أن كل أنسان في هذا العالم ومهما كان بسيطا وليست له خبره بالأقتصاد لابد أن يعرف التكاليف الباهضه التي تسببها الحرب بين بلدين كبيرين كالعراق وأيران علاوة على حصدها لمئات الألوف من البشر الذين هم أهم من المال ولا يمكن تعويضهم أبدا . ونتيجة لتلك الحرب الدمويه العاتيه والمدمره بدأ الأقتصاد العراقي يتآكل شيئا فشيئا وتتهاوى جدرانه القويه وبدأ الدينار العراقي الذي كان من أقوى العملات في المنطقه يفقد بريقه شيئا فشيئا فالصفقات الهائله من السلاح التي كان يعقدها النظام العراقي مع الكثير من الدول المنتجه للسلاح في العالم أخذت تأكل آلاف الملايين من الدولارات وكان بأمكان أي مواطن عراقي في أي مكان يمر به على مجمل مساحة العراق أن يرى الدبابات والصواريخ والمصفحات والمدافع الثقيله بين أشجار النخيل وفي البساتين وخارج المدن وداخلها حيث المعسكرات وكأن العراق كان يبغي احتلال الصين والهند كل ذلك على حساب المواطن المسكين الذي كان يبحث عن لقمة العيش فيجدها أحيانا ولم يجدها أحيانا أخرى وخاصة طبقة الموظفين والعمال وصغار الكسبه فقد أخذت الضائقه الماديه تعصف بهم ويخضعون لموت بطيئ منظم ولا يستطيعون الأحتجاج على ذلك ولو بكلمة واحده حيث التهم الجاهزه بالخيانه والعماله والتجسس والأعدام هو العقوبه الدنيا لتلك التهم. أن الثوره النفطيه التي منحها الله للعراق أصبحت وبالا عليه منذ أن وجد هذا المعدن الثمين في تربة العراق وليومنا هذا وكأن الشعب العراقي كتب عليه أن يحترق بثروته النفطيه ألى يوم يبعثون. أطفال جوعى شباب وكبار سن لاترى في وجوههم الا الأصفرار والضعف والهزال وانتشار الأمراض واختفاء الأدويه الضروريه وتسرب مئات الآلاف من التلاميذ عن مدارسهم كل ذلك كان لايحرك في النظام ساكنا ولكن الذي كان يحركه ويهمه فقط هو أرسال المزيد من الشباب ألى جبهات الحرب ففشعار ( كل شيئ من أجل المعركه ) بدأ يلهب ظهور العراقيين ويسلب منهم كل مايحلمون به في العيش الحر الكريم كباقي شعوب العالم ففي هذا البلد الغني وفي خضم تلك الكارثه بدأت حمله ( التبرع بالذهب والمال لقادسية صدام المجيده ) هكذا أوعز رئيس النظام ألى حزبه وأجهزته القمعيه في كل زاويه وشبر من أرض العراق وقد أعد النظام لهذا الأمر حمله أعلاميه منظمه ومكثفه ولغرض تقييد العراقيين وكم أفواههم بدأت زوجة الرئيس ساجده خير الله طلفاح بالتبرع بكل مصوغاتها الذهبيه ثم تبعتها زوجات المسؤولين الكبار في الحزب والدوله أبتداء من زوجة عزة الدوري وطه ياسين رمضان وطارق عزيز ألى آخر مدير عام وعضو قياده في حزب البعث وقد جرى ذلك في التلفزيون لوضع الشعب العراقي في زاويه حرجه وتحت الأمر الواقع وجمعت المئات من الكيلوات من المعدن الأصفر لأعطاء الزخم ألى تلك الحرب وكان متوقعا أن يظهر رئيس النظام على شاشة التلفزيون ليعلق على هذا الأمر وقد ظهر و تكلم كثيرا عن الموضوع وأطلق قولته التي يتذكرها العراقيون ( العراقيات منجم الذهب) وكانت أشاره من صدام ألى جلاوزته في المدن العراقيه لأطلاق تلك الحمله على أوسع نطاق فالعراقيون يجب أن يدفعوا ضريبة الدم وتدفع أمهاتهم ونساؤهم وأخواتهم مايملكن من مصوغات ذهبيه مخزونه من زمان وحصلن عليها بمناسبة زواج واحتفظن بها ليوم الشده حين كان الذهب رخيصا وجاء صدام ليستولي عليه لكي يستمر في الحكم ويبقى بطلا للتحرير القومي وقائدا لكل العرب الذين يبحثون عن بطل أسطوري ينعش نفوسهم المهزومه متحققت ضالتهم بالهتاف والتمجيد لشخصيه مثل شخصية صدام التي ملأت الفراغ الذي كانت ولا تزال تعانيه عقولهم وقلوبهم ونفوسهم .
بدأت حمله محمومه في المحافظات للتبرع بالذهب والمال وطلب من كل عائله بأن تتبرع بكميه لاتقل عن خمسين مثقالا من الذهب كحد أدنى مما اضطر الكثير من العوائل لبيع ممتلكاتها لشراء الذهب المطلوب ومن الطريف والمؤلم أن أذكر ماجرى لنا مع جلاوزة السلطه حول ذلك التبرع المشؤوم فقد كانت والدتي المسكينه أطال الله عمرها تمتلك قطعه ذهبيه احتفظت بها منذ أكثر من خمسين عاما أي من يوم زواجها تسمى ( جلاب) توضع على الرأس فوق العصابه وفيها العديد من الشذرات الجميله البراقه وكانت تعتز بها كثيرا فأخرجتها لهم كي تخلصنا من شرهم حيث كنا لانمتلك المال لكي نشتري لهم الذهب وقلنا للبعثيين الذين جاءوا لبيتنا لذلك الغرض نحن لانمتلك غير هذه القطعه الذهبيه للتبرع بها لقادسية صدام لكنهم رفضوها وقالوا أنها لاتكفي وأنتم سبعة أشخاص ولابد أن تتبرعوا بعشرين مثقالا أخرى كي تبيضوا صفحتكم أمام قيادة الحزب في المحافظه وأنتم تعرفون ماذا نقصد والحر تكفيه الأشاره وكانوا يغمزون ألينا من طرف خفي بأننا أكراد فيليون وأذا لم نتبرع بالكميه المطلوبه معنى ذلك أنا لانؤمن بقادسية صدام والنتيجه معروفه سلفا وجريمتنا تصبح جريمتين وكانت زوجتي تملك خاتما وحلقة زواجنا الذهبيه فأضافتهما ألى الجلاب وقبلوها على مضض . وكانت تشرف على تلك العمليه المدعوه ( نجاة البياتي ) مسؤولة مايسمى أتحاد النساء في واسط مع لجنه أمنيه وحزبيه شكلت لذلك الغرض. وكانت لكل عائله فقيره قصه ربما أصعب من قصتنا مع أولئك المجرمين الذين كانوا يرهبون الناس بتلك الأساليب الهمجيه للحفاظ على مكاسبهم ومناصبهم الحزبيه على حساب الفقراء والمعدمين الذين كانوا يعيشون ظروف الحرب الرهيبه وأرهاب السلطه.
بدأت الوفود تترى من كل محافظه حيث يحمل الذهب والمال مع الشعراء والمداحين ووفد حزبي وحكومي وما سمي بشعبي يرأسه المحافظ وأمين سر الفرع ليقدموا ماجمعته المحافظه من المال والذهب وتقدمه لرئيس النظام ضمن أحتفال يقام في القصر الجمهوري حيث تلقى قصائد المدح والهوسات التي تشيد بقادسية صدام وهناك تفرز المبالغ والمصوغات الذهبيه من قبل لجنه خاصه وتجرى مقارنه بين المحافظات وأية محافظه متقدمه وأية محافظه متأخره وحسب النسبه السكانيه ولا أتذكر أية محافظه كانت الأولى والثانيه والثالثه حيث تم أذاعة الخبر من أذاعة وتلفزيون العراق ولكنني أتذكر جيدا عندما حضر المدعو سمير عبد الوهاب وكان مسؤولا لمدينة الثوره والتي سميت بمدينة صدام مع القائمقام ووفد حزبي وحكومي و شعبي ) وكان قد جمع كميه كبيره من الذهب والمال وتكلم صدام عن المدينه وأهلها وكيف ضحوا وبذلوا )الدماء رخيصه في قادسيته واليوم يتبرعون بالذهب والمال ! ورأيت بأم عيني كيف أن ذلك النكره المجرم سمير عبد الوهاب أخذ يقبل صدام وهو في أسوأ حالات الذل والصغر وكأنه طفل صغير يقبل صدر والده ويبدو أن صداما كان غاضبا قبل هذا على دميته (سمير سويكه) ورضى عنه في ذلك الموقف حيث المال والذهب الذي انتزعه من الناس الفقراء ليقدمه لسيده كي يرضى عنه ورغم كل ذلك فقد نبذه صدام بعد أن تقلد عدة مناصب ومنها منصب وزير التعليم العالي والبحث العلمي حيث زج عشرات الآلاف من الطلاب الذين رسبوا في موضوع ( الثقافه ) والتي هي عباره عن أقوال تافهه لرئيس النظام وفي سنتهم الدراسيه الأولى وزجهم في قادسية صدام وأصبحوا طعما لتلك الحرب الدمويه الشريره. لقد أصبحت كل تلك الأموال الخياليه هباء منثورا وفي مهب الريح وظل نزيف الدم مستمرا وظل حوت الحرب فاغرا شدقيه لالتهام المزيد والمزيد من مليارات الدولارات التي كان بأمكانها بناء العراق بناء عصريا جديدا في كل مجالات الحياة وجعله من أرقى دول العالم وشعب العراق اليوم يعيش كما تعيش الشعوب الفقيره وبدون كهرباء وماء وخدمات ضروريه لكل أنسان في هذا العالم. وفي القسم التالي سأتناول قسما آخر من فصول تلك الحرب .التي يحن البعض لأثارتها من جديد كي يغرقوا العراق في أتون حرب جديده وهو في هذه الحال المزريه و كأن فصول تلك الحرب الدمويه الشرسه قد أسدل عليها ستار النسيان وهذه المره بدافع من المحتلين الأمريكان الذين يبحثون دوما عن دمى جديده تنفذ مخططاتهم الجهنميه والبعيده كل البعد عن طموحات الشعوب وسعيها للعيش الحر الكريم والتمتع بالخيرات التي وهبها الله لها.
جعفر المهاجر