حـول بنـاء الاولويـات
اولا، لا يصح إغراق موضوع مصير وهوية مدينة كركوك، كوردستانية، ام تركمانية، ام مدينة عراقية، في الشعارات او المصطلحات او اعتبارات الصراع السياسي في منعطفه الراهن، كما لا يصح ان يدس الموضوع عنوة في شعاب الوثائق والسجلات ويتقلب في متاهات التاريخ وبصمات موجات الغزو والحكم المتعاقبة، وللتحذير هنا ما يبرره، بعد ان اصبح لكل دعوة من الدعوات المطروحة وثائق وتفسيرات، وبعد ان تطوّع كتبة تاريخ وسياسة، في ليّ الحقائق وإنشاء سياقات تحت الطلب.
والمعاينة الموضوعية تقتضي القول ان ثمة مشكلات ومخاشنات حدثت بين كورد كركوك وتركمانها في العصر الحديث، وقد سماها المفكر الكوردي المرموق كمال احمد مظهر في كتابه عن كركوك “شرخا” واعادها الى “عوامل مصطنعة” وقال بكلمات عميقة وموجزة “يتحمل الجميع، بدرجات متفاوتة، وزر خلقها واثارتها بصورة او باخرى” فما احوج المعنيين بهذه المشكلة ان يستدلوا بمنظور الدكتور مظهر العلمية والنزيهة الى جذور المشكلة، وما احوجنا الى تهدئة الخواطر مما شابها من سوء الظن والريبة …
ثانيا، اعرف ان سطور هذه الشهادة جاءت في وقت حساس، وانواء مضطربة، وان استطرادات منها لم تكن لتعجب البعض، ومن بين البعض هذا اصدقاء وكتاب وقراء احبهم، واحتفظ لهم باحترام وجهات النظر، اما اولئك الذين ركبوا مركب السفاهة والتشهير والتهديد والتأويلات التافهة، فانهم لن يشغلوا هذه الشهادة عن توقيع خاتمتها، والى الخاتمة تتجه السطور التالية:
في البديهيات السياسية الاكاديمية، ثمة امران لا ينبغي الخلط بينهما، او التعسف في ربطهما، ويدخلان في قلب موضوع البحث (مشكلة كركوك) هما قضية الشعب والقيادة السياسية، واحسب ان الحاجة ماسة للابتعاد عن التنظير، للقول هنا، ان قضية الشعب الكوردي من حيث فروض حق تقرير المصير وحقوق المشاركة في ادارة الدولة الاتحادية على قدم المساواة مع المكونات الاخرى لا يصح ان تختزل الى مفردة ينظر اليها من خلال الموقف من القيادة السياسية الكوردية، ولا يصح، بعد ذلك، ان يُعدّ الموقف (الايجابي)من القضية موقفا(ايجابيا بالضرورة) من القيادة، ولا ان يُحسب الموقف من القيادة موقفا من القضية عينها.
والامر، برأيي، يعود في جوهره الى علم المعايير، وهو واحد من ابرز العلوم الحديثة التي تنشغل في ضبط القياسات لأحوال الثابت والمتغير، وفي التفاصيل، له علاقة بمستوى نمو ورصانة التقاليد السياسية وبُعدها الحضاري، فانك حين تهاجم نيكولا ساركوزي لن تجد من يفترض ذلك بمثابة تعريض بالشعب الفرنسي، لكن الامر يختلف في حال انتقدت اداء الرئيس محمد حسني مبارك، مثلا، فانك ستصبح معاديا للشعب المصري في حساب الخطاب والفهم السياسي العربي (والشرقي) السائد.
واقول، نعم، اتحدت القيادة الكوردية بتطلعات الشعب الكوردي، وكسبت ودّه وتأييده في مجرى الكفاح من اجل الحرية، لكنها تواجه الآن اختبار حماية هذه العلاقة وادارة الصراع، بنجاح، في اطار الدولة العراقية الاتحادية، وفصلها الدرامي مشكلة كركوك، وبناء الاولويات بالكثير من الحكمة وبُعد النظر، بما يجنب الكورد المزيد من الالام والحروب.. واحسب ان مفتاح هذا النجاح يتمثل في بناء وتطوير تجربة الاقليم ليكون اكثر رخاء وعدالة وديمقراطية.
ــــــــــــــــــ
.. وكلام مفيد
ــــــــــــــــــ
” الهمة واحدة الهمم ، والمهماتُ من الأمور : الشدائد المحرقة”.
ابن منظور
شفق

