يسر صفحة دراسات كوردية ان تقوم بنشر كتاب الدكتور بدرخان السندي
( المجتمع الكردي في المنظور الاستشراقي) وذلك عبر حلقات متسلسلة.سلوك غير مألوف
هنا لابد من ان يسأل المرء سؤالاً، ترى الم يلاحظ كل هؤلاء الرحالة سلوكاً نسوياً نابياً او خارجاً عن المألوف؟
الحقيقة قمنا بمسح مذكرات الرحالة في هذا المجال ولم نجد في الواقع ما يشير الى ملاحظاتهم لاي شكل من أشكال السلوك النسوي الذي يمكن ان يؤشر حالة أخلاقية يحاسب عليها القانون او الشرع .
ولكن لابد من ان نذكر ايضاً النزر اليسير من مشاهداتهم وانطباعاتهم عن بعض اشكال السلوك النسوي المتحدي او المتسم بالتحدي ومحاولة المرأة التعبير عن ذاتها.
ان تربية المرأة لاسيما في أحضان القبيلة او في الريف تجعلها قادرة على تحقيق ذاتها الى حد بعيد بالمقارنة مع النسوة في المجتمعات الأخرى وحتى النسوة في مجتمع المدينة الكردية. لذا لا نعجب اذا ما سجل ماليبارد ملاحظة عن النسوة اللواتي خرجن ليتطلعن الى هذا الزائر الغريب وهو يمتطي جواداً صغير الحجم قياساً بضخامة جسمه، أي جسم ماليبارد، فقال عن النسوة اللواتي وقفن الى جانب رجالهن (يتطلعن الى قافلة الفرسان دون خجل او استحياء) (223).
ويحدثنا سون عن انطباعاته حول فتاة اسمها كلشن وهو يسهب في وصفها، فهي كما يذكر طيبة القلب نزقة طويلة القامة في نحو الـ 18 من العمر لها شحوب جميل – ان كلشن على ما يذكر سون كانت سعيدة مع زوجها لكنها طلقت بعد ان أصبحت ضحية مؤامرة ام الزوج وجدته – وعلى ما يبدو كان قد تتبع قصتها بشيء من التفصيل وقد توصل الى انها قد ظلمت ولكنه يذكر ان ما فقدها احترام جارتها هو انها كانت تعمد ايام القيظ الى الخروج من البيت حاسرة الرأس من غير عمامة فيما عدا طاقية خفيفة (كلاو) الذي لا يغطي شعرها الكثيف وغدائرها التي تبلغ 10-12 غديرة. هذه بدت في التقويم الاجتماعي كما نستنتج من تقرير سون انها امرأة لعوب لا تنظر النسوة اليها بكثير من الارتياح بالرغم من انها كانت باقية على حبها لزوجها وتبكيه (40).
ونجد هانسن تحدثنا عن امرأة جميلة ممشوقة القوام عذبة الصوت قيل لها انها تغني، وتبدي هانسن حسرتها حين تذكر انها فكرت لو ان هذه الامرأة بهذا الجمال وهذا الصوت الشجي والقوام الجميل كانت في اوروبا لغدت نجماً من نجوم الغناء والأوبرا، وتأسف هانسن لعدم وجود تربية فنية تعنى بالأصوات الواعدة في هذه المنطقة. ويبدو ان هذه المرأة الجميلة كانت قد تزوجت قبل عام وانجبت طفلاً ولكنها للأسف لم تكن موفقة في زواجها، وعدم الوفاق هذا كان موضع ازدراء بين النسوة او انه خروج عن المألوف الاجتماعي وعليها ان تجابه نوعاً من المصاعب فهي محاطة بأقاويل الناس (60).
اننا نعتقد ان هذه المرأة التي حدثتنا عنها هانسن كانت ضحية موهبتها، فالإنسان الموهوب – أي نوع من الموهبة – يمتلك دافعاً قوياً يصعب تجنبه في ابداء موهبته، وربما لم يكن زوج هذه المرأة يستسيغ ان تشتهر زوجته بصوتها الجميل فضلاً عن انها جميلة المحيا ممشوقة القوام. انها ضريبة الإبداع يجب ان يدفعها الموهوب في مجتمع شرقي. ان ما ذهبنا اليه افتراض ليس غير.
المرأة والتعلم والمعتقدات
ليس غريباً ان تعاني المرأة الكردية من امية مطبقة وهي تعيش في مجتمع الرجال فيه اميون لا سيما في الفترة التي تبناها هذا الكتاب ولكن على ما يبدو من بعض الانطباعات المسجلة ان المجتمع الكردي عندما بدأ يشعر بأسباب تخلفه وعوامل نهضته كان قد وضع التعليم في مقدمة الأمور التي يجب تحقيقها وكانت للمرأة حصة في هذا الاستشراف المنطقي لسبل استنهاض المجتمع الكردي لذا يمكن ان نقول ان المجتمع الكردي كان سباقاً في الإفصاح عن رغبته في تعليم الفتيات.
ان ادموندز يعتقد ان هناك قوى هائلة تكمن في تكوين المرأة الكردية العادية. وهذه ملاحظة في غاية الأهمية استرعت انتباه زائر من خارج المجتمع الكردي ومطلع في الوقت ذاته على شعوب ومجتمعات غير الشعب الكردي، وهو يقول في موضوع تعليم البنات، انهم كانوا يجابهون بمطلب ملح عام مستمر لفتح مدارس للإناث لا في المدن وحدها بل في القرى أيضا. ويؤكد ان من الأمور المألوفة والاعتيادية حتى في بلدة كوى – كما يذكر – الا يرى الأبوان المستنيران أية حراجة في إرسال بناتهم الى المدارس المختلطة وجلوسهن مع الصبيان على مصطبة واحدة وهن في سن الثانية عشرة او الثالثة عشرة.
وهنا من الضروري ان نذكر ان ادموندز يتحدث عن مرحلة تمتد بين اواسط الثلاثينيات الى اواسط الأربعينيات من القرن العشرين.
ان ما يعزز مذهب ادموندز في هذا المجال اننا نجد محاولات مبكرة في هذا القرن لشعراء وأدباء كرد طالبوا بحرية المرأة وحقها في التعليم. وادموندز بدوره يؤكد هذا الجانب الثقافي والصحفي الواعي في حياة مجتمعنا الكردي في تلك المرحلة حين يذكر ان حق المرأة بالمساواة مع الرجل كان منذ زمن بعيد الموضوع المحبب للمقالات التي تنشرها الصحف الكردية والمطبوعات الدورية الأخرى ويذكر أيضا ان تطبيق مشروع التعليم العام قد تأخر في المناطق الكردية العراقية بسبب الاضطرابات السياسية والظروف غير الطبيعية وهو يرى – حتى المرحلة التي يتحدث فيها ان جيلاً من الفتيات الكرديات المثقفات التقدميات قد تخرجن ولم يتأخرن عن التعويض عما فقدنه من الزمن، وان صلحت شخصيات أمهاتهن وجداتهن، مثلاً ودليلاً لهن فلا شك انهن سيلعبن دوراً مهماً في حياة بلادهن (18).
لا شك ان المجتمع الكردي وهو احد المجتمعات الشرقية له معتقداته الميتافيزيقية وان كنا نعتقد وهو اعتقاد قائم على انطباعات وليس على دراسات إحصائية سوسيولوجية ان المجتمع الكردي ربما كان اقل من كثير من المجتمعات في اعتقاده بالخرافات والطلاسم والسحر ومع هذا وجد في صدد الحديث عن المرأة الكردية انها تأثرت بمعتقدات شخصت من قبل بعض الرحالة والمتتبعين ولعل ابرز الملاحظات تلك التي كتب عنها توما بوا والمتعلقة بموضوع الولادة والحسد وما الى ذلك وقد دونت ملاحظات بوا في فصل المعتقدات من هذا الكتاب. بعد كل ما تقدم في هذا الفصل لابد من توضيح بعض الامور التي قد تكون موضع تساؤل القارئ بغض النظر عن الهوية القومية له، فقد يشعر القارئ ان ما جاء في انطباعات الرحالة المستشرقين حول المرأة الكردية وموقعها الاجتماعي المتميز عندما تقارن بنسوة شرقيات من خارج المجتمع الكردي بشيء من المبالغة.
Taakhi