رفع صوته على عمه الذي كان بمكانته يدير قبيلة بأكملها ، يطلب منه أن يكون له صوتا مسموعا في القبيلة ، يترأسها مثلا !!
فما كان من العم الحليم الذي فهم مراد قريبه إلا أن قال له: اذهب يا بني أنت بعد اليوم رئيس العشيرة، وأنا فوضتك ذلك، خرج الرجل وعند وصوله لأول قرية ، توجه إلى بيت أحد أقاربه هاجما على مقتنيات الدار من الفرش وأدوات المطبخ يخرجها إلى الفناء وهو يصيح : أنا أصبحت رئيسا للعشيرة!! هكذا أمر عمي ..
لمن يكن الرجل المسكين قد سمع الشاعر الكبير جكر خوين الذي نظم قصيدة يعالج فيها النزعة التسلطية في نفوس بعض البشر في قصيدته المشهورة ( ولاتي خورزا ) مشخصا هذه الصورة الجنونية في بيئته ، عندما طلب رسول الملك من المفاوضين مسئولا ليفاوضه في مطالبهم التي خرجوا من اجلها ، فكان رد المعارضين واحدا تلو الآخر :
ته فان كو باشا ئوو مير كه سي نه كو أز وزير
Tevan go paşa û mîr kesî nego ez wezîr
وعندما عاد الرسول إلى ملكه أخبره قائلا :
ته فده با شا ئوو ميرن بي وزير ئوو كزيرن
Tevde paşa û miring bê wezîr û gizîrin
قام الملك بكل صلف وجبروت ليحلف بتاجه الظالم وهو يقول :
كو بتاجا سري من كه س نينه هه مبري من
Go bi taca serê min kes nine hemberê min
يعتقد الكثير من الناس أن ما كان يقوله علماء النفس في دراساتهم النفسية حول البنية البشرية أنها نوع من الفلسفة السفسطائية التي لا هدف منها سوى إنجاز بحث يرتقي من خلالها الباحث في درجة علمية أو يملئ بها وقت فراغه .
كنت من أصحاب هذه النظرة إلى فترة قريبة ، لكن نظرتي ورؤيتي تلك قد تغيرت ، وعلمت انهم ما قالوا شيئا ولا كتبوه إلا بعد دراسات دقيقة وخبرة نتجت إما بالملاحظة أو بتكرار التجربة
النفسيات البشرية على ثلاثة أقسام : نفسية إيجابية ، ونفسية سلبية وثالثة لا إيجابية ولا سلبية.
قد يشترك الكثير من الناس في الصفات العديدة إلا أن القيادي يجب أن يكون مميزا ، يحمل من الصفات الإيجابية التي يعجز عن حملها غيره .
ومن أكبر المصائب أن يقع الإنسان العامي المسكين بين فكي قيادتين أحداها مصابه بجنون العظمة والأخرى مصابة بجنون البقر !!
فمن أصيب بجنون العظمة : لا يرى أحدا فوقه، كما لا يرى لأهل الفضل فضلهم ، ينكر الواقع ، يغير الحقائق ، يظن الناس حوله أغبياء ، لا يشعر قطعا بنظرة الناس الساخرة له ، ينسب الانتصارات لنفسه ، يعتقد أن دورة الحياة بدونه قد تتوقف في لحظة غيابه !!
أما مجنون البقر : فلا يؤمن جانبه ، لأنك إذا ما سرت أمامه ماشيا عضدك بأنيابه الوسخة وإذا سرت ماشيا خلفه رفسك برجله الذي يفكر فيه !!
يعيش حالة هيستيرية ، يضرب الحابل بالنابل ، يقذف الناس بما هو متأصل فيه فربما اتهم الشيطان بأنه إرهابي إسلامي في الوقت الذي قد يكون عنده المجرم الأفَّاك الكذاب في مصاف الأنبياء !!
هو بدوره كالمصاب بجنون العظمة ينظر لعقول الناس بسخرية ، وهو لا يدرك احتقار الناس له لازدواجيته في المعايير .. ومع كل أسف ينضم بعض كتابنا إلى هذه الزمرة ، وهذا واضح في أؤلئك الذين ينتقدون في واد ، وما ينتقدوه في واد آخر !!
وكلا القيادتين تشتركان في مرادها من متبعيها بأن يلتزموا منهجا قائما على التقليد الأعمى، وأن يكون المرء بين يدي قيادته كالميت بيت يدي غاسله أو كالعجينة بيد الخباز!!
كانت هذه الاتهامات توجه للمتدينين ومن سيطر عليهم وعلى عقولهم التفكير الديني ، ولكن مع الأسف كان الذين يرمون هذه الاتهامات – وإن كانت أحيانا صحيحة في حق بعض المتدينين – يطبقونها في واقع حياتهم العملي ، فكم من سياسي ربما كان الشخص الثاني في تنظيمه كان للكرسي الذي يجلس عليه تأثيرا أكثر من وجوده !!
وكم من قيادي جمع حوله زمرة لا تتغير منذ أن التقى فيهم يسير بهم هنا وهناك لقضاء بعض الواجبات من أفراح وأتراح ، حاله كحال الشيخ الذي يسير خلفه مريديه الذين باعوا دنياهم لقاء فنائهم في شيخهم !!
غالبيتنا نعيش في مجتمع نصفق قبل أن نفكر، ونعكر ونهدم بدلا أن نصبر، هذه الحالة أرست أقدام المجانين الذين يتحكمون في مصائرنا على كل المستويات في أوحال مجتمعاتنا، نصدق أوهامهم، ونبرر أخطاءهم، ونضحك ونبكي لإشاراتهم التي لا يفهمها حتى هم أنفسهم !!
لا أدري ما السبب في انتشار هذه المعضلة التي نتميز بها نحن – الكرد – مع كل أسف، والتي أعطت نتائج وخيمة على رأسها الانقسام في المجتمع الكردي إلى حد أن يخرج علينا أحد المنظرين لعلن في إحدى كتاباته أن السب والشتم والتشهير بالناس هي من حقوق الكتَّاب !!
قد يكون محقا في وجهة نظره ، لكني سأكون حتما متخلفا إن كان رأيه ذاك صائبا ، لأنني والكثيرين معي نرى أن من يؤمن بمثل هذه الطروحات يكون من المصابين بأحد الجنونين ..