يسر صفحة دراسات كوردية ان تقوم بنشر كتاب الدكتور بدرخان السندي
( المجتمع الكردي في المنظور الاستشراقي) وذلك عبر حلقات متسلسلة.ان عبارة ويطرام هذه تجعلنا نقف تماماً على حقيقة الحياة السياسية انذاك ومدى التمزق الاجتماعي الذي كان يعاني منه المجتمع الكردي بسبب تعدد الزعامات، وهذا التمزق الذي كان من المؤكد يحظى بدعم من الدولة العثمانية مركزياً، اما على صعيد الادارة الداخلية في كردستان فقد كان المواطنون الكرد يعانون الامرين من الموظفين الترك.
فعلى الرغم من ان ويطرام يمتدح الانسان التركي كانسان له خصال حميدة ولكنه كما يقول ويكرام، كإداري فهو رجل كريه ممقوت انه لأكسل من ان يقوم بتصريف حسن للامور وهو يترك جهاز ادارته المدني الفاسد في وضع لا يمكن وصفه من التردي (166). وهنا يمكن ان نكون صورة عن الواقع السياسي والإداري تحت ظل جهاز إداري من هذا النوع اضف الى ذلك ظاهرة ابتزاز الموظفين الترك للاكراد تحت مختلف الذرائع التي كانت مسألة شائعة.
ان هذه الحالة جعلت الناس تضيق ذرعاً بالفوضى والتسيب الحكومي، كما يذكر ويكرام، ولعجزهم عن إقامة أي نوع من انواع الحكم الذاتي خلال حكمهم القبلي الاقطاعي فانهم بدأوا يرحبون بأي تغير او تدخل اجنبي، كما يذكر ان الاغوات الكرد يرحبون بدخول الانكليز لاسباب اخرى شخصية (292).
يظهر من انطباعات ويطرام ان الكرد من مسلمين ومسيحيين كانوا مادة صراع واستغلال ايراني وتركي، ففي الوقت الذي كانت تركيا تؤلب الكرد المسلمين على الكرد المسيحيين كانت ايران تؤلب الكرد المسيحيين على الكرد المسلمين، هذا ما يتضح بسهولة من خلال ويكرام انذاك. ويذكر ويطرام في عام 1906 عزمت الحكومة الايرانية على ان تبذل الجهود لخضد شوكة الكرد واخضاعهم فجردت قوة عسكرية الى هذه الجبال لتحقيق ذلك. وطلبت الحكومة من المسيحيين مساندتها. فما كان من السلطات التركية الا ان انتهزت هذه الفرصة للتدخل مؤملة بهذا ان يضمنوا لانفسهم اقليم حدود طالما اشتهته نفسها وارسلت قوة تركية لهذا الغرض ربما استجابة لطلب الكرد وما ان بدأت هذه القوة حتى ولى الجيش الايراني الادبار ولم يقف حتى في اورمية خوفاً وهلعاً اما حلفاؤهم الاثوريون الذين استنفروا من قرى (تركه وه ر) وكانوا وحدهم قد تصرفوا تصرف الرجال في ذلك اليوم المخجل فلم يفكر احد في مصيرهم.
لقد اصبحت اورمية في تلك الفترة منطقة روسية ويثني ويطرام على النظام الروسي من حيث انه لم يحبذ استمرار التناحر والصراع الدموي بين العشائر (179-180).
ان الكرد بطبعهم ليسوا متزمتين ازاء الاديان الاخرى ولكن الدولة العثمانية كان لها دور قذر في تأليب العشائر والاديان والطوائف بعضها على بعض.
ان ويطرام الذي شوهد في مناطق عديدة من كردستان دون انطباعاته عن الكرد المسلمين بازاء المسيحيين عموماً وزعماء طوائفهم خصوصاً، فعلى سبيل المثال يذكر ان في منطقة حكاري (الاسم العام للمناطق الجبلية في جنوبي كردستان) يكن كل كردي احتراماً عظيماً لمار شمعون (الرئيس الروحي للاثوريين) ويعده زعيماً رسمياً لرعاياه، ويعده رجلاً ذا قداسة موروثة باكثر ما يكون المسيحي ذا قداسة في نظرهم وكثيراً ما يعد المسلمون المتزمتون لحم الحيوان الذي يذبحه المسيحي مما لا يصح ان يأكله لانه لا يمكن الجزم بانه حلال ولكن اذا ذبح حيوان بيد احد افراد اسرة مار شمعون فلن يتردد اشد المسلمين تحرجاً من اكله وهو حلال، ولا سيما اذا نحر بسكين معينة هي من جملة موروثات تلك الاسرة (253-4).
ونجد ان ويطرام (وهو رجل دين مسيحي ومبشر) لا يتحيز للمسيحيين فهو يذكر بموضوعية اخطاء المسلمين والمسيحيين بازاء بعضهم البعض، فعلى سبيل المثال نجد ويكرام ينتقد بمرارة بعض المواقف المسيحية في المنطقة اذ يقول، ان الذمة تقتضي ان ننوه بدور ذوي الرؤوس الحارة من المسيحيين الذين بذلوا اقصى ما في وسعهم لتأجيج النار، فقد اقدموا على لعبة حقيرة قذرة للسخرية والتندر على المسلمين باستخدامهم النعرات المذهبية بين الشيعة والسنة استخداماً شنيعاً فاطلقوا اسم ولي مسلم على كلب واطلقوا اسم ولي اخر على ثان والبسوا الاول ثياب جندي ووضعوا على ظهر الاخر حلة الملا واطلقوا احدهما على الاخر ليمزقه. لا مراء في ان هذا العمل الدنيء كان كفيلاً باثارة مشاعر اناس اكثر وداعة ومسالمة (177).
ويذكر ويطرام ايضاً حادثة كأنموذج من اعتداء مسيحي على مسلم ورد الفعل الذي صاحب ذلك فقد قام بعض ذوي الرؤوس الحارة من التيارى – كما يصفهم ويطرام – بدافع من سخطهم من رفض الاكراد اجراء مصالحة معهم كانوا هم قد اقترحوها عليهم، فقاموا بغارة على اراضي البروارى وقتلوا اخ رشيد بروارى. وهو احد رؤساء عشيرة البروارى فما كان من هذا الا ان انتزع الرصاصة من جسد اخيه وارسل رسالة الى اغا وادي ليزان وهي الجهة التي اقبل منها الغزاة، يقول فيها انه يحتفظ بالرصاصة التي قتلت اخاه ليدفنها مع اغا ليزان، وهو كما يقول ويكرام – جزاء وفاق والحق يقال – الا انه أي رشيد اشتط وتعدى الحد المناسب وضرب بكل قواعد الثأر حينما اعلن (جهاداً ضد المسيحيين) في امر لا يمكن اعتباره اكثر من مجرد ثأر قبلي (284).
ويورد ويكرام حادثة لها مدلولها الجميل في هذا السياق اذ ان زهر اغا زيرنكي كان احد الاكراد الذين تحدوا الحكومة بايوائه الارمن المطاردين عندما لجأوا الى منطقته في تلك الايام السود وادركهم الجزارون وهم في حماه وقالوا له، ان امر السلطان قد قضى بقتل كل هؤلاء الارمن الكلاب (كذا). فاجاب الاغا بجرأة واعتزاز، انه لا يفهم أي امر من أي سلطان يلزم سيداً ذا كرامة بتسليم ضيوفه ليقتلوا بحد السيف وكان اللاجئون قد استاقوا معهم عدداً قليلاً من الماشية والسائمة فسارعوا بتقديمها لمنقذهم، فابى قبولها وزاد من كرمه فسمح لهم برعيها مع قطعانه حتى يعودوا الى ديارهم وهكذا كان. ويعقب ويكرام على هذه الحادثة، ان خير مثل للجنتلمان الكردي لا بل أي جنتلمان في أي بقعة من بقاع الدنيا مطلقاً (213).
ن ويطرام لا يغفل الوجه الاخر من الصورة وهو انزلاق الكردي بتأثير من تصعيد الحماس الديني بشتى اشكال الخطط والمؤامرات المرسومة من قبل الدولة في جعل بعض القبائل الكردية اداة تنفيذ مسخرة لاهواء الدولة وهم للاسف يعتقدون ان ما يقومون به لمرضاة الله وتعاليم الدين.
يذكر بهذا الصدد، ان مذبحة ديار بكر لتصفية الارمن كانت قد تمت بتدبير وايعاز من حكومة اسطنبول الا ان الاداة المسخرة البريئة التي استخدمتها للتنفيذ كان الاكراد المتعصبين – يقصد التعصب دينياً – الذين اندفعوا الى احياء المدينة من القرى المجاورة للمشاركة في المذبحة المدبرة والاسهام في النهب الذي عقب ذلك.
كانت المذبحة سياسية لا علاقة لها بالدين والدليل على ذلك ان المسيحيين السريان وعددهم في ديار بكر كبير – لم يصبهم شيء مما حل بالارمن اخوانهم في الدين – كما ان من لجأ الى بيعة اليعاقبة لم يلحقهم أي اذى خلا الافراد الذين وقعوا ضحية هياج الغوغاء (40).
ان ما تقدم يشير الى ان المذبحة، فعلاً كانت ذات اغراض سياسية وليست مسالة مسلمين ومسيحيين وحسب. ان الدولة العثمانية كما يبدو كانت تتوجس من الارمن بشكل خاص، وذلك بسبب روحهم القومية واهدافهم في الاستقلال عن الجسد العثماني، بينما كان المسيحيون الاخرون يتصرفون تصرف الاقلية التي لا حول لها ولا قوة.
ان سوء الادارة وتسببها في مذابح مريعة بين مختلف الشرائح كانت مدعاة استنكار العديد من – الرؤساء الكرد – ولابد من توضيح حقيقة تاريخية وهي ان نجاح الدولة العثمانية في تأليب بعض الكرد المسلمين على الكرد المسيحيين في كردستان لا يعني قطعاً انها نجحت في تأليب الشعب الكردي المسلم كله على الكرد النصارى كلهم.
ان الشيخ عبد السلام البارزاني، على سبيل المثال، كان احد ابرز الرؤساء الكرد روحياً وعشائرياً ولكنه كان يستنكر ويشجب تصرفات الدولة العثمانية بازاء الاقليات الدينية الى درجة ابداء استغرابه لعدم تدخل الدول الكبيرة مثل بريطانيا وروسيا للحد من السياسة التعسفية الدموية للدولة العثمانية (137).
يذكر ويطرام، ان الشيخ عبد السلام البارزاني كان ينعى فقدان سيادة القانون في كل مكان وهو في رايه ان هذا من سوء حظ المسيحيين والمسلمين.
Taakhi