مَــمُ و زَيـــــْن .. روميو وجوليت الأدب الكوردي، أنها قصة الحب العفيف، والوفاء المخلص، والتضحية بالنفس، هي مجنون ليلى، أو روميو وجوليت، مضمخة بجو الشرق، وسحره وأحلامه. صاغ أحداث هذه القصة شعراً، شاعر كوردي كبير هو احمد خاني المتوفى عام 1706م، وهو واحد من علماء الكورد الذين برعوا في علوم الفقه والفلسفة والتصوف والأدب. وكان من آثاره “ديوان شعر” باللغة الكوردية دوَّن فيه أحداث هذه القصة. وقام بترجمة هذه الملحمة إلي العربية العلامة الكوردي الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي، حيث قدم إلى القارئ هذه الفاجعة التاريخية “مم و زين”، بعد أن كساها بُرداً من لغة السحر والبيان.. لغة البيان الإلهي المعجز.. وبعد أن انفق في كتابتها من الدموع، قدر الذي استهلكته من المداد. فمن هو احمد خاني مبدع هذه الملحمة ، وما قصة (مم وزين) التراجيدية؟
الشاعر الخالد أحمد خاني
ولد الشاعر الخالد صاحب أروع ملحمة شعرية في الأدب الكوردي المدعو احمد بن إلياس بن رستم الملقب بـ “خاني” في مدينة بايزيد الواقعة اليوم في (كوردستان تركيا) عام1061هـ (1650م)، وهنالك آراء حول اصل نسبته، فمن قال أنها أتته من اسم عشيرة (خانيان) التي كانت تسكن منطقة بوطان في الأصل، ثم رحلت منها واتجهت صوب الشمال إلى أن استقرت في أطراف مدينة بايزيد. ومن قال بأنه ولد في قرية (خاني) القريبة من (جوله ميرك) اكبر مدن منطقة (هكاري) في كوردستان تركيا.
ترعرع هذا الشاعر في أحضان عائلة متوسطة الحال، فتعلم على أيدي خيرة من علماء عصره في مساجد مدينة بايزيد، ونال إجازة منهم، وكانت تنقلاته محددة اقتصرت على مناطق بوطان وهكاري في الكوردستان، وفي رأي البعض انه زار الآستانة و سوريا ومصر. ظهرت إمارات النظم وقريحة الشعر على خاني في مقتبل عمره، فلم يبلغ الرابعة عشرة عندما بدأ يقرض الشعر. وقد خلد نفسه وقمة مجده في ملحمته (مم و زين) التي يختلف الباحثون في تحديد تاريخ تدوينها، ويرجح انه انتهى من نظمها في سن الرابعة والأربعين من عمره، وربما باشر بها في حدود عام 1665م، وقد أخذت من عمره نحو ثلاثين عاماً. وله قصائد شعرية أخرى، و” قاموس كردي- عربي” منظوم شعراً باسم (نوبهار بجوكان)، وضعه لطلابه، ويعد أول قاموس كوردي معروف حتى الآن، وله أيضا (عقيدة الإيمان)، ومجموعة من القصائد الغزلية، وقصيدة جمع فيها من اللغات الشرقية- العربية والفارسية والتركية- فضلا عن لغته الكوردية التي تبقى مدينة له، وهو يبقى رمز قوة لها.
ملحمة (مم وزين(
تعد ملحمة (مم وزين) من أهم آثاره الشعرية. وقد جلبت أفكار وأسلوب الملحمة أنظار عدد كبير من النقاد والباحثين- من كورد وغيرهم بما فيهم عدد غير قليل من المستشرقين. ونالت اهتماماً محليا وعالمياً، فقد طبعت غير مرة في الكوردستان، ونقلها الشاعر الكوردي (هزار) من اللهجة الكرمانجية إلي اللهجة المكرية شعراً. أما عالمياً فقد ترجمت إلى العديد من اللغات الشرقية والغربية مثل العربية والتركية والأرمنية والفارسية والروسية وغيرها. وترجمت إلى الروسية من قبل المستشرق م .ب. رودينكو، وطبعت في موسكو عام 1962. وترجمها الأديب الفرنسي روجيه لسكو في عام 1942، وترجمت نثراً إلى العربية من قبل العلامة محمد سعيد رمضان البوطي، وطبعت في دمشق أكثر من ست مرات ، كما استلهم الشاعر السوري (بدوي الجبل) منها مسرحية شعرية بعنوان”مم وزين”. تقع هذه الملحمة في ألفين وستمائة وواحد وستين بيتاً، وهي أندر درة في تاج الأدب الكوردي، وأجمل آية في بلاغته، وأروع قصة في ثروته، وأبلغ درس من دروسه، فيحق لذلك الأدب أن يفتخر بها أبد الآبدين، فقد ارتقى بفضلها إلى صف أدب مجنون ليلى العربية ، وروميو وجوليت الغربية، وشيرين وخسرو الفارسية، وملاحم أخرى تبقى سراجا ساطعاً في ما أنتجه الفكر الإنساني….
إن درس مضمون(مم وزين) يعطي الباحث والناقد حق منح (احمد خاني) لقب أول مؤسس للمدرسة القومية الكوردية، فهو أول شاعر ومثقف كردي معروف حمل لواء القومية والوطنية في تاريخ شعبه الذي تمنى “أن يكون الحظ حليفه”، و”يصحو من غفلته ولو لمرة”، حتى ” يتلألأ نجمه في أعالي السماء”، فقد شخص كل إمكانات البناء والتقدم في أبناء شعبه، كما حدد بدقة عالم، وتفكير فيلسوف أسباب تخلفهم، ورسم لهم بقلم الأول وبصيرة الثاني درب خلاصهم وانعتاقهم. قام الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي بترجمة هذه القصة إلى العربية، وهي قصة الحب العفيف، والوفاء المخلص، والتضحية بالنفس، هي مجنون ليلى، أو روميو وجوليت، مضمخة بجو الشرق، وسحره وأحلامه. تتألف القصة من 25 فصلاً في 184 صفحة من القطع الصغير. وأول ما تلامس أعيننا لدى تصفحنا هذه القصة، كلمة الإهداء التي كتبها البوطي ووجها إلى: (كل قلب كتب عليه أن يتجرع الحب علقماً ولا يذوقه رحيقاً، وأن يحترق في ناره ولا يقطف مرة من ثماره ـ أقدم هذه القصة عسى أن يجد فيها برداً من العزاء والسلوى.
إن قصة (مم وزين)، تعد أعظم مأساة عاطفية في تاريخ الأدب الكوردي، وهي واقعية من أول فصل إلى آخر فصل، ليس للخيال فيها شأن سوى إحياء ما أهمله التاريخ أو تساقط منه عند نقلها مما لا يقوى وحده على ضبطه وتصويره، اتخذت مستقرها في قلب هذه الأمة، وفي أجمل بقعة من بقاعها تترجم كصورة حياتها، وتكشف عن مقدار ما أفاض الله في نفسها من عزة وشهامة، ووفاء ومراس وقوة، إلى جانب ما أودع فيها أيضاً من رقة عذبة متناهية، وعاطفة غريبة ملتهبة.
الجزيرة الخضراء
حدثت هذه القصة في حدود عام 1393م في جزيرة (بوطان) المعروفة اليوم باسم (جزيرة ابن عمر)، تلك الجزيرة التي تقع على شاطئ نهر دجلة، وتمتد في اتساع شاسع بين الهضاب والتلال الخضر الواقعة في شمالي العراق. واسم هذه الجزيرة يتألق في مقدمة ربوع الكوردستان التي يمتاز معظمها بقسط وافر من جمال الطبيعة وبهائها، إذ تتشعب بين رياض طبيعية بديعة، وينعكس إليها من سائر أطرافها بريق دجلة الذي يحف بمعظم جهاتها، كما يزيد من روعة جمالها جبالها الشاهقة المصوبة كالخناجر صوب السماء. دارت حوادث القصة، في قصر أمير هذه الجزيرة (الأمير زين الدين)، حيث كانت بلاد الكورد إذ ذاك وما بعد ذلك العصر إلى أواسط العهد العثماني منقسمة إلى إمارات، يتولى إدارة كل منها أمير يتمتع بالجدارة والقوة. ولم يكن الأمير زين الدين ذا كفاءة عادية فحسب… بل كان يتمتع إلى ذلك بغنى واسع، وبمظهر كبير من القوة والسلطان، والغريب أنه لم يمنعه امتلاكه العجيب لقلوب رعيته، واكتسابه محبة سائر طبقات إمارته، مما أذاع اسمه مقروناً بالهيبة والإجلال لا في جزيرة بوطان وحدها بل في سائر الكوردستان وإماراتها. ولم يكن قصره الذي كان يرى من بعيد كأنه برج هائل، كقصور بقية الأمراء من أمثاله وانما كان آية من آيات الفن والإبداع… كان منتهيا إلى أقصى حد في البذخ المبذول لتصميمه وتشييده..! وكان يزدان بمتاحف تضم مختلف العجائب والنوادر، وأنواع المجوهرات الغريبة الفاخرة! أما رحابه وشرفاته، فكانت تعج بمئات الغلمان، والجواري والفتيات الجميلات.. يجلن في أنحائه، ويضفين على رحابه جوا سحرياً يشع بالفتنة والجمال. غير أن الآية الكبرى للجمال في ذلك القصر لم تكن منبعثة عن أي واحدة من تلك الجواري والحسان، وانما كانت سراً لدرتين غير كل ذلك، خلقهما الله في ذلك القصر، بل في تلك الجزيرة كلها مثلاً أعلى للجمال، ونموذجاً كاملاً للفتنة والسحر الإلهي في أسمى مظاهرهما. ولم تكن هاتان الشقيقتان سوى أختين للأمير زين الدين، كان اسم أكبرهما التي لا يتجاوز عمرها ربيع العشرين (ستي)، وكانت بين البياض الناصع والسمرة الفاتنة، قد أفرغ الجمال في كل جارحة من جسمها على حدة، ثم افرغ بمقدار ذلك كله على مجموع جسمها وشكلها، فعادت شيئاً أبرع من السحر، وأبلغ من الفتنة! وأما الصغرى واسمها (زين)، فقد كانت وحدها البرهان الدال على أن اليد الإلهية قادرة على خلق الجمال والفتنة في مظهر أبدع من أختها وأسمى! كانت هيفاء بضة، ذات قوام رفيع، قد ازدهر في بياضها الناصع حمرة اللهب، وذات عينين دعجاوين، أودعهما الله كآيات الفتك واللطف التي تتسامى على التعبير.. وعلى الرغم من أن هاتين الغادتين كانتا لؤلؤتين محجوزتين في صدفة ذلك القصر عن معظم الأبصار، فقد كان اسماهما ذائعين منتشرين في سائر أطراف الجزيرة، بل وفي كثير من بلاد الكوردستان.. يتخذون من شهرتهما المقياس الأعلى والمثل الكامل للجمال! وقد كان من الغريب في الواقع أن تخلق تلك الفاتنتان في قصر أمير بوطان لتصبحا أجمل زهرتين تحبسان في رحابة عن الأنظار، لولا أن الشعب الكوردي عامة، وأولي الزعامة فيهم غرست بطبيعتهم غيرة ملتهبة لا تكاد تفارق جوانحهم، مما يجعلهم يتحرجون من اختلاط الجنسين بمقدار.. هذا إلى أن شقيقهما الأمير كان قد أوتي مزيداً من هذه الغيرة بين جنبيه، وزادها اتقاداً ما كانت تتمتع به أختاه من ذلك الجمال النادر الذي أبى إلا أن يذيع اسميهما في الجزيرة كلها… ولذلك فقد كان من الصعب جداً أن يكون لعشاق ذلك القصر الكثيرين نصيب منه غير السماع.. وتسقط الأخبار..!
ملخص القصة
لا يمكننا التصدي في هذه العجالة لسرد القصة، ولكننا مع هذا نوجزها قدر الإمكان، ونترك للقارئ فرصة مطالعته المتأنية لها مستقبلاً… كان الوقت أصيلاً، والناس يودعون20 آذار- ليستقبلوا من ورائه ربيع سنة جديدة يقضون نهارهم فوق المهاد الوارفة الخضراء، وعلى ضفاف دجلة ،وفي سفوح الجبال، وذلك جرياً وراء تلك العادة الشائعة في جميع أنحاء الكوردستان من الاحتفال بعيد- النوروز- في مثل ذلك اليوم بشروق الربيع، وابتسامه الجديد، حيث أرادت- زين- العثور على الرجل الذي لن يعجبها إلا إذا بلغ جماله في نفسها مبلغ فتنة هذه الطبيعة الحالمة وأثرها لديها.. وأخذ الناس ينتشرون بين أجواء خمرية تتهادى على ضفاف النهر الفضي، وفوق أشجار العنب الخضر المطرزة بأبدع نقوش الزهور، وفوق سفوح (الجودي) الذي هو من بعض جبال جزيرة بوطان المفروشة بأبهى ديباجة من السندس المتالق.. حيث كانت الشقيقتان- ستي وزين- متنكرتين في لباس الرجال وهيأتهم، واندستا في صفوفهم في ظاهر الجزيرة، ولا شك انهم يحسبونها من بعض شباب قصر الأمير زين الدين وغلمانه! وقد نجحتا في إخفاء نفسيهما عن الجميع، وأتاح لكل منهما أن تجد من مختلف شباب هذه الجزيرة الواسعة الأطرف من يروقها ويعجبها، وكانا هذين الشابين هما (تاج الدين)، و(مم) العاملين في قصر أخيهما الأمير زين الدين.. كانت تعيش في قصر الأمير زين الدين، مربية عجوز يقال لها- هيلانة- كانت هرمة غير أنها أقوى من الدهر ومكره، وقد شاء لها أن تجمع بين الأميرة (ستي)، وأحد رجال ديوان الأمير الذي كان يدعى (تاج الدين) دون صعاب أو مشاكل تذكر، وانتهى أمرهما بالزواج… بينما أخفقت هي ومعها الأقدار أن تمتن حبل الوصال بين الأميرة- زين- وسكرتير ديوان الأمير (مم)…
ففي الوقت الذي كان (تاج الدين) والأميرة (ستي) منشغلين عن الدنيا وما فيها، وقد حقق حلمهما في الوصال، ويرقدان في مهد الأحلام، غذاؤهما شهد الوصال، وشرابهما كوثر الشفاه، كان العاشق(مم) وحبيبة قلبه المضطرب بالهوى والشباب(زين) يعيشان آلم الفرقة والعذاب، ويتحملان هموم العذال، ويتجرعان كؤوس الشقاء واليأس، وتأبى سنن الكون إلا أن تجري في قصتنا هذه، فتجمع بين عنصر الخير والشر، وتمزج فرحة السعادة بدموع البؤس، وعنصر الشر في هذه القصة هو حاجب خاص لديوان الأمير، ويدعى (بكر)، فقد كانت لهذا الحاجب نفس تنطوي على أشد ألوان الخبث والمكر، وكأنما غذيت روحه بحب الفتنة، فهو يتعشق الولوج فيها حيثما لاح له بابها. ولم يكن في مظهره قصيراً أو دميماً فقط، بل كان إلى ذلك اجرد الشكل، باهت السحنة، ذا عينين تشعان بمزيج من الحقد والكراهية والحسد، وقد استطاع (بكر) أن يجعل الأمير زين الدين يتشبث برأيه ويستبد قائلاً: “تأكدوا جميعاً انه قد يمكن أن تظل زين طيلة حياتها عزباء في هذا القصر، ولكن لا يمكن أبدا أن اجعلها يوماً من نصيب(مم)، ولا ادعي إلى أن تعرفوا سبباً لذلك أكثر من أنني هكذا أردت، ولا داعي أيضاً إلى أن تعيدوا بعد اليوم إلى مسمعي هذا الحديث إلا إذا رأيتم داعياً إلى إثارة شر أنتم في غنى عنه”. وبعد مرور العديد من الأحداث البارزة، وانقضاء الشهور المتوالية. كانت تمر حياة (زين)، خلوات مع الأشباح والأطياف، وحديث مع الخيالات والأوهام يطوف كل ذلك بها، ثم يستقر في ذهنها وقلبها كل مشاعرها شيء واحد هو اسم (مم)، وهو حظها المنكوب الذي أبعدها عن أليف روحها، وأخرجها من أفراح الدنيا ونعيمها! أما (مم)، فقد كان يبكي حتى تقرحت عيناه، ولم يزل يتوجع ويتحرق حتى كادت تنطفئ جذوة حياته. ولم يزل تنهار منه القوى وتخور فيه العزيمة، ويصفر منه الشكل، إلى أن طرحته الحمى في مكان ما على شاطئ دجلة، وحيداً إلا من بعض أصدقائه المخلصين الذين كانوا يعودونه، ويواسونه بين كل فترة وأخرى.
لقد استطاع العاشقان (مم وزين) حيناً من الزمن أن يخفيا عن الناس قصة حبهما، وان يحجبا عنهم جبروت السلطان الذي يتحكم في قلب كل منهما من غير رحمة، ولكن هذه المرحلة لم تدم لهما طويلاً، فسرعان ما هتك من حول قلبهما الستر، وانتشرت مدامعهما بين أبصار الناس، وراحت الألسن تتحدث عن حبهما وتتخذ من خبرهما لحناً يسري إلى كل مكان، وينتهي إلى سمع الأسياد والعبيد. وراحت التعليقات المتخيلة تسبح حول ذينك المسكينين البريئين اللذين لم يذوقا من الحب إلا مرارته وعلقمه، سوى أقاويل كاذبة، وتسرب الخبر إلى الحاجب الخبيث (بكر) الذي أوغر قلب الأمير ضد (مم) الذي يعبث بشرفه وسمعته، فصمم على قتله، واعد له المكيدة كما رسمها له بكر، ولكن تدخل صديق (مم) (تاج الدين) جعله يستبدل عملية القتل بسجنه مدى الحياة في إحدى أقبية الآبار الحالكة دون مبرر أو منطق! وفي غياهب السجن، أصيب (مم) بشتى الأمراض منتهيا بمرض السل، أما (زين) فقد كان حالها ليس بأحسن من حاله، فقد انتهى أمرها مهجورة في إحدى غرف القصر، تبكي حظها العاثر، وحبيبها المسجون، وفي إحدى الأيام جاءها الأمير زين الدين بخطة جهنمية رسمها له حاجبه الخبيث (بكر) لكي يقتل (مم) أمام عينها، ولكن الأمير عندما شاهد أخته في حال اليأس رق لها قلبه، وندم على ما فات، وطلب من أخته الصفح ، وهنا خاطبته (زين): “لقد فرقتنا في هذه الحياة، فوصيتي لك أن تجمعنا في مماتنا”. ثم سمح لها بزيارة (مم) في سجنه لعلها تودعه قبل الرحيل، وعندما شاهدته ألقت بجسمها عليه وتعانقا معاً حتى لفظ الاثنان أنفاسهما، وهكذا حكم الدهر أن لا يجتمع الحبيبان إلا في ظلمات تلك الحفرة، وتوارى العاشقان في قبر واحد. أما الحاجب الخبيث (بكر)، فقد نال جزاءه العادل وهو الموت على يد (تاج الدين) صديق (مم)، الذي أزعجه الحالة التي وصل إليها هذان العاشقان البريئان بسبب ما قام به من فتنة ووشاية بين الأمير وذينك الحبيبان. ومن المدهش في القصة أن (زين) أوصت بأن يدفن (بكر) تحت قدميهما مباشرة! والسبب في ذلك، أن يلازمهما ويصبح حاجباً مخلصاً لهما في الجنة، لأن الأقدار سخرته لهما، ليصفو حبهما هذا الصفاء الروحي، ولتسمو نفسهما إلى ما فوق مظاهر المادة . ويقال، إن لبطلي القصة المؤثرة اليوم قبرين معروفين في جزيرة ابن عمر يستطيع كل من أراد أن يشاهدهما. والعجيب أن قبر (مم وزين) يظل محاطاً بسور من ظلال الأشجار والورود.. أما قبر (بكر) فلا تكاد الأشواك تبارحه، وتعلوه بغزارة!.
المراجع:
صادق بهاء الدين: الشاعر احمد خاني، مجلة المجمع العلمي الكوردي، المجلد الثاني، العدد ألاول، 1974.ص824-826 ــ عز الدين مصطفى رسول: الواقعية في الأدب الكوردي.
صيدا ـ بيروت: المكتبة العصرية، 1975- – محمد سعيد رمضان البوطي: مم و زين. دمشق، دار الفكر، 1982.
– معروف خزنه دار: موجز تاريخ الأدب الكوردي المعاصر. ترجمة عبد المجيد شيخو.نشر هوشنك كرداغي، 1993. – رمزي الحاج عقراوي: مم و زين. مجلة العربي. الكويت. العدد282، 1982ص140-144 .
عمان
Taakhi