يسر صفحة دراسات كوردية ان تقوم بنشر كتاب الدكتور بدرخان السندي
( المجتمع الكردي في المنظور الاستشراقي) وذلك عبر حلقات متسلسلة.في رأي هاملتون ان قيام هذه الدولة حظي بدعم من تركيا انذاك وقد وعده الاتراك بارسال الاسلحة له بيد ان هاملتون (المهندس) وليس (المؤرخ) لا يعطينا ما يثبت هذا، ولذا نجده في عبارته لا يتعدى الاعتقاد.
ولقد عمل بعض الاشخاص ممن تقلدوا مراكز مختلفة مهمة في حكومة الشيخ محمود، عند هاملتون من بعد في شق طريق راوندوز. كان البعض من هؤلاء الموظفين قد عملوا في وزارة التعليم، ووزارة المكوس والضرائب.
ان الظاهرة الغريبة التي يمكن ان نلمسها لدى الضباط السياسيين الذين عملوا في كردستان ولا سيما في السليمانية ابان النشاط الثوري للشيخ محمود، ان بعض هؤلاء يختلفون مع دولتهم بريطانيا في الرأي حول مصير كردستان او بعبارة اخرى فان القرارات المتخذة من الجهات البريطانية العليا كثيراً ما كانت تصدم اتجاهات هؤلاء الضباط السياسيين وتجعلهم يعانون من جرح كبير امام القياديين الكرد وامام الكرد شعباً تواقاً لحريته وحقه في تقرير مصيره بنفسه. لقد ذكرنا من قبل تناقض رغبة الميجر سون مع القرار السياسي البريطاني مما جعل سون الذي كان يهيئ الى نشوء دولة كردية ان يستقيل ويعتزل العمل.
وها هنا نجد كلارك وهو يحدث هاملتون عن ذكرياته مع الشيخ محمود، ان كلارك يقول انه لم يكن بوسعه تقديم التأكيدات التي طلبها الشيخ محمود بان البريطانيين سوف يبقون في كردستان حتى الاستقلال، أي استقلال كردستان لانه كما يذكر نصاً لهاملتون ان هذا المطلب بعيد المنال وان البريطانيين – والحديث لكلارك – قد اتخذوا القرار النهائي من انهم لن يبقوا في كردستان ثم يقول بصريح العبارة… ولكن ما حيلتي وانا عاجز عن تقديم الحل الافضل فما كان يعني غير الأسف ويؤكد ان من وجهة نظره الخاصة كان يقدر وجهة نظر الشيخ محمود ويراها بوضوح (158).
وهكذا نجد ان كلارك لم يسعه ازاء قرار حكومته الا ان يشعر بالاسف ولا يكتم صديقه هاملتون من ان الشيخ محمود كان على حق.
ويبقى كلارك اكثر التزاماً من سون بوظيفته فابلغ الشيخ محمود بقرار حكومته في وجوب خضوعه مع قومه للعرب فهو يذكر نصاً:
انك لا تستطيع حمل الكرد على حب الخضوع للعرب ان كان العرب انفسهم عاجزين عن زرع الثقة في نفوس رعاياهم الجدد وعلى اي حال أنذرت الشيخ محمود بعبارة صريحة ان تكون قراراته وأوامره خاضعة لحكومة العراق وان يحل مجلس وزارته ويوقف العمل بجهاز ادارته الحالي وان لم يفعل فسيعامل معاملة المتمرد البادئ بالعدوان (158).
نعتقد ان هناك اكثر من سبب يقف وراء هذا التناقض في المواقف بين التوجهات التي كان الكرد وقياداتهم يستشفونها من الضباط السياسيين البريطانيين وبين القرارات المفاجئة للحكومة البريطانية ونقول المفاجئة للضباط السياسيين البريطانيين قبل الكرد. وربما كان السبب الأول يعود الى المعايشة الميدانية فالضابط السياسي عندما كان يرسل الى احدى المدن الكردية ويبدأ بمعايشة المجتمع الكردي يتعمق لديه الاحساس بأحقية هؤلاء القوم في امتلاك حقوقهم السياسية، ويعزز من هذا الشعور نشوء علاقات شخصية بين هؤلاء البريطانيين والكرد سواء على صعيد القيادات الكردية ام على الصعيد الاجتماعي.
وعلى الرغم من الصراعات السياسية لا بل الحرب نجدهم أي الضباط السياسيين البريطانيين غير قادرين على اخفاء اعجابهم بشخصية الشيخ محمود مثلاً.
واما السبب الثاني فهو تغيير المواقف البريطانية ازاء الكرد دون الاعلان عنها، مما جعل المنطقة بضباطها السياسيين في واد وصناع القرارات المركزية في واد اخر، واخذ هؤلاء الضباط يعانون من الحرج امام الكرد وقياداتهم عندما تنكشف المواقف على حقيقتها.
ان هذا التحول في المواقف كان من الامور العسيرة التي عانى منها كلارك نفسه المعروف بحنكته السياسية كما يقول هاملتون. هذا ما جعل كلارك نفسه يقول لقد أدرك الكرد اتباع الشيخ بغريزتهم الشرقية التي لا تخطئ ان سياسة بريطانيا ازاء الكرد سياسة مترددة متذبذبة (156).
ويصف هاملتون الوقت الذي مر به كلارك بالوقت العصيب، فقد نشأت صداقة بين كلارك والشيخ محمود الا ان الشيخ كان مصمماً على رفض كل اوامر تصدرها حكومة عربية له، وان كلارك كان ملزماً بان يبلغه لا بل ينذره بوجوب الانصياع الى اوامر الحكومة غربية كانت ام عربية وان يتخلى عن حلمه في تقرير المصير الكردي (157).
ان هاملتون يقف وقفة محلل منصف للموقف الكردي فهو يعترف ان الاكراد كانوا يمتلكون المبررات كلها للاعتقاد بان السياسة البريطانية لن تتخذ قراراً بخصوص مستقبل كردستان، وان ليس هناك ما يشير الى ان بريطانيا سوف تتعامل مع كردستان كدولة منتدبة وازاء ما رسمته عصبة الامم في تحديد فترة الانتداب على العراق بخمس وعشرين سنة فان الكرد بادروا الى طلب الاستقلال وفضلوا ان يكونوا منتدبين لدولة بريطانيا على ان يكونوا منتدبين لتركيا وتصدوا لفكرة تركهم تحت حكم الدولة العراقية، ولما تحقق هذا فعلاً احبطت كل امال الشيخ محمود وهو يشعر ان غبناً وقع عليه وعلى قومه وقال، انه وقومه لا يأملون التقدم والازدهار في ظل حكم بغداد وكان شديد المقت للموظفين العرب (157).
ان كلارك يهمس في اذن صاحبه هاملتون ان سياسة الشيخ محمود كانت تتجه دوماً الى التأكيد بانه لا يضمر حقداً خاصاً لبريطانيا الا ان ما يكرهه هو خوفه ان يحكم وزراء بغداد شعبه الكردي. لقد كان كلارك مؤمناً ان الشيخ محمود على الرغم من اندحاره، بامكانه ان يستعيد قواه، وهو مؤمن بان هذا الرجل سيخلده التاريخ بطلاً من ابطال الشعب الكردي (160-1).
ان هاملتون، يخبرنا ان تنبؤ كلارك كان في محله، فقد ثار الشيخ محمود ثالثة وشبت نار الثورة التي تصدت للحكومة العراقية عندما قامت الحكومة بتزوير الانتخابات عام 1930 حتى تمنع فوز المرشحين الوطنيين الكرد ويعلق هاملتون على هذا اذ يقول (وكما كان الحال في الماضي فقد هزمته القوة الجوية البريطانية لا جيش الجنوب العراقي في هذه المرة وسلمه البريطانيون للسلطات العربية التي ظل يقاومها بعناد وثبات. والحكومات الشرقية لا تطلق سراح معتقليها كالبريطانيين. ولذلك بقي الشيخ حتى يومنا هذا سجيناً في يدي اعدائه مثل اكثر الكرد الذين تبددت احلامهم باستقلال بلادهم واصبحت شذر مذر واثراً بعد عين) (161).
خـالفـيــــن!
على الرغم من ان خالفين لم يقم بزيارة كردستان – على حد علمنا- ولكن انطباعات خالفين تكتسب اهمية بالغة في هذا الكتاب وذلك لسببين رئيسين اولهما ان البروفيسور خالفين كما جاء ذكره في مقدمة الدكتور احمد عثمان الذي ترجم كتاب خالفين (الصراع على كردستان) من الروسية الى العربية، هو احد العاملين في قسم العلاقات الدولية في معهد شعوب اسيا التابع لاكاديمية العلوم السوفيتية في موسكو، وقد اولع بالدراسات التاريخية الكردية جنباً الى جنب مع الدراسات التاريخية لشعوب اسيوية اخرى.
وثانيهما ان خالفين في كتابه يذكر اراء وانطباعات عدد من المستشرقين والرحالة ممن زاروا كردستان وعلى الرغم من ان هذه الانطباعات غير مفصلة لانها جاءت اساساً كشواهد في الكتاب وليس غاية له ولكن تبقى هذه الانطباعات في غاية الاهمية لطبيعة كتابنا هذا، اذان بعض هذه الانطباعات التي جاءت في كتب هؤلاء الرحالة والمستشرقين غير متوفرة في العراق اساساً.
التآخي