قصيدة واحدة تمتد على طول 138 صفحة تُكون ديوان الشاعر الكردى شيركو بيكه س الذى ترجمه إلى العربية عن الكردية مباشرة الكاتب سامى إبراهيم داوود. الشاعر يحاول أن يخرج بالديوان خارج التصنيف الأدبى فيكتب تحت العنوان وهو “الكرسي”، نصا مفتوحا من الشعر والقص والنثر والمسرح. الديوان يستخدم آليات فنية متعددة ومنفتحة على الأنواع الأدبية الأخرى. مثلا اتخذ من المسرح آلية الحوار بين الشخوص حتى انه يكتب داخل الديوان بعض المشاهد المسرحية أثناء حكى الكرسى عن واحد من أصحابه وهو كاتب مسرحي. ومن القص تيمة الحكى الدائم على لسان الكرسي، ومن الشعر نقاء الصور والتمازج بين مشاعر عديدة طازجة والاهم هو متعة الكشف عن الكرسى الذى يرى ويحس ويكره ويحب ويتكلم ويتألم ويفرح. إن أهمية الديوان تتكشف فى “أنسنة” الكرسى ومنحه قيمة الإنسان الكامل، ورؤية هذا الكرسى لنا وللعالم وكيف يرانا ويشعر بنا. كرسى شيركو بيكه س نجح هو والشاعر على مدار الديوان فى كشف ما يحدث له فى الحياة وعلاقته بمحيطه. هذا الكرسى الذى يتألم عندما يفارق الآلة الطابعة التى علمته الحروف.. الكرسى الذى يقابل أصدقاء قدامى من الكراسى القديمة فى السوق معروضة مثله للبيع. هذا الكرسى الذى يفشى أسرارنا والذى ينقد تصرفاتنا والذى يسعد ويحزن معنا دون ضجيج أو حركة. أيضا يتحدث الكرسى عن تاريخه. إنها عبقرية أن نكتشف إننا لسنا فقط صناع التاريخ بل هناك أيضا كراسى لها تاريخ ولها وجهة نظر فى تاريخنا وفى ما يحدث حولها وحولنا على حد سواء من حروب ودمار وانتهاكات لحقوق الإنسان فى كل مكان وخاصة فى العراق الآن. هكذا سوف نحصل على عدة حالات إنسانية للكرسى يتابع فى سردها وتقديمها لنا خلال قصيدة طويلة وحيدة تمثل مجمل الديوان.. وسوف نقابل الكرسى المشرد.. الكرسى الحكاء للكراسى الأخرى الذى يتحدث عن الشر والحقد والأنانية والبغض الذى يجلس عليه ويراقبه وهو يخدع الحب ويتحدث عن هذه اللحظة المؤلمة فى حياته. ونجح الشاعر فى التنوع على تعدد التقنيات التى استخدمها داخل الديوان- القصيدة حيث يستخدم تقنية التذكر والسرد والحكى عن الذكريات التى تمثل تاريخا ممتدا جمعيا للإنسانية من بشر وجماد. تنوعت عوالم الكرسى حيث يتحدث عن امتلاك كاتب عرائض له وكيف أصبح كرسى فى الشارع وأمامه أله كاتبه قديمة وأوراق وحبر وقلم ودبابيس وكيف تعرف على حروف الآلة الكاتبة حرفا حرفا، وكيف تعلم الكتابة وانفتح على العالم حتى انه كتب عن فضاء هذا العالم الذى يتكون أمامه بشكل رائع وكامل وانسانى شديد البساطة. كانت تلك الفترة ملأى بالأنفاس الدافئة والباردة بتجارب مرة وحلوة بالدموع والابتسامات الناس البسطاء المعذبون بأسمالهم شقاء القرويين تشتت المشردين عصف الأرامل حرقة العاطلين عن العمل كانوا يأتون يجلسون القرفصاء تكتظ الطرق والممرات بشكواهم. “الديوان ص87” صدر للشاعر سيركو بيكه س من قبل أكثر من 20 عمل ادبى بين دواوين شعرية ومسرحيات شعرية وترجمات من الأدب العالمى إلى اللغة الكردية وكانت أول مجموعة شعرية صدرت له عام 1968 وقد ولد عام 1940 فى مدينة السليمانية-كردستان العراق. وترجمت العديد من أعماله إلى اللغات: الإنكليزية، الفرنسية، الإيطالية، الألمانية، السويدية، الدانمركية، المجرية، الفارسية، التركية، العربية. وكان أول شاعر كردى يحصل جائزة توخولسكى السويدية عام 1988. * كاتب وشاعر مصري |