الرئيسية » مقالات » فشل الاسلام السياسي في حل المشاكل القومية

فشل الاسلام السياسي في حل المشاكل القومية

فشلت اغلب الدول الاسلامية في حل مشاكلها القومية، بل ازدادت هذه المشاكل حدة، واتخذت شكل نزاعات عرقية مع صعود الاسلام السياسي للسلطة، والسبب هو ان القوى الاسلامية الحاكمة في هذه البلدان لا تمتلك برنامجا سياسيا واضحا لحل مثل هذه القضايا الكبيرة. ولم تستطع هذه القوى التي وصلت الى الحكم في تركيا، العراق، السودان، افغانستان فضلا عن ايران وبلدان اخرى تقديم ثمة حلول ناجحة للمشلكة القومية، بل لم تشكل سوى امتدادا لسياسات شوفينية كانت تنتهجها القوى المتطرفة التي حكمت قبلهم كالبعث، الشاهنشاهية، الاتاتوركية…الخ.
ونظرا لاهمية حل مثل هذه العقد التي تنخر هيكلية الدولة، ولاهمالها، فان استحواذ الاسلام السياسي على السلطة قد زاد من صعوبة بناء دول حديثة مستقرة ومتماسكة مما ترك اثرا على البنية الاقتصادية لهذه البلدان، وعلى الوضع الاجتماعي العام فيها، فالمشاكل القومية، التي غالبا من تنعكس سلبا على الوضع الامني، تعرقل النمو الطبيعي لرأس المال وتعيق بناء علاقات اقتصادية متطورة فيها.

وهذا ليس غريبا، فمن الطبيعي ان لاتجد ثمة حل واضح في الفكر الاسلامي المعاصر، لا للقضايا القومية، ولا لاشكالية الدولة الحديثة، لانها تستقي تعاليما دينية قد اكتملت قبل 15 عشر قرنا، منذ ان اعلن النبي محمد في خطبة الوداع عام 10 هـ “اليوم اكملت لكم دينكم”. بينما القومية كفكر، بشكلها الراهن، او كمرحلة من مراحل تطور الكتل السكانية المعاصرة لم تكن معروفة في محيط مكة انذاك لانها ولدت في اوربا نهايات القرن السابع عشر ومن الطبيعي ان يخلو القران والسنة النبوية من التعاليم المفصلة الخاصة بشكل الدولة القومية الحديثة.

وقد ورثت التيارات الدينية هذه المشكلة، مشكلة عدم وجود نص واضح وصريح لحل المشاكل القومية، بشكل اثر على صياغة برامجها، ووسع المجال لبروز خلل، وعيب في البنية الفكرية لهذه التيارات، وقد برز هذا الخلل علي شكل تناقض ما بين الدعوة لبناء دولة الامة، كاعادة شكل الدولة الاموية-العباسية-العثماينة، وبين متطلبات الواقع المعاصر الذي يفرض شكل الدولة القطرية المتمايزة ثقافيا (لغويا) واقتصاديا وسياسيا. واذا كانت مطاليب هذه التيارات بدت اكثر وضوحا في اواسط القرن الماضي، والتي دعت مبدئيا من خلال طروحات رشيد رضا، حسن البنا و سيد قطب الى دولة الامة الواحدة، فان هذه الفكرة قد اضمحلت تدريجيا حتى منيت بالفشل، في اواخر القرن نفسه، ولعل احداث حرب الخليج الثانية1991، واستعانة الدول العربية، الاسلامية المنحى بالقوات الاجنبية ضد العراق يمثل المسمار الاخير في نعش الدولة الامة، والتبلور الصريح للقطرية كشكل نهائي للدولة الحديثة، وقد فرض نفسه على الفكر السياسي الديني. وفوق هذا فان ما يعمق الخلل اكثر هو الجدل حول مدى احقية هذا القطر او ذاك، واحقية هذه القومية او تلك في بناء دولتها القطرية المستقلة، وماهي المعايير والضوابط التي تحكم شرعية من لا شرعية هذه الدولة القائمة، او تلك التي لم تقم بعد.

كيف تحل الاحزاب الاسلامية هذه المعضلة، في ظل عدم وجود نص ديني صريح لمعالجتها؟ انها تحاول استلهام روح التعامل الاسلامي من خلال الاشارة الاقرب لها، اي ما ورد في سورة الحجرات – اية 13 “يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم”. وللتنويه فان الشعوب في التعبير القراني لا تعني القومية بمفهومها المعاصر، فقد ذكرها المفسرون المعتبرون على انها القبائل الكبيرة كما جاء في تفسير العلامة القرطبي في الجامع لاحكام القران “الشعوب رؤوس القبائل مثل ربيعة ومضر والاوس والخزرج …”. وقد اختلف على سبب نزولها ايضا (*)
و هذه الاية لا تحمل، كذلك، نصا قانونيا يمكن تطبيقة لحل الاشكالات في اغلب الدول التي يحكمها الاسلام السياسي، اي انها لا تشير بوضوح الى حق القوميات المضطهدة في تشكليل دولها الخاصة بها، و لا تشير كذلك حق الحكومات المركزية في محاربة الاقليات القومية والامعان في اضطهادها، ومنعها من تشكيل دولها.

وفشل الاسلام يبدو جليا في فشل الحكومات الاسلامية بالتعامل مع القضايا القومية في بلدانها، والذي لا يختلف عن الحكومات القومية السابقة لها. فلم تتغير النظرة الحكومية تجاه الاقليات في ايران بعد سقوط نظام الشاه محمد رضا بهلوي واستلام الاسلام السياسي للسلطة في عام 1979، ولم تتغير السياسة القومية في تركيا بعد وصول الاسلاميين، لا في المرة الاولى، بقيادة نجم الدين اربكان عام 1996، ولا بقيادة حزب العدالة والتنمية منذ عام 2002 . اما في العراق، فبالرغم من ان الحكم القومي العربي في زمن البعث قد قدم بعض الحلول المجتزأة لمطاليب القومية الكردية في هذا البلد، الا ان القوى الدينية المتمثلة بحزب الدعوة الاسلامية الحاكم منذ 2005، لم تقدم طرحا افضل مما قدمه نظام صدام حسين المعروف بتطرفه القومي.

والعجز الفكري الذي تعاني منه القوى الدينية اوقعها في تحالفات مع الاحزاب والقوى القومية المتطرفة في اكثر البلدان الاسلامية، كما فعلت حركة طالبان، على سبيل المثال لا الحصر، (حكمت بين 1996 – 2001) في افغانستان في تحالفها مع القوميين المتطرفين البشتون في افغانستان وبيشاور (منطقة باكستانية ذات اغلبية بشتونية) واستمرت طيلة حكمها في حرب عرقية ضد الطاجيك والاوزبك والهزارة.

ومثل هذه التحالفات والتناغم القومي – الديني المتطرف يمثل اخر ما الت اليه التيارات الاسلامية في دول الخليج العربية، باكستان، اليمن، شمال افريقيا، كنتيجة الافلاس الفكري والنقص في البرامج وانعدام الحلول المعدة لمشاكل كبيرة مثل هذه، وبالنتيجة فما الذي تقدمه الاحزاب الاسلامية التي تزداد نفوذا وسلطة في الدول الاسلامية هو المزيد من التعقيدات، وتأجيل الحلول للمشاكل الاكثر خطورة في هذه البلدان، وهي المشكلة القومية.


(*)”الشعوب رؤوس القبائل، مثل ربيعة ومضر والأوس والخزرج، واحدها (شعب) بفتح الشين. سموا به لتشعبهم واجتماعهم كشعب أغصان الشجرة، والشعب من الأضداد، يقال شعبته إذا جمعته… قال الجوهري: الشعب ما تشعب من قبائل العرب والعجم، والجمع الشعوب… والشعب القبيلة العظيمة، وهو أبو القبائل الذي ينسبون إليه، أي يجمعهم ويضمهم. قال ابن عباس: الشعوب الجمهور مثل مضر، والقبائل الأفخاذ. وقال مجاهد: الشعوب البعيد من النسب، والقبائل دون ذلك، وعنه أيضاً أن الشعوب النسب الأقرب، وقاله قتادة. ذكر الأول عنه المهدوي والثاني الماوردي… وقيل: إن الشعوب عرب اليمن من قحطان، والقبائل من ربيعة ومضر وسائر عدنان. وقيل: إن الشعوب بطون العجم، والقبائل بطون العرب. وقال ابن عباس في رواية: إن الشعوب الموالي، والقبائل العرب.”

و في نـزولها ثلاثة أقوال:
الأول:أنها نـزلت في ثابت بن قيس وفي الرجل الذي لم يفسح له، حيث قال ثابت:أنت ابن فلانة.
الثاني: أنها نـزلت في قوم تكلموا في بلال، وعيروه عندما أذن يوم الفتح فوق ظهر الكعبة. قاله مقاتل وابن أبي مليكة.
الثالث: “أن عبدا أسود مرض فعاده رسول الله ص ثم قبض فتولي غسله وتكفينه ودفنه، فأثر ذلك عند الصحابة، فنـزلت هذه الآية” قاله يزيد بن شجرة

حسين القطبي