يسر صفحة دراسات كوردية ان تقوم بنشر كتاب الدكتور بدرخان السندي
( المجتمع الكردي في المنظور الاستشراقي) وذلك عبر حلقات متسلسلة.
لقد اغفل باسيل نيكيتين او ربما لم يشهد عادة وقوف العريس على سطح الدار وهو سطح غير مسيج وقيامه بدفع قليل من التراب بقدمه من على السطح ليتساقط على رأس العروس اثناء اجتيازها عتبة الدار، ولكن توما بوا قد دون بعض ما يشبه هذه العادة في مناطق مختلفة من كردستان اذ يذكر ان دخول العروس الى منزل المستقبل ترافقه بعض الطقوس الفولكلورية التي تتنوع باختلاف المناطق، فعلى العروس مثلاً قبل عبور العتبة ان تتخطى حطام جرة مليئة بقطع النقود والحلوى تكسر تحت قدميها.
وفي اذربيجان تقوم احدى قريبات الخطيب بالقاء بعض فطائر الخبز بين العتبة وسيقان العروس فهذه الاخيرة تجمع الخبز وتقبل العتبة.
اما عند (اهل الحق) عند تجاوز العتبة فترفع الخطيبة الشموع الموقدة في يديها ويقف الخطيب على الشرفة يرميها بقطع النقود الصغيرة والحنطة والرز الملون.
اما عند اليزيديين فعند وصول العروس ترميها حماتها من الشرفة بالحلويات والزهور ثم تنزل وتعطي لزوجة ابنها جرة ملأى بالحلويات وعلى العروس ان تكسرها على العتبة ويتسابق الحاضرون جميعاً الى الحلويات المنثورة، لانها تجلب السعادة وتتوغل العروس داخل المنزل الجديد عابرة حطام جرة ودم الخروف المذبوح تحت قدميها، اما في كرد داغ فتكسر ملعقة كبيرة من الخشب الى قطع صغيرة بين قدمي العروس قبل ان تدخل منزل الزوجية، فهذا يجلب السعادة للزوجين (59-60).
واما في توبزاوة القريبة من كوسنجق فقد شاهدت هانسن، كما يذكر توما بوا، في اللحظة التي تريد فيها العروس تجاوز عتبة البيت يطير طائر (ديك) من اعلى السطح في حين يضرب العريس وهو في اعلى الشرفة زوجته القادمة على رأسها بعصا طويلة ورفيعة يحملها بكلتا يديه وهذه الحركة الاخيرة تشاهد عند اكراد ارمينيا السوفيتية ايضاً (60).
يذكر باسيل نيكيتين ان العروس بعد دخولها دار زوجها تجلس في مكان اعد لها من قبل في زاوية المنزل، ويكون مغلقاً بقماش احمر وتحيط بها الفتيات من اقاربها واقارب زوجها وتلبث متكئة في وضعها هذا طوال احتفالات العرس التي تستمر يومين او ثلاثة ولا يحق لاحد في هذه الاثناء ان يراها سوى اقارب زوجها وحتى والد زوجها لا يمكن ان يراها قبل ان يقدم لها هدية (109).
ان توما بوا ايضاً يصف ساعة دخول العروس الى بيت الزوجية اذ يذكر بينما يأخذ الجميع قسطاً من المسرات والافراح تستقر العروس على عرشها في ركن من الغرفة وهي ساكنة كالصنم وقد غطيت (بطرحتها)، وعندما يتسلى الجميع ويغنون كثيراً ويرقصون وبعد ان يتعب العرسان ينتهي الاحتفال ويترك الزوجان الجديدان لبعضيهما ويدخلان غرفة الزوجية اذ يحرس الباب احد فتيان الشرف وتطلق رصاصة كتقليد من قبل الزوج نفسه او من فتى الشرف تعلن انتهاء كل شيء على ما يرام حينذاك يعود الجميع الى منازلهم وعلى فراش الزوجية توضع قطعة مربعة من الشرشف او ما يطلق عليه اسم (بياض الوجه) وهو البرهان على عذرية الزوجة (60-1).
لقد قامت هانسن بتسجيل دقائق طقوس الزواج وتقاليده في المنطقة التي زارتها وقد تجولت في المنطقة بين السليمانية وطوبزاوه في كردستان العراق واقامت عند بعض الاسر الكردية.
لقد وصفت هانسن ما يسمى بجهاز العروس وكيف تقوم عائلة العروس باعداده وهو غالباً الاثاث والحاجات الاساسية التي تحتاجها الزوجة في بيتها فضلاً عن شراء الملابس والحلي لها ويكون الصرف على هذه الحاجات من المهر الذي تسلمه والد العروس.
انها تصف صندوق العروس وهو الصندوق الكردي القروي التقليدي فتقول كان لصندوق العروس قوائم طويلة اما مقدمته فكانت مغطاة بقطع الزجاج التي ترسم عليها ورود وفواكه وصورة البراق المجنح والصورة مرسومة بالالوان الليمونية والازرق وبشكل طفولي وتعلق هانسن على هذه الرسوم اذ تقول لا نعتقد ان طفلاً او بيكاسو نفسه قادر على ان يرسم افضل من هذا.
وتوضع ملابس العروس مع بعض الحلويات في هذا الصندوق الذي يرسل الى بيت العريس قبل الزواج بيوم واحد بواسطة امرأة عجوز، وقد لاحظت هانسن ان العروس لديها (16)بدلة اشتريت من نقود المهر وتقول ان ملابس النساء هنا ليست محكومة بالموضة بل بالتقاليد، اما العروس فكان من النادر ان ترى على ملامحها علامات السعادة ولكن هانسن تخبرنا من بعد ان العروس يجب ان لا تبدو سعيدة بل يجب ان تكون مفكرة في مستقبلها وما ينتظرها من حياة زوجية ومسؤولية وتضيف هانسن انها لاحظت العروس لا تأكل بشهية ولم تتحدث مع احد.
وتذكر هانسن ان امرأتين تمسكان بذراعي العروس وتساعدانها على الدخول الى الدار وقد عبرت عن انطباعاتها اذ تقول، كان يخالجني الشعور نفسه وانا اسمع من الحضور صيحات تقول (ها قد وصلت العروس) واتذكر كيف كانت العروس في اوربا تتقدم نحو الكنيسة خطوة فخطوة ان واحدة من المرأتين المرافقتين تعود غداً بينما الاخرى ستبقى اسبوعاً والاولى التي ستذهب غداً ستأخذ معها منديلاً ابيض ملوناً ببقع الدم دليل عذرية العروس والا فان اباها او اخاها او احد اقاربها ينتظر ان يقتلها بسكين معقوف (خنجر) اذ ان كل واحد من هؤلاء القوم يخفي واحداً منه في وسطه، والمرأة العجوز المرافقة عليها ان تنام امام باب غرفة العروس، وهنا كان قد جاء الحديث عن العصا التي القى بها العريس على رأس العروس فأحدث كدمات في رأسها (32).
ولا تنسى هانسن ان تذكر ان العروس تجلب معها هدايا الى اقرباء العريس غالباً ما تكون البسة.
لقد اعجب مستر ريج بالدبكة الكردية وحفلة الرقص التي تقام عادة بمناسبة الزواج وقد ذكرنا ذلك.
ويذكر ريج (1820) ان ماراه كان امراً جديداً بالنسبة له لانه كما يقول لم يسبق له ان رأى النساء في الشرق مختلطات بالرجال بمثل تلك الحرية التي شاهدها دون اللجوء الى التحجب.
ويرسم ريج صورة متحركة لرقصة السيدات في السليمانية فيقول، تحرك صف السيدات هذا ببطء وتموج حول الساحة وهن في رقصهن يتقدمن حيناً خطوة نحو مركز دائرة الرقص ويتراجعن حيناً آخر ويهززن قاماتهن ورؤوسهن هزاً متزناً ظريفاً كل الظرف.
لقد اتت النغمات متئدة هادئة، اما السيدات فلم يقمن باية حركة نابية في رقصهن ولم يبالغن فيه، لقد انشرح صدري لهذا المنظر الذي دام نصف ساعة ثم انقطعت الموسيقى فانسحبت السيدات الى بيوتهن (202).
وما دمنا بصدد موضوع الزواج لا بد من الاشارة الى نوع من الزواج التعسفي لاحظه ريج وهو لا يعبر عن حالة شائعة بقدر ما انه يعبر عن التعسف الاقطاعي او الارستقراطي، اذ يؤكد ان بعض امراء الاكراد الاقوياء المتطرفين اذا احب فتاة غالباً ما يجبر ابويها على تزويجه منها اذ ان وساوسه الدينية تمنعه نوالها بطريقة اخرى واذا ما ملها طلقها وزوجها احد خدمه القرويين المساكين على حد تعبير ريج المعرضين الى هذا النوع من الاضطهاد وعلى سبيل المثال ذكر لنا ريج ان عثمان بك شقيق امير بابان انه الامير الوحيد في عائلة بابان الذي وقع بمثل هذه الجريمة (204).
ريج يسميها (جريمة) ونعتقد انه محق في ذلك، على اننا لا ننسى ان في المجتمعات الشرقية المتاخمة لكردستان من الجرائم (الزواجية) اقسى بكثير مما شاهده ريج في كردستان فضلاً عن ان هذا الزواج موجود في القبائل العربية ايضاً. اي ان كردستان لا تنفرد بهذا الشكل من الزواج التعسفي الذي لا يمت الى الطبيعة الكردية بصلة قدر ما هو افراز من افرازات الحياة الاقطاعية.
Taaki