يسر صفحة دراسات كوردية ان تقوم بنشر كتاب الدكتور بدرخان السندي
( المجتمع الكردي في المنظور الاستشراقي) وذلك عبر حلقات متسلسلة.ان هذه المحاورة بين زراده شت والاله هرمزد توضح هذه المسألة المدونة في الفانديداد وهو احد الكتب التي تتألف منها الأفيستا شريعة الزرادشتية.
سأل زراده شت هرمزد:
يا هرمزد، من الذي يحزنك أشد الحزن؟ من الذي يؤلمك أشد الإيلام؟
اجاب هرمزد:
هي العاهر يا اسبيتاما زراده شت، التي تخلط منها بذر الصالحين والطالحين عبدة الاصنام وغير عبدة الاصنام الخاطئين وغير الخاطئين.
نظرها – يقصد العاهر – يجفف ثلث المياه القوية المنحدرة من الجبال يا زراده شت. نظرها يوقف ثلث النباتات الجميلة النابتة ذات الالوان الذهبية يا زراده شت. نظرها يزيل نظرها ثلث قوة اسبنتا ارماني (جني الارض) يا زراده شت.
قربها يزيل عن المؤمن ثلث افكاره الصالحة واقواله الصالحة واعماله الصالحة وثلث قوته وعزمه المنتصر وقداسته.
أقول لك يا اسبيتاما زراده شت، مخلوقات كهذه تستحق الموت اكثر من الأفاعي اكثر من الذئاب (171).
ونرى مما تقدم كم هي نظرية الديانة الزرادشتية قاسية إزاء حرفة البغاء، والعهر، وبلا شك لا ندعي بحتمية انتقال هذا الاتجاه النفسي عبر قرون طويلة في حياة الشعب الكردي، ولكن في ذات الوقت لا يمكن التعامل مع الموضوع بالمفهوم المطلق الحدي بل بالمفهوم النسبي التعليلي، ولا يعني ان المجتمعات لا تتغير في مفاهيمها واتجاهاتها ومواقفها ولكن التغير القيمي يتسم بالبطء قياساً بالتغير المادي او التحول في وسائل الإنتاج عند الشعوب. لقد استطاعت بعض الشعوب المستهجنة للعهر شرعاً ان تخرّج لهذا العهر ما يجعله (مشروعاً) ولكنه في صلبه ليس زواجاً بل شراء للجنس او استعبادا، وان اطلق عليه زواجاً او امتلاكاً.
نعتقد ان للرجل الكردي دوره الكبير في مسألة حرية المرأة الكردية واهم سمة نفسية تلعب دوراً كبيراً في هذا الصدد ومشخصة في انطباعات المستشرقين مثل بورتر الذي مر ذكره وغيره ان الرجال الكرد لا يحيطون نساءهم بالشك.
ان هذه السمة التي يقررها بورتر وسواه غاية في الخطورة فهي التي تقرر مدى تمتع المرأة بحريتها بلا شك، فالرجل الكردي يفترض النقاء وحسن النية في زوجه.
ويعطينا الميجر نوئيل مثلاً حياً على الموقف النقي للرجل الكردي ازاء المرأة وخلوه من العقد النفسية قياساً بالاقوام الاخرى المحيطة بالكرد ففي معرض وصفه لزيارة يعقوب باشا رئيس عشيرة (أتمي) او كما يلفظها الترك اتملي. وهي عشيرة كبيرة القوام ويرأسها (باشا) كما ذكرنا والزيارة كانت في عام (1919) وقد حل ضيفاً عليه. يبدو ان نوئيل كان يرغب في التقاط صورة فوتوغرافية تذكارية للقرويين الذين كانوا في معية يعقوب باشا ونضع هذا الحوار المباشر الذي دار بين نوئيل ويعقوب باشا قبل اكثر من ثمانين عاماً من تأليف كتابنا هذا
يعقوب باشا: وهل تود ان يكون في الصورة نساء؟
نوئيل: بالطبع، ان لم يكن هناك مانع.
يعقوب باشا: مانع!!
ثم سمع نوئيل احد الرجال من كبار السن ابيض اللحية كان واقفاً بالقرب منهما يقول، ان المرأة التركية تسدل الوشاح على وجهها ولكنها تترك نهاية ثوبها مفتوحاً ولكن نساءنا يفعلن العكس ويستشهد نوئيل بـ ميلنكن (الذي كان قد جاب كردستان تركيا في سبعينيات القرن التاسع عشر اذ يذكر ميلنكن) ان المرأة الكردية تتصف بأقصى اشكال الكرامة والحشمة او الثقة العالية بالنفس بعكس الامرأة الارمنية التي يلفها الخجل والانطواء هذه الصفة الشائعة في ارمن المنطقة، وكذلك فهي أي المرأة الكردية تختلف عن المرأة العثمانية (ويقصد نوئيل المرأة التركية) التي تتصرف غالباً بانفتاح.
لقد استشهد نوئيل بـ ميلنكن الذي ذكرنا انطباعه، ثم يعود نوئيل ليذكر القارئ ان المرأة الكردية اذا زنت فان القتل ينتظرها مثلما ينتظر الرجل الزاني (10).
وفي موقع آخر من تقريره يفيد نوئيل ان أخلاق المرأة الكردية مشهورة والزانية عقوبتها الإعدام في كل العشائر (68). نعتقد ان هذا النقاء او حسن النية يتمثل في العفوية السلوكية التي تصدر عن المرأة الكردية عندما تجد نفسها في موقف مع رجل او رجال غرباء.
اما ويلسون فيذكر ان النساء الكرديات يملكن حرية معتبرة ويمكن ان يشاهدن وهن يحتطبن الحطب للوقود او منشغلات في رعي اغنامهن او مهمات اخرى على سفوح الجبال مبتعدات عن القرية (291).
يذكر ادموندز ان صديقاُ عزيزاً للاسرة قد تستقبله النساء في مواضعهن بشكل طبيعي جداً ودونما تظاهر بحياء او حرج (147).
ان هذا الذي يذكره ادموندز يمكن ان نلحظه في الريف وبين خيام القبيلة اما في المدينة عندما يكون امتداد الاسرة ريفياً او قبلياً لا يمكن ان نتجاهل بالطبع تظاهرة الحياء والخجل والارتباك واللغط الذي يصيب جمعاً من النسوة عندما يفاجأن برجل غريب اطل عليهن وهن غير معتمرات او حاسرات رؤوسهن ولا نشك ان هذه من آثار الترك على الكرد فقد حسب الكرد مثلما حسبت اقوام اخرى ان في عزلة المرأة عن الرجل واختفائها عنه حضارة، او (من ضرورات التمدن).
وتاريخياً دخل الحجاب في المجتمع الكردي في زمن السلطان العثماني رشاد بموجب قانون صدر انذاك لتطبيق الحجاب على الشعوب التي كانت تحت حكم الدولة العثمانية، وهناك اغنيات فلكلورية كردية ناقدة وساخرة لهذه الخطوة التي تتعارض وطبيعة هذا الشعب. فاخذت الاسرة الكردية في بعض المدن تغالي في التحجب تعميقاً لاحاسيس (التحضر) و (التمدن) مقارنة مع (رعاع!) البشر من الكرمانج او الكرد من غير المتمدنين!!
وتذكر هانسن ان في القرية من السهولة بمكان ان يتحدث الاقارب والاصدقاء مع النساء ليس مثل المدينة (72). ونعتقد ان ما ذهبت اليه هانسن في ملاحظتها يمكن ملاحظته في مجتمعات اخرى غير المجتمع الكردي ايضاً ذلك ان المجتمعات الريفية عموماً اكثر تقبلاً لحرية المرأة ولكن اذا ما تطورت المدينة كثيراً فانها تنبذ من جديد تقييد المرأة والحد من حريتها مثلما نجد في المدن المتطورة في العالم. فالمشكلة إذن هي في المدن نصف المتحضرة.
من هنا نجد ان سون يؤكد على نقاء المرأة الكردية واصالة سلوكها في التعامل مع الرجل دون استحياء مزيف، فهو يذكر ان في القرى التي زارها كان قد حدث غير مرة ان قامت المرأة او ربة البيت في غياب زوجها بتضييفه غير مبدية ذلك الاستحياء المزيف الذي يختص به الترك والفرس، ويذكر كيف شاركته المرأة وهي جذلى، ما في البيت من طعام وشراب وعندما كان يقدم الرجل أي زوجها فانها كانت تغفل امره، وتنصرف للعناية بالضيف حتى يسلم جواده وينضم اليه (188-9).