يسر صفحة دراسات كوردية ان تقوم بنشر كتاب الدكتور بدرخان السندي
( المجتمع الكردي في المنظور الاستشراقي) وذلك عبر حلقات متسلسلة.ان الحوريين هم القبائل التي تعود في اصلها الى المنطقة الجبلية بين بحيرة وان في كردستان تركيا وبحيرة اورمي في كردستان. والمرجح ان هذه القبائل نزحت من المناطق المذكورة واستقرت منذ نهاية الألف الثالث ق.م في منطقة تدعى (صبراتو) وهي المنطقة الممتدة من ديالى حالياً الى حدود آسيا الصغرى (الأناضول).
ان الحوريين كانوا يشكلون في العهد البابلي القديم غالبية السكان في المنطقة الشمالية شرقي نهر دجلة وشمال سوريا واستقروا قرب جبال زاكروس وسكنوا المنطقة بكاملها.
وتشير الدراسات الآثارية والتاريخية، على الرغم من وجود عادات مشتركة بين مجتمع منطقة نوزى الذين هم حوريون كما بينا، وبين مجتمعات اخرى متقاربة ولكن فيها حالات اضطهاد للمرأة او سيطرة الرجل على المرأة، فان هذه الدراسات توضح ان مجتمع منطقة نوزي يختلف عن المجتمعات الاخرى المجاورة او المتاخمة من حيث تمتع المرأة بشخصية قيادية او سيطرة فكانت لهم ملكة امتازت وسائر نساء العائلة المالكة بسلطات واسعة النطاق وامتلاك مساحات شاسعة من الأراضي وعدد كبير من الأغنام والمواشي والعبيد.
كما تظهر في المجتمع النسوي آنذاك حقوق منها حق المرأة في الأشراف والوصاية على الأبناء وحق انتقال الوصاية الى ألام من الأب في حالات خاصة.
ويمكن الاستزادة من هذا الموضوع في دراسة كوردون في بحثه (منزلة النساء كما تعكسها الرقائم النوزية) (42-43) ونشير الى كتابه القيم غير المترجم (مخاطرات في الشرق الأدنى) (105-19) حيث تتجلى في هذا الكتاب ديمقراطية الزواج ومنزلة المرأة وندرة الطلاق ومدى تضحية الرجل من اجل المرأة بشكل عام ومن اجل زوجته بشكل خاص. اننا لا نريد ان ندخل في مماحكات تاريخية قدر ما نود ان نقول ان المنطقة التي يشير اليها كوردون تمثل اليوم كردستان الحالية وكما ان الجينات الوراثية تنتقل عبر التاريخ البايولوجي فان كثيراً من القيم تكتسب وتنتقل عبر التاريخ السوسيولوجي وتبعث شعوراً انتمائياً، وإلا ما علاقة طه حسين بخوفو وأهراماته؟ وما علاقة المثقف اللبناني اليوم بفينيقيا؟ وما علاقة المثقف العراقي الشاعر منهم والكاتب والقاص بسومر واكد وهكذا.
اننا لا نشك ان الشعب الكردي على الرغم من قسوة التاريخ واشكال المحاولات من الابادات الجماعية والترحيل ولا سيما اشكال الحروب التي عاشتها المنطقة من حيث كونها ساحة اقتتال وصراع دائم بين الامبراطوريتين الكبيرتين الشرستين لقرون عدة فانه استطاع ان يحتفظ بهويته وخصائصه الانثروبولوجية الموغلة في القدم.
المرأة والعمل
يصف باسيل نيكتين الأعمال التي تقوم بها المرأة الكردية ويبدو من وصفه لهذه الأعمال انه يقصد المرأة الكردية الريفية اذ يذكر ان الأشغال المنزلية الشاقة جميعاً تقوم بها النساء فهن يحملن الدواب وينزلن الأحمال عنها ويصعدن الى مواطن القطعان لحلب الغنم ويلتقطن الأغصان والأخشاب للتدفئة والطبخ ولا يتخلين أثناء عملهن هذا أبدا عن أطفالهن الذين يعلقنهم على ظهورهن ويرى نيكتين ان هذه الأعمال المرهقة للمرأة الكردية هي المسؤولة عن فقدانها السريع لأنوثتها فسرعان ما تذوي ملامح الجمال في وجوههن ونساء كبار القوم وحدهن يستطعن الحفاظ على جمالهن لان حياتهن رغيدة لا يقمن فيها بأي عمل شاق (87) وهذا الرأي لا يتفق كثيراً مع رأي سايكس مارك حول احتفاظ المرأة الكردية بأنوثتها طويلاً، والذي سبق ان اوردناه.
اما ادموندز فيرى ان المرأة الكردية لا تقل أعباؤها عن أعباء جاراتها في الشرق الأوسط اذ يطلب منهن اداء اشق الأعمال وفي مقدمتها حمل قرب الماء المثلوج على مناكبهن وهو ينضح على أجسامهن من نبع القرية الى البيت في الصباح الباكر ولم يشاهد رجل كردي يقوم بهذا العمل. على اي حال نشارك ادموندز الرأي فما من رجل كردي يقوم بحمل قرب الماء من النبع لكن هذه الظاهرة أي عدم قيام الرجل الكردي بهذا الضرب من العمل يشترك فيها الرجل الكردي مع كل الرجال في الشرق وربما كان السبب ان الماء هو اقرب الى حاجات المرأة في أعمالها البيتية وعادة فان غسل الأواني وحتى الملابس كان يجري على النبع او على الشاطئ وكذلك استحمام الأطفال فضلاً عن ان الرجل اكثر انهماكاً في شؤون الحقل او رعي الأغنام وابتعاده عن الدار بينما المرأة اكثر ارتباطاً بالدار وشؤونها.
ومن النسوة اللواتي استأثرن بإعجاب ادموندز في مجال العمل عندما كان في السليمانية (رابعة خان) اذ يقول عنها انها شخصية تستحق التأمل ورابعة خان هذه كانت رئيسة الخبازين، ويذكر ادموندز ان في اية مدينة شرقية يكون تموين الخبز نقطة ضعيفة في خط دفاع الإدارة المحلية ضد الدسائس والتخريبات 0 وكانت (رابعة خان) من تلك النسوة القويات الإدارة الذكيات اللائي لا يندر وجودهن في كردستان. لم تكن حباً للشيخ محمود بينما كانت مخلصة (للإدارة) غاية الإخلاص والى نصحها الرشيد وسيطرتها القوية على زملائها الخبازين ويعود إليها (خلاصنا) من كل المتاعب التي تجرها قلة تموين الخبز (83). ونجد ان شميدت قد قام بما يسمى (تحليل المهنة) وهو يصف حياة ام كردية من الصباح الى المساء، وهي امرأة قروية ويضعنا امام لوحة مأساوية من العمل المضني والقلق المستمر وهو يذكر ان اماً في مقتبل العمر سارت ببطء في الطريق المصعدة وهي ترعى دوزينة من الأطفال واربعاً او خمساً من الماعز وتحمل غرارة كبيرة على عاتقها وأردفت أوعية المطبخ وأوانيه وتسوق بغلاً محملاً وتنسج جورباً وهي سائرة وعند حلول المساء تعود الى القرية وتشعل النار وتخبز كمية من الخبز، وعند الفجر التالي تنهض لتصنع اللبن والزبد بخض اللبن في زق من جلد الماعز بحركة رتيبة الى الأمام والخلف (24).
وتعطينا هانسن صورة جميلة لعملية الحصاد التي تشارك المرأة الرجل فيها والأعمال المضنية التي تعقبها، عملية جمع للسنابل وحزم وحمل على الظهر (104) فضلاً عن قيامها بحلب الماعز صباحاً ومساءً، بينما نجد برانت قد لاحظ اشتراك المرأة مع الرجال في تبليس في مهنة جمع الصمغ (98).
اما توما بوا فيصف دور المرأة في صناعة الألبان والاجبان وهذا ما ورد الحديث عنه في مجال آخر من هذا الكتاب (28 – 9) كما يصف توما بوا المرأة التي تغزل ففي كل أرجاء كردستان تغزل النساء أصوافهن بهمة ونشاط فما ان يتوقف كل عمل آخر حتى يدور المغزل بين أيديهن بمهارة وبعضهن ينسجن على النول ايضاً. وفي موضع آخر يذكر توما، تنسج النساء مختلف الانواع من السجاد سواء من الصوف الممتاز ام من الشعر القصير وتكون الصور متنوعة الألوان مليئة بالحيوية (34 – 35).
نلاحظ ان معظم المصادر تؤكد او تلمح الى ان اخلاق المرأة القبلية هي اكثر رصانة (بالمعدل) من الريفية والمرأة الريفية اكثر رصانة (بالمعدل) من المرأة في المدينة، وهكذا سمة العفوية ايضا وربما كان السبب في طبيعة العمل المشترك بين الرجل والمرأة آنذاك ونجد تنويهاً لهانسن اذ تذكر ان المرأة والرجل يعملان معاً بعكس المدن عندما تكون الأعمال مفصولة او مستقلة (72). والحقيقة نجد اليوم بسبب عامل التطور الحضاري في كردستان انحساراً في الحياة القبلية وانتقال المرأة من الدور القبلي الى دور الاستقرار الريفي لا بل الاستقرار في المدينة أيضا وقد لعبت بعض العوامل والظروف السياسية عدا العامل الحضري في أيجاد نقلات سريعة في الحياة القبلية الى الحياة الريفية او المدينة.
ان ما تقدم من انطباعات لا يعكس الواقع كله فقد لاحظ بعض الرحالة سكون المرأة الكردية في بيتها ونقصد في المدن، فهناك عدد كبير من النسوة الكرديات ممن يتفرغن لاعمالهن البيتية فقط ويأخذ الرجل دوره الكامل في إعالة أسرته والعمل خارج الدار من اجل تأمين أسباب العيش. فلقد لاحظت هانسن في بعض الأماكن التي كانت فيها مثل السليمانية او دوكان ان النساء لا يذهبن الى العمل خارج بيوتهن كما هو دأب النسوة الأوربيات وهي تشبه النسوة الكرديات من هذا النوع بالعنكبوت الماكث في عشه طويلاً ولكنهن أي النساء الكرديات يعرفن كل شيء وكيف تدور الأمور بعكس المرأة الأوربية العاملة (61).
ولا شك فأن المجتمع الكردي تطور اليوم في مهنه وعرف أصنافا من الحرف والمهن التي تعمل فيها المرأة اليوم التي لم يكن من الممكن ان تمتهنها في الماضي.
Taakhi