يسر صفحة دراسات كوردية ان تقوم بنشر كتاب الدكتور بدرخان السندي
( المجتمع الكردي في المنظور الاستشراقي) وذلك عبر حلقات متسلسلة.انه يصف الصراع الصامت بين الميجر سون الحاكم السياسي انذاك في زيارته الثانية للسليمانية أي عندما وصلها وهو غير متنكر، واحاسيس الشيخ محمود الذي كان قد امتلك القناعة من انه سيجرد من صلاحياته وسلطانه فلم يفوت الفرصة بل باغت الانكليز بثورته ودخل السليمانية تسانده قبائل الهماوند والجاف وهوره مان. وسيطر الشيخ محمود على المدينة بسرعة فائقة ولم يكن سون انذاك في السليمانية، ووضع يده على الخزينة وانزل العلم البريطاني ورفع علمه الوطني واعتقل كل الرعايا البريطانيين (34).
ويعتقد ادموندز ان من حسن حظ سون انه لم يكن في السليمانية والا فان الشيخ محمود كان سيقتل سون، والحقيقة فاننا نعتقد ان ادموندز بالغ في قراره هذا عندما يقول، ما كان الشيخ ليتردد في قتل شخص يراه أعدى اعدائه.
نحن نعتقد ان الشيخ كان سيلقي القبض على سون ويأسره اما قتله فأمر نستبعده عن الشيخ محمود وقد اسر الشيخ محمود في قتاله مع الانكليز ضباطاً طلب لهم العلاج من الجيش البريطاني وقد ذكرنا هذا في موضع اخر من هذا الكتاب. ويصف ادموندز النصر الذي احرزه الشيخ محمود على حامية كركوك البريطانية التي استهانت بقوات الشيخ محمود ولكنها دفعت الثمن غالياً مما زاد معنويات الشيخ ورجاله وزاد عدد المقاتلين الذين انضموا اليه.
يأتي ذكر محمود خان دزلي عميد اسرة بهرام بك في مذكرات ادموندز، فقد سافر ادموندز الى قرية (يالايني) الواقعة على هضبة في منطقة هورامان، ويذكر ادموندز ان محمود خان دزلي كان قد عاد تواً من منفاه في الهند وبعد عودته مباشرة رفع من جديد لواء الثورة كما يقول ادموندز (يقلق المنطقة) مما اضطر القوة الجوية الى تحجيمه وطلب العفو.
يصف ادموندز زيارته هذه والرجال المدججين بالسلاح اذ تتقاطع اجندة الرصاص على صدورهم وهم يحملون بنادقهم كما يصف جمال المنطقة التي زارها ويذكر ان كلاً من الليفي بقيادة الجنرال ناتينكيل كانوا قد شنوا هجوماً على هذه المنطقة كما يشير ادموندز الى تقرير المندوب السامي في 1922-1923 الذي يطلب فيه من ادموندز إقامة اتفاق مع دزلي . ومن الانطباعات التي ذكرها ادموندز عن هذه المنطقة ان الفتى ما ان يبلغ سن الحلم حتى يكون قد حمل السلاح واقتنى بندقية. ويؤكد ادموندز ان في كردستان لاشيء ارخص من حياة البشر ويتساءل كيف والى أي مدى يستطيع الضابط السياسي ان يبرر لنفسه وضع حياته ومقدراته تحت رحمة او سيطرة رجل قبلي مثل هؤلاء (166).
والحقيقة فان ما شاهده او ما ذكره ادموندز من انطباعات، تبقى مبتورة ما لم ينصف المشاهد الاجنبي المسؤول سياسياً وعسكرياً عن المنطقة (اسباب) استرخاص الروح الانسانية… ان ادموندز لا يشير الى القوات البرية والجوية البريطانية التي تقتحم المنطقة وتريد ان ترضخ القبائل الى ارادتها دون ان تعامل هذا الشعب معاملة انسانية ودون ان تمنحه حق تقرير مصيره التي كانت قد اقرت بعد ان وضعت الحرب العالمية الاولى اوزارها. ان معاملة بريطانيا لم تكن اكثر من تعامل الفرس او الترك مع الكرد والغريب ان بريطانيا المتحضرة جداً (حتى انذاك) كانت متوحشة جداً مع الكرد ولعلي لا ابالغ اذا ما قلت كان على ادموندز ان يقول ان الانسان الكردي ارخص بضاعة لدينا نحن الانكليز اثناء وجودنا في كردستان لا بل الكرد بمجموعهم، وسيبقى سؤال الشاعر الكردي الوطني فائق بيكه س وخزة في الضمير البريطاني عندما القى قصيدته بمناسبة توديع ادموندز عندما غادر السليمانية. يشير ادموندز الى طريقة التعامل مع القبائل الكردية لكي يكون الضابط السياسي ناجحاً ففي رأيه ان الضابط السياسي يجب ان تكون لديه القابلية في دراسة الحالة النفسية لشيخ القبيلة هل هو يائس ام متفائل هذا من جهة ومن جهة اخرى ان يدرس الضابط السياسي مدى هيبة الحكومة في المنطقة وهذا ما يمكن معرفته من خلال مكانة الضابط نفسه لدى الناس في المنطقة التي يوجد فيها.
ان ادموندز يعترف بوجود مواقف محرجة لا يملك معها الا ان يقوم باعمال حاسمة من اجل ان لا تنتزع هيبة الحكومة، وهو في الواقع اعتراف ضمني بلاديمقراطية الاجراء. كما انه يعترف ان بعض الضباط السياسيين كانوا يقومون ببعض الاجراءات السخيفة (من وجهة نظر ادموندز) بسبب عامل الخوف والقلق الذي كان ينتاب هؤلاء الضباط السياسيين في كردستان (166).
يحدثنا ادموندز عن انطباعاته لا بل حالة الحرج التي كان يشعر بها والتي ربما لم تختلف عن حالات الحرج التي كانت تعاني منها الدولة العثمانية قبل مجيء الانكليز والحكومات المتعاقبة بعد الانكليز. وهي ليست مسألة موالاة بعض رؤساء العشائر للسلطة ووقوفهم ضد الثوار الكرد وعدم توقع هؤلاء ان تتخذ السلطة موقفاً محايداً من الجميع بعد استتباب الامن (على حد تعبير ادموندز) أي بعد ان يندحر الثوار.
ان ادموندز يسمي الاكراد الموالين لهم ضد الثوار بذوي القلوب المخلصة، ولا نود هناان نذكر اسماء الاغوات من ذوي القلوب المخلصة كما يسميهم ادموندز ولكنه كان يشعر بالحرج او صعوبة اقناع هؤلاء (المخلصين) بضرورة اتخاذ موقف محايد بازاء كل الكرد. انهم يرغبون في استمرار عملية الانحياز السلطوي لهم (209).
ان ادموندز يعتقد ان تحقيق الحياد تجاه الكرد كلهم مرهون بمدى قوة الحكومة. ونعتقد ان المقصود من قول ادموندز هذا ان الحكومة عندما تجد نفسها قوية فانها لا تجد نفسها ملزمة بالاكتراث او بالاستمرار على المودة الخاصة لمن كانت (قلوبهم مخلصة) والحقيقة نحن نعد هذا الذي يقوله ادموندز درساً بليغاً في التاريخ والسياسة الكرديتين.