زار العراق مؤخرا وفد من المثقفين العراقيين المقيمين خارج العراق (يرافقهم عدد من الأكراد الفيلية) لطرح القضية الكردية الفيلية على القادة العراقيين. نشكر الوفد ونقدّر دفاعه عن العراقيين عموما وعن الأكراد الفيلية خاصة كشريحة عراقية تعرضت تاريخيا للمظالم والممارسات الأكثر تعسفا واعتباطا على يد الحكومات المتعاقبة على الحكم في دولة العراق منذ العهد الملكي حتى سقوط نظام البعث الشمولي عام 2003، باستثناء فترة حكم الزعيم عبد الكريم قاسم. مارس نظام البعث الدكتاتوري اقسي وأشد المظالم ضد الأكراد الفيلية، مظالم تصنف ضمن الجرائم ضد الإنسانية من تطهير عرقي، وإبادة جماعية، وإسقاط جنسية، وحجز للشبيبة الذين أدوا خدمة العلم العراقي ليصفيهم ويغيبهم دون أثر، وإبعاد قسري في ظل معاملة وظروف لا تعرف للإنسانية معنى، ومصادرة ممتلكات منقولة وغير منقولة، وتجريد من المستمسكات والوثائق وغير ذلك بذريعة كونهم “من أصل أجنبي”. بدأ ذلك النظام حملات الإبعاد ألقسري للأكراد الفيلية عام 1969 و1970 ثم من جديد وبشكل مارس فيه كل ما تفتقت عنه العقليات المريضة لأزلامه من قسوة وعنف جسدي وتعذيب نفسي وغدر واحتيال في بداية آذار عام 1980 واستمر فيها حتى التسعينات ضد الأكراد الفيلية من شيب وشباب ونساء وأطفال بدون استثناء.
في إقليم كردستان العراق، التقى وفد المثقفين العراقيين السيد مسعود البارزاني رئيس إقليم كردستان والسيد عدنان مفتي رئيس برلمان إقليم كردستان وعند عودته من بغداد التقى الوفد السيد نيجروان البارزاني رئيس حكومة إقليم كردستان. وفي بغداد زار الوفد مجلس النواب العراقي والتقى فخامة رئيس الجمهورية العراقية السيد جلال الطالباني ودولة رئيس الوزراء العراقي السيد نوري المالكي وسيادة نائب رئيس الوزراء العراقي الدكتور برهم صالح وعدد من القيادات السياسية، من بينهم السيد عدنان الدليمي رئيس جبهة التوافق والسيد عمار الحكيم من المجلس الاسلامي الاعلى، والقيادات الدينية البارزة، ومنهم آية الله العظمى السيد السيستاني، وغيرهم.
حسب وسائل الإعلام العراقية أكد جميع القيادات الذين التقاهم الوفد والذين بيدهم القرار والحل والربط ضمنا على أن قضايا الأكراد الفيلية لا زالت معلقة بدون حلول وبأنهم لا زالوا يعانون من عدم الإنصاف ومن عدم إعادة حقوقهم ومن الظلم والمعاناة وبأنهم، أي القادة، جميعا مستعدون للتعاون وتقديم الدعم للأكراد الفيلية وحل قضاياهم. وفيما يلي نموذجين من بعض تلك التصريحات:
“ضرورة إنصاف الأكراد الفيلية وإعادة حقوقه” (دولة رئيس الوزراء العراقي)،
“ضرورة رفع الظلم والمعاناة عنهم” و”سنعمل بدعم ومساندة من فخامة الرئيس طالباني على حل مشاكل الإخوة الفيليين ورفع الظلم عنهم” (سيادة نائب رئيس الوزراء العراقي)،
السؤال الذي يحير الأكراد الفيلية هو:
لماذا يا ترى لم يتم لحد ألان وبعد مرور أكثر من أربعة سنوات على سقوط النظام السابق إنصاف الأكراد الفيلية وإعادة حقوقهم ورفع الظلم والمعاناة عنهم؟ ما الذي أعاق وعرقل ذلك لحد ألان؟ وهل سيعيق وسيعرقل ذلك في المستقبل؟ والحيرة هي إن القادة الكبار في العراق الجديد يصرحون جميعا مؤكدين أنهم يريدون تحقيق ذلك.
هل هناك يا ترى يد أو أيادي خفية، عراقية أو أجنبية، تمنع وتعيق وتعرقل جهود قادتنا الكرام لتحقيق ذلك؟
أم هل هناك فقدان للإرادة في اتخاذ قرارات سياسية جذرية وخطوات عملية ملزمة للجميع لوضع هذه التصريحات الايجابية والنوايا الحسنة موضع التنفيذ والتطبيق؟
أم هل هناك تلكأ خفي في الممارسة العملية يسير جنبا إلى جنب وبموازاة التصريحات والنوايا المعلنة ولا تلتقيان؟
أم هل السبب هو أولويات القضايا ألأخرى في أجندات قادتنا الكرام على قضايا الأكراد الفيلية وأسبقيتها على حقوقهم المهدورة والمعلقة إلى ألآن؟
أم هل هو خليط من كل هذه الأسباب؟
نأمل أن لا يصاب قادتنا الكرام بالضجر والملل مرة أخرى من طرح قضايا الأكراد الفيلية وإثارة هذه التساؤلات عن أسباب بقاء مظلوميتهم بدون علاج وبقاء قضاياهم معلقة لحد ألان! وعذرنا إننا نتصور بأننا من عراق ديمقراطي لا يفرق ولا يميز بين العراقيين بسبب القومية والدين والمذهب والأصل و”التبعية” ومكان الإقامة والسكن.
ونستميح قادتنا الكرام عذرا على تجرئنا على أن نعيد هنا إلى ذاكرتهم، إن نفعت الذكرى، نموذج من التصريحات الايجابية جدا والوعود والعهود والنوايا الحسنة التي قدموها لنا نحن الأكراد الفيلية منذ سنوات، وهذا النموذج هو تصريح الدكتور برهم صالح، نائب رئيس الوزراء العراقي، الذي أدلى به قبيل الانتخابات النيابية في 26/11/2005 “”قضية الكرد الفيليين تعد تحديا مهما أمام الحكومة الجديدة ومصداقية الدولة العراقية والنظام السياسي الجديد” مؤكدا “إن لم ننصف هؤلاء فلن يكون للعراق أي مصداقية على ارض الواقع”، ويؤكد سيادته ألآن وبعد مضي حوالي سنتين ونصف على تصريحه ذلك “على ضرورة رفع الظلم والمعاناة عنهم”، أي أن الظلم لم يرفع عن الأكراد الفيلية لحد ألآن وبأنهم لا زالوا في معاناة بعد سنتين ونصف من تصريحه السابق! أمر يجلب الانتباه حقا ويسبب بعض الاستغراب إذ أن سيادته يصف قضية الأكراد الفيلية “تحديا” أمام حكومته ويعتبرها قضية أساسية وملحة تضع على المحك “مصداقية الدولة العراقية والنظام السياسي الجديد” الذي هو نائب رئيس الوزراء فيه! كما جاء أعلاه فان هذين التصريحين هما نموذجين للتصريحات والوعود والعهود المقدمة من قبل قادة النظام الجديد وليس امرأ موجها للدكتور برهم صالح إذ نكن لشخصه الاحترام ولقابلياته ومؤهلاته التقدير. ماذا عملت الحكومة في هذا الاتجاه خلال السنتين والنصف الماضيتين. نستطيع إن نطرح مثل هذه الأمور على الدكتور برهم صالح لأنه قضى جزء من حياته في مجتمعات ديمقراطية ذات شفافية تقبل بالاستفسار من مسئوليها وحتى مسائلتهم.
ففي الوقت الذي نشكر فيه فادتنا العراقيين من كورد وعرب جزيل الشكر على نواياهم الحسنة وتصريحاتهم الايجابية جدا وحسن وكرامة استقبالهم للوفود نود أن نذكرهم بكل تواضع وخشوع بان الأكراد الفيلية قد شبعوا منها فعلا لحد التخمة والذي يحتاجون إليه ألان هو قرارات وخطوات سياسية جذرية لحل المشاكل التي خلقتها لهم دولة العراق ولا يحتاجون إلى تصريحات تدغدغ عواطفهم ولا إلى إجراءات إدارية خجولة وترقيعية بشأن قضاياهم المعلقة وحقوقهم المهضومة.
وبهذه المناسبة نرجو من أخواتنا وإخوتنا من الأكراد الفيلية أن يوحدوا كلمتهم ويرصوا صفوفهم وان لا يقتنعوا بمجرد التصريحات والعواطف والوعود العامة، وان يعلموا أن انتخابات المحافظات على الأبواب والانتخابات النيابية قريبة وان يدركوا أن لأصواتهم الانتخابية أهمية كبيرة خاصة في انتخابات محافظة بغداد وفي الانتخابات النيابية بشكل عام وأن لا يعطوا أصواتهم بدون مقابل وإنما أن يعطوها للأحزاب والقوائم التي تتضمن برامجها الانتخابية فقرات محددة واضحة وصريحة حول قضايا الأكراد الفيلية (ومن ضمنها تسهيل عودة المهجرين قسرا عن العراق أعوام 1969-1970 و1980 وما بعدها، والاهتمام بالمبعدين إلى إيران وخاصة الذين لا زالوا يقيمون في المخيمات والالتفات إلى مصاعب ومعاناة أهلنا داخل العراق) تلتزم بتنفيذها خلال الدورة الانتخابية القادمة، وليس الاقتناع بمجرد العموميات المبهمة والمطاطية، ليكون بالمستطاع. يجري ممارسة حق التصويت على هذا الاساس في الأنظمة الديمقراطية، محاسبتها وعدم التصويت لها في الانتخابات التالية إذا لم تنفذ تلك الفقرات من برنامجها الانتخابي. وبهذه الطريقة الديمقراطية يستطيع الأكراد الفيلية التأثير بأنفسهم على قضاياهم وحقوقهم ومعرفة درجة الجدية في التصريحات العلنية الايجابية والنوايا الحسنة.
كما ندعو أخواتنا وإخوتنا الأكراد الفيلية وكل حسب مجاله ومكان تواجده إلى ممارسة كل الوسائل الديمقراطية السلمية الأخرى المتاحة لهم من اعتصامات وتظاهرات واستخدام مختلف وسائل الإعلام وتقديم المذكرات لعرض قضايانا على الرأي العام والبرلمانات والمنظمات السياسية ومنظمات حقوق الإنسان والمحافل المحلية والدولية، وكذلك إخراج قضيتنا ومظلوميتنا التاريخية من النطاق الكردي والعراقي ورفعها إلى المستوى الدولي والعالمي بكل الوسائل السلمية المتاحة.
الاتحاد الديمقراطي الكوردي الفيلي
13/5/2008
info@faylee.org
www.faylee.org