرم العنصر وعلو الهمة والشجاعة بحيث يشق علي المفاضلة بينكم واختيار واحد منكم اكون به اعجب مني بغيره، فانا من اجل هذا ادع الخيار لك يا هيلين فاختاري زوجا ممن ترين).
وعندما انتهى من خطابه رفعت هيلين الفاتنة هامتها الذهبية واجالت عينيها الزرقاوين في صفوف خطابها الامراء وهم وقوفا امامها يتابعون لحظها كمن يتابع شعاع الشمس وكلهم في حيرة وترقب وتطلع بقلوب قد زادت دقاتها وبعيون اتعبها التطلع الى ما ستقوله شفتاها وبدا على هيلين الحرج والحيرة فاعادت الكرة ورمت بطرفها ثانية وثالثة والقلق والوجل وثقل الاحساس بالزمن قد ران على وجوه الامراء وبعد هذا الصمت المطبق وكانه جبل ينوء بنقله الامراء الشباب التفتت الى ابيها لتقول في صوت خافت مشوبا بالتحفر والحياء:
(اخترت الامير منلاوس)
فران الصمت على قاعة العرش ثم تحول الى دهشة واستغراب تساؤل صامت داخل ذات كل امير حيث كان الاختيار مفاجأة ادهشتهم جميعا بما فيهم الامير (منلاوس) الذي كان اشد الامراء مفاجأة واكثرهم اندهاشا فهو لم يكن ابرز الحاضرين شخصية ولا اكثرهم ثراء ولا اقواهم بأساً ولا اجملهم شكلا ولكن القرار قرار هيلين فهي قد قالت كلمتها.
لقد ظهرت بوادر الاستياء والشعور بالاحباط والتذمر وخيبة الامل ولكنهم لا يستطيعون ان يحيدوا عن القسم وتذكروا اللعنة التي ستنزلها الالهة ان احنثوا في قسمهم احتفلت اسبارطة بزواج هيلين واقيمت الحفلات ومهرجانات الشعر واعلنت مظاهر الفرح وفي صباح اليوم التالي للزواج اعلن الملك الشيخ تنازله عن العرش لصهره بمثابة هدية لعرسه ولم تمض بضع سنوات حتى رحل الملك تاركا عرش اسبارطة لصهره منلاوس والملكة هيلين وابنتهما الصغيرة هرميون والجميع في وئام وانسجام.
كان الملك الشيخ حكيما صائبا في تصرفه تجاه الامراء اليونانيين وقد دفع بمشورة عوليس كل المشكلات التي كان من الممكن ان تحدث بسبب زواج هيلين وقد مات مطمئنا على مستقبل اسبارطة وحقن كل الدماء التي قد تسيل نتيجة الخلافات والرغبة في الظفر بالزواج من هيلين بغير الطريقة التي اعتمدها والدها…
Taakhi