يسر صفحة دراسات كوردية ان تقوم بنشر كتاب الدكتور بدرخان السندي
( المجتمع الكردي في المنظور الاستشراقي) وذلك عبر حلقات متسلسلة.اما ادموندز فيصف شخصية (عادلة خانم) بالشخصية المحلية المهيمنة ويذكر انها كانت تمارس سلطانها عن طريق ابنها احمد بك القائممقام بالاسم بينما كانت هي الحاكم الحقيقي حتى شيخ الإسلام كان ينفذ أوامر عادلة خانم (144).
ونعود الى سون الذي اسهم في وصف انطباعاته والمواقف التي شاهدها عن عادلة خانم عن كثب وهو يصف احد ايام عملها فقد كانت تتخذ القرارات في مختلف الشؤون التي تردها منها الاقتصادية والجزائية (300) ويتخلل ذلك تدخين لفافات التبغ وعدد من المسؤولات عن خدمتها بملابس فضفاضة وعمامات منسدلة يأتين بهذه اللفافات لها ويحركن المهفات كي لا تشعر عادلة خانم بحرارة الجو (298). بينما تدخل خادمة أخرى تحمل (الشربت) وماء الورد (290)، وليس غريباً ان يدخل مجلسها بائع أقمشة لتشتري منه او تملي عليه ما ترغب من أقمشة سيجلبها لها البائع الجالس قبالتها (299).
لقد اهتمت عادلة خانم كثيراً بسون اذ يذكر انها جادت عليه بغرفة عالية في بيت طاهر بك* يستطيع ان يتشوف منها على البستان والسهل والجبال. وبعد ذلك يصف سون أشكال الحفاوة والضيافة التي لمسها على الرغم من انه يعلق على رغبة عادلة خانم في لقائه في اليوم التالي صباحاً بانه نوع من (التعالي) (276). ان الانطباعات الأولى لسون عن عادلة خانم انطباعات تنم عن تأثير بالغ بشخصيتها اذ يقول عنها، تلكم المرأة الخارقة التي احل في بيتها ضيفاً انها من الإسلام لامرأة لا نظير لها اذا أخذنا بنظر الاعتبار ما تملكه من قوة وفي القدرة التي تبديها في استعمال ما في يديها من أسلحة. وفي مكان آخر من مذكراته يصف سون المكان الذي كانت عادلة خانم تدبر فيه أعمالها وسلطانها اذ يتحدث عن مقابلته الأولى فيذكر بالرغم مما هو متواضع في كردستان تعد هذه المقابلة خاصة لذلك لم يجد اكثر من (12) خادماً وتابعاً ومسلحاً يقفون عند الباب انتصاباً. وكانت الغرفة طويلة ضيقة وفي جدارين من جدرانها ثمانية أبواب مزدوجة تنفتح على الطارمة اما الجدران الاخرى فقد طليت باللون الأبيض وفيها كوى وارضية الغرفة مفروشة بسجاد فاخر من (سنه). ان اللمحة الأولى كما يذكر سون، دلت على انها من اصل كردي خالص. ان وجهها ضيق بيضوي وهي فوهاء نوعاً ما وذات عينين صغيرتين سوداوين براقتين وانف نسري قليلاً ولكنها إمارات دالة على ذلك الأصل وتنسجم نحافتها تماماً مع العادة المتبعة بالنسبة للقوام الكردي وهو قوام لا تعتوره سمنة ابداً (288-289).
وقد استدعت عادلة خانم سون في بعض المهام مثل تكليفه بقراءة وكتابة بعض الرسائل بالفارسية (306) كما انها رغبت بتعليم ابنيها للغة الفارسية (334) وعرضت عليه عملاً تجارياً ويشير سون بكثير من الإعجاب الى حفاوة التوديع اذ يذكر كدليل على الاحترام او من فرط الأدب الرفيع قامت السيدة عادلة بإعداد حرس لسون مؤلف من أربعة خيالة كان رجلان منهم من أشداء قبيلتها ويذكر ان السيدة عادلة قد عهدت به الى (رسول احمد) يرافقه ويشير عليه اين يستريح في السليمانية (337).
اننا نعتقد ان عادلة خانم كانت شخصية ذكية جداً وانها قد قبلت ان تظهر بمظهر من صدق بان سون تاجر فارسي يزور كردستان ولكن نرى من خلال مجمل اشكال التعامل والضيافة الخاصة، ان عادلة خانم كانت تفترض بسون انه يخفي شخصيته الحقيقية تحت غطاء تاجر من فارس فلا يمكن ان تكون كل هذه الحفاوة والضيافة ثم التوديع من حلبجة الى السليمانية في معية مجموعة من الحراس الاشداء نقول لا يمكن ان تكون كل هذه الحفاوة لمجرد تاجر عابر.
لا ندري هل استطاعت عادلة خانم ان تفتح مغالق شخصية سون او انها بقيت عند حدود الافتراض والتكهن، وربما سيكشف المستقبل عن فطنة هذه المرأة الكردية ودهائها بشكل اكثر وضوحاً. وان كان هناك ما يشير الى اكتشاف طاهر بك الجاف امر سون من خلال زلة لسان في لفظه كلمة (لا) فقد كان يحادث طاهر بك بالفرنسية ولكنه لفظها بالإنكليزية لكن عادلة خانم وجدت ان من باب اللياقة تجاهل الامر.
ان ادموندز يتحدث بإعجاب أداري سياسي عن عادلة خانم ويوضح انها لم تكن قد تجاهلت الادارة البريطانية في عهد الاحتلال اذ يقول ادموندز ولعل الجاف كانوا في اواخر عهد العثمانيين اقوى قبائل جنوب كردستان ولذلك عين الاتراك في منصب القائممقام (عثمان باشا) احد اعضاء اسرتها الحاكمة وكان رجلاً رقيقاً ملايناً كثير الغياب عن مقره فانتقلت سلطته الفعلية تدريجياً الى زوجته (عادلة خان) وقد ترملت في عهد الاحتلال الا انها ظلت ملكة شهرزور غير المتوجة. ويبدو انها كانت كما يذكر ادموندز عوناً كبيراً للادارة انذاك مما دعا سلطة الاحتلال الى ان تخلع عليها اللقب الهندي الرفيع خان بهادر. وقد قام الجنرال فريزر بزيارة عادلة خانم لتقديم شكر القائد العام لها ويرافقه كرينهاوس (52).
ان مينورسكي بدوره كان قد التقى عادلة خانم وتكونت لديه بعض الانطباعات عن شخصيتها وقد التقى بها في 1914 في حلبجة أي بعد ان ترملت ويبدو انها في الفترة التي زارها مينورسكي كانت قد ابتعدت عن الحكم بعد ان ارسلت تركيا موظفاً تركياً ليحكم حلبجة أي قبل الاحتلال البريطاني اذ كما تشير مذكرات ادموندز التي تعرضنا اليها تواً انها كانت فاعلة انذاك وذكر عنها مينورسكي انها تحافظ على نفسها بصورة لائقة وقد زارتهم مرة في مقرهم وكان معها جماعة من عروساتها ووصيفاتها ووافقت بسرور على التقاط صورتها وقد شكرته برسالة باللغة الفرنسية جواباً على الهدايا التي قدمت الى ابنها وظهر فيما بعد ان الرسالة كتبت من قبل شاب كردي درس الفرنسية في مدينة سنندج لدى المبشرين الكاثوليكيين.
كانت صاحبة حلبجة – والحديث مازال لمينورسكي – تهتم اهتماماً زائداً بالسيدة الأوروبية الوحيدة التي كانت في بعثتنا العلمية هذه إذ كانت هي نفسها تأتي إلينا في مقرنا اذا ما أرادت ان تلتقي بنا ثم يأتي الآخرون ويجلبون لنا اللبن والتوت والبيض.. الخ، لم نسمع بأسئلة غير لائقة او قهقهة مشمئزة. كان وجودنا هناك مبعثاً للغبطة والسرور وكانوا يضيفوننا بصدق ويقدمون لنا الهدايا ويقصون علينا عن أعمالهم وأحلامهم (76).
ان هذه (القيادية) التي لمسها الرحالة لدى بعض السيدات الكرديات وابدوا إعجابهم بهن لا يشترط ان تتخذ صيغة الزعامة، فقد لاحظ ريج في احدى سفراته قافلة كبيرة من عشيرة الجاف، الكثير من النسوة المسترجلات وهن في فرح ونشوة ويسرن سوية بين النساء الأخريات. ويقول ريج عن هذا، ويستبان ان لهن سلطة عظيمة في ادارة الجماعات (135).
التآخي