الرئيسية » التاريخ » موقف الحكومة العراقية من القضية الكوردية في العراق في المرحلة الاولى من عهد الاستقلال 1932-1939 الحلقة الثامنة عشرة

موقف الحكومة العراقية من القضية الكوردية في العراق في المرحلة الاولى من عهد الاستقلال 1932-1939 الحلقة الثامنة عشرة

رسالة تقدمت بها الطالبة/كافي سلمان مراد الجادري

ولعل أوضح الادلة على موقف بكر صدقي السلبي تجاه القضية الكردية هو موافقته على إشتراك العراق في ميثاق (( سعد أباد )) (4) الذي كان الغرض الأساسي منه هو تضييق الخناق على حركة التحررالكردية(5) . فقد نصت المادة السابعة من هذا الميثاق على (( عدم السماح للأطراف المتعاقدة بتأليف عصابات مسلحة أو أي مؤسسات اخرى او جمعيات تستهدف قلب نظام الحكم أو الإخلال بالأمن الداخلي ))(1). وكان المقصود من هذه المادة هو منع تنقل الكرد بين هذه الدول المجاورة لأراضيهم ، وغلق الحدود امامهم في حالة قيامهم بحركات مناهضة لحكوماتهم ومنعهم من الخروج من حدود بلدانهم الى الجانب الآخر من حدود الدول المجاورة(2). كما بلغت خطورة هذا الميثاق ، وبإعتراف صحيفة ((البلاد)) العراقية ، من انه فضلاً عن المصالح الاقتصادية والاجتماعية التي كان يهيأها ( الميثاق )(3) للدول الموقعة عليه ، فانه قد فسح المجال أمام الحكومات المتعاقدة للانصراف الى معالجة شؤونها الداخلية بقوة وحزم , وتوجيهها بالاتجاه الذي تقتضيه مصلحة هذه البلدان ، وكثيراً ما كانت مصلحة البلاد في نظر هذه الحكومات تعني قمع القوى الوطنية والديمقراطية ، وكانت الحركة الكردية في مقدمة هذه القوى التي استهدفها الميثاق(4) .
ان هذه الادلة التي تعكس موقفاً سلبياً من حقوق الشعب الكردي ، فضلاً عن وجود أدلة منطقية كثيرة يمكن إستنباطها من خلال التمعن في العديد من الاحداث السياسية التي وقعت في ظل النظام الانقلابي ، تبين بجلاء، موقف بكر صدقي لامن الحركة الكردية فحسب ، بل تجاه ابسط حقوق الشعب الكردي في العراق .
لقد كان وصول جماعة الاهالي ، التي اشترك بعض عناصرها في حكومة الاخائيين سابقا، قد خلق انسب الاجواء لضمان بعض الحقوق الشرعية للكرد ، والتي نصت عليها بعض القوانين والمراسيم التي سبقت عهد الانقلاب ، مثل قانون ((اللغات المحلية)) ، وكذلك وجود الكرد بممثل واحدأ وإثنين في التشكيلات الوزارية .لكن اللافت انه في عهد الانقلاب لم ينضم وزير كردي واحد الى الوزارة التي تشكلت حينذاك ، كما لم يدخل الممثلون الشرعيون للكرد في المجلس النيابي الجديد ، في حين كان المجلس السابق يضم عدداً من الكرد الذين كانوا من أبعد الناس عن الحركة الوطنية الكردية(5) . واذا كان قد دب نشاط جزئي في صفوف الوطنيين الكرد خلال عهد الانقلاب , فان ذلك لم يكن سوى إنعكاساً للمد الذي شمل جميع القوى الوطنية في العراق في المرحلة المبكرة التي أعقبت الانقلاب(1) . ومن الطبيعي ان يتصور بعض المثقفين الكرد ان انقلاب بكر صدقي كان سيعطي زخماً كبيراً للحركة الكردية في العراق ، مع ان بكراً لم يكن قومياً كردياً(2) . لذلك يمكن القول ان معظم المثقفين الكرد إستقبلوا هذا الانقلاب بشيء من روح التفاؤل عكس عامة الكرد الذين لم يعيروا لهذا الانقلاب اي إهتمام يذكر(3) . وقد كان تفاؤل هؤلاء المثقفين بهذا الانقلاب ، كونه ، كان يضم عناصر ديمقراطية من جماعة الأهالي التي كان قد إنتمى اليها عدد من المثقفين الكرد في السابق , ممن كانت تؤمن بأفكار جماعة الأهالي . والملاحظ انه خلال تلك الفترة ، فان تطوراً نوعياً قد حدث في اسلوب نضال تلك الفئة التي أخذت تتحدث عن التضامن الكردي – العربي . وقد ظهرت عدد من الجمعيات والاحزاب التي تهدف الى تحقيق هذا الغرض مثل حزب ((يه كه تي))( الوحدة ) الذي تشكل بعد الانقلاب ، وكانت مبادئه تؤكد على الوحدة الوطنية بين العرب والكرد ، والنضال المشترك لمقاومة الإستعمار البريطاني(4) . ولكن في المقابل ادرك العديد من المثقفين الكرد الابعاد الحقيقية للانقلاب ، وقائده بكر صدقي ، الذي لم يبدِ أي إهتمام بحقوق الشعب الكردي . ففي أعقاب توقيع ميثاق سعد أياد تشكلت جمعية سرية في صفوف الطلبة الكرد في المدرسة المركزية في كركوك بإسم ((داركه)) ( الحطاب ) في عام 1937،والذي أصبح فيما بعد نواة حزب هيوا الذي تأسس في عام 1938، وأدى دوراً سياسياً في كردستان العراق خلال الاعوام 1937-1945 (5).
وهكذا فان التمعن في سياسة قائد الانقلاب وسلوكه خلال حكم الانقلابيين يكشف عن ان حكومة الانقلاب لم تبدِ ، لا في سياستها الداخلية ولا الخارجية أدنى مراعاة لمصالح الشعب الكردي ، اذ ظلت القوى الوطنية الكردية بعيدة بالذات عن الانقلابيين ، على الرغم من ما أبدته من تعاطف ، لأسباب عدة ، مع العهد الجديد في الأيام الأولى التي أعقبت نجاح الانقلاب(1) .
الخاتمة :
بعد اتمام هذه الدراسة , والخوض في مباحثها وفصولها , واعتمادا على الوقائع التأريخية التي شهدتها حقبة الدراسة , والظروف والملابسات التي رافقتها , والنتائج التي تمخضت عنها, وافرازاتها المتعددة , لابد ان نضع ذلك كله في معيار نقدي تحليلي , قد يسهم في اعطاء البعد الحقيقي للقضية الكردية في العراق , وموقف السلطات الرسمية العراقية منها .
ومن خلال استقراء الاحداث التأريخية التي احاطت بالقضية الكردية في الحقبة الزمنية التي شملها البحث . نجد ان مصير الكرد ومستقبلهم قد احتل حيزاً واسعاً في المؤتمرات الدولية التي اعقبت انتهاء الحرب العالمية الاولى.
وعلى الرغم من ان التحولات الجديدة في خرائط المنطقة , وفرت فرصاً ثمينة لشعوب المنطقة لممارسة حق تقرير مصيرها . الا ان الشعب الكردي حرم من هذا الحق . فما كان منه الا ان خاض سلسلة من الحركات والانتفاضات المتلاحقة التي كانت قد ابتدأت منذ منتصف القرن التاسع عشر ولم تتوقف حتى اواسط القرن العشرين .
وبعد ان حسمت مشكلة الموصل لصالح العراق , وبعد ان اختارالكرد الانضمام الى العراق مقابل ضمان حقوقهم القومية التي اقرتها عصبة الامم , بدأ الكرد يتطلعون الى مرحلة جديدة في علاقتهم مع السلطة الوطنية الجديدة في العراق لا سيما, ومع بريطانيا الدولة المنتدبة على العراق عموماً .
عادت القضية الكردية لتحتل اهتماماً ملحوظاً في الحسابات البريطانية في العراق لا سيما مع بدء الاستعدادات لعقد معاهدة عام 1930 بين العراق وبريطانيا , لتهيئة الاجواء لقبول العراق عضواً في عصبة الامم بعد تقديمه ضمانات لاعطاء الاقليات حقوقها القومية , وهذا ما اعاد القضية الكردية الى واجهة الاحداث . اذ ان اكتساب العراق سيادته الكاملة بعد انضمامه الى عصبة الامم في الثالث من تشرين الاول عام 1932 , حول القضية الكردية من شأن دولي تحت اشراف عصبة الامم ودولة الانتداب , الى شأن عراقي داخلي , كانت اهم ملامحه فقدان الكرد لاي دعم خارجي يمكن ان يساعدهم في حل قضيتهم المعقدة . ولعل هذا التحول هو اهم نتائج عهد الانتداب البريطاني على العراق خلال الاعوام 1920 – 1932 .
ولابد من الاشارة الى ان انحياز الكرد لخيار انتمائهم الى العراق , لم يقابل باستجابة واعية , ومخلصة من جانب السلطات الحاكمة في العراق . وقد تجلى ذلك في سياسة الاهمال المتعمد الذي ابدته الحكومات العراقية المتعاقبة تجاه الاوضاع في كردستان على شتى المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية . واذا كانت سياسة الافقار والتهميش جزءً من سياق عام ميز اجراءات الحكومات العراقية ضد العديد من اجزاء البلاد , خلال تلك الحقبة , فان ذلك السباق اتخذ مديات ابعد , واشد تأثيراً فيما يخص كردستان , والارقام التي وردت في ثنايا الدراسة تؤكد هذا الامر دون مبالغة او ادعاء . لذا كان من الطبيعي ان تجابه هذه الممارسات من لدن السلطات الرسمية , برد فعل عنيف من جانب الكرد تجلت في سلسلة من الحركات والانتفاضات التي شملت مختلف شرائح وطبقات الكرد في كردستان العراق . وابرز صور هذه المقاومة تمثلت في حركات الشيخ محمود الحفيد , والبارزانيين , والتي واجهتها السلطة بقوة مفرطة مستندة الى خيار السلاح لحسم الاوضاع لصالحها , دون البحث في الجذور الحقيقية التي دفعت الكرد الى تبني اسلوب المواجهة مع السلطات الحاكمة رداً للمظالم التي وقعت عليهم . وقد ساهمت عوامل عدة في قمع تلك الانتفاضات ومنعها من الوصول الى تحقيق اهدافها, منها ضعف الروابط الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في كردستان , الذي كان من نتائجه غياب وحدة العمل الفكري بين القيادات السياسية الكردية , كذلك الصراع العشائري والقبلي الذي ساد العلاقات بين عدد كبير من الزعامات القبلية والعشائرية الكردية , الامر الذي مكن السلطة الحاكمة وسلطات الانتداب البريطاني من شق صفوف الحركة الوطنية الكردية , خصوصا في غياب تنظيم ثوري فاعل قادر على تعبئة الكرد باتجاه تحقيق اهدافهم في التحرر ونيل حقوقهم المشروعة .
ولا يمكن قطعا اغفال الدور البريطاني في هذا المجال ودعم القوة الجوية البريطانية للجيش والحكومات العراقية في حسم المعارك لصالحهم . يضاف الى هذا وذاك الدور المؤازر الذي ادته دول الجوار لا سيما تركيا وايران , في دعم جهود السلطات العراقية لقمع اي تحرك من جانب الكرد , خشية امتداد المد التحرري للحركة الكردية الى الاجزاء الاخرى من كردستان في الدول المجاورة . ولعل الامر الاكثر اهمية , ان مواجهة الكرد للاستعمار البريطاني في كردستان والذي امتد بجذوره الى ثورة العشرين التي شاركت فيها كل اطياف الشعب العراقي بعربه وكرده وقواه الوطنية , كان بمثابة اول تحدي حقيقي واجهه البريطانيون لسياستهم في العراق وهو ما اعطى حافزا كبيرا للقوى الوطنية الاخرى للعمل على تحرير العراق وكردستان من الهيمنة البريطانية. شهدت حقبة الدراسة ايضا تداخل الخنادق بين الموقف الرسمي والموقف الكردي في واحدة من اهم التحديات التي واجهت العراق في بداية مرحلة الاستقلال , وهي مشكلة الاشوريين .
وقد جاءت المعالجة العراقية لهذه المشكلة خلال احداث عام 1933 لتعزز نتائج خطيرة القت بتداعياتها على اطراف عدة كان الكرد في مقدمتها .
لقد حاولت اوساط عدة ولا سيما الرسمية الصاق تهمة تلك الاحاث الاليمة بالكرد , وتذرعوا بفكرة كون قائد العمليات العسكرية ضد الاشوريين كان كردي الاصل . لكن تفحص دقيق لموقف بكر صدقي خلال تلك الاحداث وبعدها حينما قاد اول انقلاب عسكري في تاريخ العراق والشرق الاوسط , تنفي مبررات تلك التهمة عن الكرد . فان ما قام به من اجراءات كان بناءً على اوامر صدرت اليه من الحكومة العراقية في غياب الملك فيصل الاول . ونفذها بكر صدقي لكونه كردياً , بل لانه كان جزءً من المؤسسة العسكرية التي كانت مسؤولة عن حفظ الامن والاستقرار في البلاد .
فضلاً عن الى اجراءات بكر صدقي العسكرية , فان البريطانيين تحملوا جزءاً كبيراً من هذه المأساة التي وقعت للاثوريين , بتحريضهم على رفع السلاح بوجه الحكومة العراقية و وفي المطالبة بانشاء كيان اثوري في العراق بعد ان غذت بريطانيا هذه الفكرة في رؤوس زعمائهم, وذلك لوضع العراقيل امام الحكومة العراقية الحديثة الاستقلال , لضمان استمرار الهيمنة البريطانية على العراق , تلك التي ضمنتها المعاهدات الثنائية التي عقدتها مع الحكومة العراقية, لا سيما معاهدة عام 1930 , التي كانت العديد من الدلائل تشير الى تفكير اطراف من النخبة العراقية الحاكمة في المطالبة بالغائها او تعديل بنودها . كذلك تحمل الاثوريين انفسهم جزءً مما حدث لهم . فمنذ دخولهم العراق عاشوا في عزلة تامة عن المجتمع العراقي ورفضوا الاندماج فيه كسائر الاقليات الاخرى , بمن فيهم مسيحيو العراق الاصليين الذين يشكل النساطرة قسماً كبيراً منهم , كذلك رفضهم الانصياع لقوانيين الدولة , مما خلق قناعة لدى الحكومة العراقية بعد رغبة هولاء الالتزام بالمعايير التي تحكم الدولة الحديثة في علاقتها بمواطنيها . كذلك انتشار الاثوريين في مناطق معينة من كردستان , وتداخلهم مع الكرد في هذه المناطق , واستغلال اصل بكر صدقي الكردي , هيأ الاجواء لتصوير ما حدث على انه نزاع كردي – اثوري . وهي فكرة حاولت تغذيتها اوساط يمينية في الحكومة العراقية , والبريطانيون ايضاً , لكن نفتها الوقائع , وهي عدة , وبعضها , اكدها الاثوريون انفسهم .

Taakhi