الرئيسية » مقالات » نظام الأسد ولعبة السباق مع الزمن

نظام الأسد ولعبة السباق مع الزمن

ما تسرب عن المباحثات الثنائية السورية – الفرنسية المغلقة من معلومات تؤكد على أن الجانب الفرنسي طرح الى جانب القضايا المعلنة مسألة حقوق الانسان والحريات الديموقراطية داخل سوريا وأبرز قوائم وكشوفات حول أسماء المعتقلين السوريين واللبنانيين والمحالين على المحاكم من أعضاء اعلان دمشق والحركة القومية الديموقراطية الكردية والمستقلين من سجناء ومعتقلي الرأي والملاحظات على اسلوب الاعتقالات التي لاتخضع للقضاء ومساوىء قوانين الطوارىء والأحكام العرفية المعمولة بها والمناقضة لآبسط مبادىء حقوق الانسان وتحذير النظام السوري من أية أعمال عنفية تجاه المعارضة السلمية في الداخل والخارج وخاصة في لبنان وفي ختام المحادثات رفض الوفد الفرنسي اقتراحا سوريا باصدار بيان مشترك أعده نائب رأس النظام فاروق الشرع مصرا على عقد المؤتمر الصحافي الذي أذيع مباشرة على الهواء , ومن المفيد التوقف على سير ونتائج أهم محاور المباحثات التي أعلنت في المؤتمر الصحفي ومنها :
– * –
سوريا : حيث أعلن الرئيس الفرنسي السيد ساركوزي موقف بلاده بوضوح تام حول مختلف القضايا بعكس رئيس النظام السوري السيد بشار الأسد الذي بدى مرتبكا متهربا من أسئلة الصحافة والاعلام مستعجلا بوضوح انهاء المؤتمر بأسرع وقت في حين تمسك الجانب الفرنسي بمبادىء حقوق الانسان في سوريا والمطالبة بحرية العمل السياسي السلمي واطلاق سراح السجناء والمعتقلين وامتناع الجانب السوري عن الخوض في الموضوع وتجاهل أسئلة وسائل الاعلام بصورة قاطعة وعن سابق اصرار .
– * –
لبنان : قدم الجانب الفرنسي ظاهريا شهادته بايفاء النظام السوري بوعوده بعد لقاء باريس وأهمها انتخاب الرئيس اللبناني وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية وقبول العلاقات الدبلوماسية والكشف عن مصير بعض المعتقلين وانتظار الايفاء ببنود لاحقة ” مرحلة بمرحلة ” وفي المضمون يعتبر تلك الشهادة ادانة لسلوك نظام دمشق واعترافا بتدخله في الشؤون اللبنانية بما في ذلك مؤسساته الدستورية السيادية وكان لافتا مدى استصغار رئيس الوفد الزائر لرئيس الوفد المضيف عندما كان يمتحنه ويقيم سلوكه كما يقوم معلم المدرسة باستنطاق التلاميذ في الصفوف الابتدائية وهذا عار مابعده عار على أي رئيس يقبل بتلك الوضعية المهينة التي هي نتيجة طبيعية للاستبداد والانحراف والعدوان والعزلة عن الشعب وقد أكد الرئيس ساركوزي أنه تطرق مع نظيره السوري إلى المحكمة الدولية المعنية بمحاكمة الضالعين في اغتيال رئيس الحكومة اللبناني الأسبق رفيق الحريري، وقضايا حقوق الإنسان ومواضيع أخرى، من دون أن يعطي تفاصيل إضافية , أما ما أدلى به الرئيس الأسد حول الوضع – الهش – في لبنان وطرابلس والتطرف السلفي برعاية – دول – فلم يكن الا تماديا في السلوك الطائفي الشللي البغيض وتلويحا باثارة المتاعب كورقة جديدة – بعد احتراق معظم الأوراق – للمقايضة تجاه الشعب اللبناني والمجتمع الدولي ويأتي في السياق ذاته تبجحه بشرف استمالة الرئيس اللبناني السيد ميشيل سليمان بالتفاوض المباشر مع اسرائيل اقتداء بسوريا وقد ظهر تناقض واضح عندما أشار أمير قطر – الذي زار السعودية وصرح بعدم دعوته للرئيس الايراني لحضور القمة الخليجية – بعكس زميله الرئيس السوري الى – تماسك – الوضع اللبناني بعد اتفاقية الدوحة وهو احراج واضح لمضيف القمة الرباعية وانتقاص من قيمة أوراقه في سوق المساومات .
– * –
ايران : أما اشادة الرئيس الفرنسي ببعض دول الاعتدال العربي مثل مصر والسعودية فتعني تخطئة سلوك النظام السوري في التحالف مع ايران وسياسته تجاه لبنان وفلسطين والعراق وكم كان معبرا عندما صرح الرئيس الفرنسي بأن البرنامج النووي الايراني مرفوض وكذلك سياساته العدوانية المثيرة للفتن والمعادية للسلام حيال الخليج ولبنان والعراق مكلفا نظيره السوري الصديق لايران بمهمة اقناع طهران – كاحدى وظائفه المدرسية في مرحلة لاحقة – بالكف عن مواقفه الراهنة والا لن يستطيع احد ايقاف اسرائيل بمهاجمة ايران وعندها ستقع الكارثة .
– * –
اسرائيل : حيث اتخذ موضوع السلام السوري – الاسرائيلي الموقع الرئيسي في القمة الرباعية المنعقدة تحت عنوان السلام وماهي الا محاولة أخرى للتوصل الى اتفاقية سلام نهائية وفصل سوريا عن المحور الايراني وقد بان الوضع بصورة أوضح عندما انكشفت حقيقة هرولة النظام السوري وبطلان ادعاءاته – الممانعة – مع تباطىء اسرائيلي واضح واستعداده لتقديم كل التنازلات المطلوبة لقاء بقاء النظام بما في ذلك النقاط الستة غير المعلنة عنها التي أودعت لدى الحكومة التركية الوسيطة الى درجة أن الزعيم الوطني اللبناني السيد وليد جنبلاط اعتبر أن ما يرمي اليه نظام دمشق يتجاوز مسألة السلام مع اسرائيل بكثير منذرا بخطورة الوضع .
– * –
علائم القلق طبعت وجوه وسلوك المسؤولين السوريين في مواجهة الصحافة والاعلام وظهر التناقض الفاضح بين خطاب الرئيس الفرنسي الآتي من عالم آخر يسوده الوضوح والشفافية ويعبر عن المؤسسات الديموقراطية في بلده وعن الرأي العام الفرنسي والأوروبي رغم مآخذنا على الكثير من أجندته وبين خطاب آخر منبعث من أحد آخر معاقل الشمولية ونظام الحزب الواحد وسلطة الأمن والمخابرات والحكم العرفي في المنطقة مخادع ينضح بالسلوك التبريري واخفاء الحقائق عن شعبه والعالم منغمس حتى الأذنين في الفساد والنهب متورط في الأعمال الارهابية في أكثر من بلد ومما أثار غضب واشمئزاز الشعب السوري أكثر اندفاع النظام ورأسه بلاحدود في عملية الابتزاز وبيع المبادىء والمواقف في سوق المساومات واستجداء مساعدة الغرب وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية للتدخل والمساعدة بشأن السلام مع اسرائيل وانقاذ الحالة الاقتصادية المتدهورة في البلاد خلافا لكل شعاراته السابقة وادعاءاته القوموية الباطلة .
قد يكون الغرب على وشك النجاح في تحقيق تكتيكه السياسي بتقويم سلوك النظام السوري وليس تغييره كما يريده السورييون والذي نادى به وزير الخارجية الأمريكي كولن باول في زيارته الأولى لسورية في عهد ادارة الرئيس بوش الأولى وقد يحقق الغرب طموحه في ابعاد سوريا عن ايران وايصال دمشق بتل أبيب عبر اوتوستراد المزة أوطريق القصر الجمهوري ووضعها في هامش الاستراتيجية الغربية العامة في المنطقة ولكن على الغرب أن يعلم أن الوقت قد تأخر أكثر من اللازم وأن النظام غير شرعي بالمفهوم الديموقراطي ولم يعد في أحسن حالاته ولايستطيع التعبير عن ارادة وطموحات غالبية الشعب السوري وبالتالي لن تكون صفقاته وتنازلاته أمام الغرب واسرائيل مقبولة من الشعب السوري بل ستكون في منزلة الرفض الى درجة المواجهة الفعلية والطريق الوحيد للسلم الحقيقي الذي ينشده السورييون أصلا هو تحقيق السلام الداخلي باجراء التغيير الديموقراطي والاتيان بحكومة منتخبة من الشعب تعبر عن المشهد التعددي لجميع مكونات الشعب السوري القومية والاجتماعية والسياسية والثقافية بعد تحرير السجناء والمعتقلين والمخطوفين وانهاء حالة الطوارىء والأحكام العرفية وتطبيع الأوضاع الداخلية بما في ذلك برلمان منتخب وحكومة ائتلافية تحت ظل دستور سوريا الجديدة ومن ثم الالتفات الى السياسة الخارجية بساحاتها العربية والاقليمية والدولية لتدشين موقع مناسب لسوريا الشعب ودور سلمي منفتح ومتسامح تحت ظل رايات الحق والعدل ومبادىء القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وشرعة حقوق الانسان .