ونقصد هنا، الإعلام المرئي والمسموع والمقروء ورقياً وأنترنيتياً، وببساطة أن الإعلام الكوردي باللغة العربية ضعيف جداً، إن لم نقل في حالة يرثى لها .. ولم يستطع للآن إيصال معاناته وحقوقه المهدورة إلى المتلقي العربي شريك الجغرافية …. منذ ما يقارب الخمس سنوات يقع الكورد في مطبات ومفخخات وحُفر وأفخاخ الإعلام العربي ” وأعني هنا جانب من الإعلام العربي وليس كله ” المناهض للحقوق القومية للشعب الكوردي في العراق خاصة، المقروء، والمرئي تحديداً من خلال الندوات والبرامج التلفازية، ناهيك عن كثرة المواقع الألكترونية المنفلته أصلاً من عقال ما يسمى بمهنة الصحافة والإعلام .
أن واحدة من الألعاب الشائعة التي تمارسها فضائيات عربية معروفة بتوجهاتها العدوانية لحقوق الشعب الكوردي، لا سيما ما يتعلق بمسألة كركوك هو أنها تجلب ثلاث شخصيات من القوميات العربية والكوردية والتركمانية في محاولة أيحائية منها لإقناع المتلقي بأنها تقف على مسافة واحدة من القضية المطروحة، وينطلق دورها فقط كمنبر إعلامي محايد، لا غير.
لكن اللعبة الإعلامية الشيطانية تبدأ أولاً: بإنتقاء الشخصيات المدعوة للبرنامج، والتي تكون على الأغلب الأعم غير متكافئة لا ثقافياً ولا سياسياً ولا حتى لغوياً، وهذه الأخيرة هي المطب القاتل الذي يقع فيه أغلب المحاورين الكورد في الفضائيات العربية .. ناهيك عن دور مقدم البرنامج الذي يفسح المجال واسعاً للشخصيات غير الكوردية بالكلام والأسترسال دون مقاطعة، لكن وما أن تبدأ الشخصية الكوردية بالكلام، وضمن ذات اللعبة السخيفة يقاطعه مقدم البرنامج عدة مرات بحجة أستفسار ما، أو طرح سؤال ملغوم بعيد عن جوهر المطروح من التساؤلات، وأستفزازه ضمن لعبة هي الاخرى سخيفة لإخراجه عن طوره، لتشويه صورته أمام المتلقي، وما شابه ذلك لتنتهي مدة كلام الكوردي دون أيصال الفكرة التي يريد أيصالها، هذ أضافة إلى لغته العربية الركيكة التي تنسف وتخون ما يريد حقاً قوله، فما بين محاولة صاحبنا الكوردي التكلم بالعربية الفصحى أو بالعامية العراقية، أو بالبحث عن مفردات ملائمة تمكنه التعبير، يكون العصفور قد حلق عالياً ساحباً الخيط معه، وعند ذاك تكون الدقائق القليلة التي خصصت له أنتهت دون فائدة ترجى، فاللغة، أية لغة … هي ليست فقط الكلام وإجادة تقديم خطبة عصماء !!، بل فيها من الفنون الشئ الكثير من الإيحاءات والغمز واللمز وعبارات متنقاة، وكيفية كسب عطف الجماهير وأقناعهم بأنك على صواب، وتدعيم الكلام بقول مأثور أو بيت شعر أو مثل شائع أو حتى آية قرأنية، أو حديث شريف، وما شابه ذلك من فنون الكلام والحوار والنقاش، وكل هذا يعتمد على الإمكانية اللغوية للمحاور وكيفية تطويع اللغة للهدف الذي يصبو إليه، وللأسف أن الكثير من محاورينا الكورد يفتقرون لهذه الموهبة، وطبعاً لا ألومهم على ذلك، فبالنتيجة هم كورد ولغتهم الأم كوردية على أية حال، لكن وفي ذات الوقت هناك الكثير أيضاً من أبناء شعبنا يجيدون العربية حتى أفضل من أصحاب لغة الضاد أنفسهم ، لكنهم مغيبون بفعل المحاصصة الحزبية .
وكما هو معروف بأن المتحالفين من العرب والتركمان في كركوك، وهم قلة والحمد لله، هم في موقع الخصم بالنسبة للكوردي، وهذا يعني أثنين زائد مقدم البرنامج المنحاز لهم، أي ثلاثة محاورين ضد واحد، وفي هذا ظلم وعدم شفافية، وإنحياز مكشوف وفاضح، بل قل مؤامرة، ومثل هذه الألاعيب بعيدة جداً عن جوهر و روح مهنة الإعلام والصحافة، التي يجب أن تقدم أخبارها ونتائج تحقيقاتها بشكل شفاف ومحايد.
ومن هنا يجب على المثقف الكوردي أن يترفع عن الحضور لمثل هكذا برامج، أو الحضور بشروط، وأولها الشفافية وعدم المقاطعة، كما يجب على مسؤولي الإعلام الكوردي الرسمي ” إن كان الأتصال يتم من خلالهم ” تشخيص شخصيات مثقفة واعية تتقن اللغة العربية بشكل سليم ” على غرار الناطق الرسمي ” وأن يكونوا على دراية كافيه بالموضوع أو مادة البرنامج المقدم، إضافة إلى تطبيق المثل الشائع ” أعطي الخبز للخباز، واللحم للجزار ” أي أن يكون الشخص مستوفي الشروط معلوماتياً وأختصاصياً حول المادة المطروحة للنقاش، فالقضايا القانونية لرجال القانون، والمسائل التاريخية للمختصين في هذا المجال، وهكذا بالنسبة لباقي العلوم والإختصاصات بشقيها العلمي والإنساني .
للأسف أرى بأن معظم الشخصيات الكوردية التي تدعى لمثل هذه البرامج المفخخة يفتقرون للحد الادنى من موهبة الحوار والنقاش والتلقائية، مع عدم ألمام باللغة العربية، وبين كل هذه المواصفات تضيع الحقائق والموضوعية، وتنعكس سلباً على قضيته المشروعة التي يدافع عنها .
ونقطة أخيرة أود أن أطرحها للمسؤولين وهي أن الإعلام الكوردي باللغة الكوردية جيد وقد أشبع جميع المواضيع الحساسة والخطرة التي تمس مستقبل الكورد في العراق وهم مشكورين على ذلك ، وما من كوردي على وجه البسيطة لا يعلم أين هي حقوقه، وأين غُبن حقه، وبُخس قدره، لكن وبالنتيجة يعتبر مثل هذا الإعلام بمثابة حوار الطرشان، أي الكوردي يحاور الكوردي، وفي النتيجة هم متفقين على قضاياهم المصيرية، لكن المطلوب هو أيصال الصوت الكوردي للشعب العربي في العراق وإلى باقي أطياف الطيف العراقي أولاًُ، لأنهم المعنيين قبل الآخرين بمستقبل العراق ومن ثم إلى باقي الشعوب العربية وغيرهم بشكل منطقي وعقلاني، لإقناعهم بمشروعية المطاليب .
9 ـ 8 ـ 2008