يسر صفحة دراسات كوردية ان تقوم بنشر كتاب الدكتور بدرخان السندي
( المجتمع الكردي في المنظور الاستشراقي) وذلك عبر حلقات متسلسلة.
اما خالفين، وبِعَدِه كاتباً سياسياً فانه يتناول موضوع رئيس العشيرة الكردية من حيث علاقته بالجهات الخارجية ويقصد ايران وتركيا تحديداً، وبلا شك فان ما يذهب اليه خالفين لا ينسحب على كل رؤساء العشائر ولكن على ما يبدو انه قد لاحظ بل درس تأثير الاوساط السائدة في ايران وتركيا وتحريضها من خلال التواطؤ مع سادة الاكراد والاقطاعيين ورؤساء القبائل لدفع الاكراد على اعمال السلب والغزو من اجل الاثراء السريع ثم سوق الاكراد الى المحاكم بعد ان تتقاسم الاموال مع المنتفعين، وخالفين يرى ان الحالة هذه اصبحت (مهنة).
ان هذه (الاوساط السائدة) التي يذكرها خالفين يقصد بها على ما يبدو الجهات المتنفذة في تركيا وايران او الجهات التي تستطيع ان تتفاعل مع الجهات الرسمية لتمرير مآربها ومصالحها (23).
وتشير معظم المصادر المعنية الى موقع رئيس العشيرة، فرئاسة القبيلة رئاسة وراثية حيث يقوم كبار رجال العشيرة باختبار الخلف وغالباً يكون الخلف من نفس عائلة الفقيد، وعلى الاكثر نجله الاكبر، وهذا ليس في كردستان حسب بل هو تقليد من تقاليد النظم القبلية، أي اننا نرى ان هذا هو الاسلوب السائد في اختيار رئيس العشيرة في بلاد الشرق لا بل النظم الملكية عبر التاريخ وحالياً ما هو الا امتداد لمثل هذا الاسلوب.
ان التطاحن والتنافس على الزعامة في القبيلة مسألة معروفة في القبائل فقد تؤدي وفاة رئيس القبيلة الى حدوث ازمة لسبب او آخر وقد تسفر الازمة عن قتلى او جرحى ولكن لدينا امثلة كثيرة ايضاً في المجتمع القبلي الكردي لا يؤدي فيها التنافس على الزعامة الى سفك دماء او ازهاق ارواح.
لقد لاحظ ادموندز حالة يراها جديرة بالانتباه عند عشيرة الميراوده لى، فبالرغم من التنافس الشديد على الزعامة لم يؤد هذا التنافس الى سفك الاخ دم اخيه وهو يصفهم بامتلاكهم روحاً رياضية سائدة، فمن وجد نفسه خاسراً في المكيدة او مغلوباً في أي موضع خلاف استسلم للقدر حالاً، ثم بدأ لعبة جديدة ليبني عليها املاً جديداً (200).والحقيقة ان هذه الميزة التي استرعت انتباه ادموندز هي ليست بالامر الجديد، فلدينا امثلة سابقة باكثر من مئة عام على ملاحظة ادموندز أي في مذكرات ريج عام 1820 لدى زيارته لامارة بابان فقد وجد ان عثمان بك شقيق محمود باشا امير بابان بامكانه ان يستولي على الحكم وينتزعه من شقيقه، لقد رفض عثمان بك كل الاغراءات وكل التسهيلات المقدمة اليه من قبل الدولة العثمانية عبر باشا بغداد للاطاحة باخيه وتسلم الحكم، في حين كان عم الامير متورطاً باكثر من مؤامرة للاطاحة بابن اخيه وتسلم الحكم وحتى احد اشقاء الامير تورط مرة في التآمر مع باشا بغداد للاطاحة باخيه ولكن ما ان تحسنت العلاقات بين باشا السليمانية وباشا بغداد حتى اعاد باشا بغداد الشقيق المتآمر الى اخيه يجر اذيال الخيبة والخجل مثلما كان قد عاد عم الامير لكن امير بابان كان ارفع من ان ينتقم من عمه او من اخيه.
وحسب تحليلنا يمكن ان تعزى اسباب المنافسة على الزعامة في القبيلة في كردستان الى العوامل الآتية:
الزعامة القبلية تعني الثراء والامتلاك الاوسع لوسائل الانتاج في اقتصاديات القبيلة.
المنافع المعنوية ومنها اشباع الحاجة الى السيطرة والتي تتفاعل مع الفقرة الاولى في انجاب الشخصية الارستقراطية (الوجاهة).
تظهر بعض الشخصيات التي تتزعم القبيلة بالوراثة ولكنها لا تثبت جدارة في المقاييس القبلية او في دبلوماسياتها مع القبائل الاخرى او في مناوراتها مع الدولة فتسبب الويلات للقبيلة وبذلك ينشأ المنافس او المنافسون الذين يجدون في انفسهم بدائل افضل معززة بتأييد نسبي ان لم يكن مطلقاً احياناً.
المنافسة الوراثية غير المحسومة في بعض القبائل بين ابن زعيم القبيلة المتوفي وشقيق زعيم القبيلة، لا سيما في حالات الفارق العمري بين الابن والشقيق.
ابناء رئيس القبيلة وطبيعة او نوع المصاهرة بينه وبين القبائل الاخرى، فقد يكون لرئيس القبيلة المتوفي ابناء من اكثر من زوجة واحياناً من خارج قبيلته.
حب التزعم يعد من الدوافع الاصيلة (غريزياً) في علم النفس ويمكن ان نلحظه في المجتمع الحيواني ايضاً، فلا بد من منافسة ولا بد من زعيم في كثير من الفصائل الحيوانية وهناك قاعدة بايونفسية، ان ما نجده من سلوك لدى الانسان يمارسه الحيوان، يعد دافع ذلك السلوك دافعاً اصيلاً ضمن تصنيف الدوافع او محركات السلوك، وعلى كل يبقى المنافسون يحاولون، وعلى طريقة (الامارة ولو على الحجارة).
ويحدثنا برانت عن سلطة (البك) وهو لقب تركي كان يطلق على بعض رؤساء العشائر وقسم من هؤلاء البيكات كانوا يمنحون الباشوية بامر سلطاني*.
ان برانت شاهد اشكالاً من الخلافات والتحالفات بين هؤلاء (البكات) كما يحدثنا عن معارك تجري بين رجال هؤلاء البيكات تحدث فيها عمليات سلب ونهب واراقة دماء.
ومن وجهة نظرنا هي مسألة صراعات على بسط النفوذ الاوسع من جهة وتأليب تركي بين العشائر للحفاظ على نفوذ الحكومة من جهة اخرى فان التعايش الامن بين القبائل الكردية لا بد ان يكون سبيلاً للالتفات الى الجانب القومي والخروج من دائرة القبيلة الضيقة الى دائرة اوسع بكثير، وهي مفهوم الامة قومياً وما يربط بين الامة الواحدة من وشائج. هذا الشعور الذي هو الكفيل لتشخيص العدو الحقيقي ثم التصدي الحقيقي له، ان التنافر القبلي كان ولم يزل يعمل في صالح الدول المقتسمة لكردستان.
لقد افاض باسيل نيكيتين الحديث عن رئيس القبيلة وموقعه بشكل اكثر مما سبق ان عرضناه، ان باسيل نيكتين يضعنا امام صفات الزعيم في القبيلة ومهامه بشكل يتسم بالتفصيل ويزيد على ما ذكره الآخرون في وراثة زعامة او رئاسة القبيلة، طريقة الانتخاب، وطريقة فرض النفس بالقوة لكنه يعود ليذكر ان الوراثة هي الاسلوب الاكثر شيوعاً في تسمية رئيس العشيرة او زعيم القبيلة، لا بل الوراثة لها حكم التقاليد والعادة التي تملي على افراد القبيلة احترام زعمائهم الوارثين (123).
اما عن سلطة الزعيم او صلاحياته القضائية فان باسيل نيكيتين يعترف انه يجهل حقيقة صلاحيات الزعيم القضائية في قبيلته، لكنه يعطينا امثلة عن الاحكام التي كان يأمر بها رئيس القبيلة على الاشخاص المدانين بجرائم (129).
ومن التدقيق في الامثلة التي اوردها نيكيتين وغيره، ومن خلال اطلاع المؤلف وبصفته كردياً، فان السلطة القضائية على ما يبدو غير مستقرة، بعبارة اخرى متغيرة وتؤثر في مداها عوامل ومتغيرات مختلفة منها شخصية رئيس العشيرة فهناك بلا شك تباين بين رؤساء العشائر او زعماء القبائل في نوعيات شخصياتهم وكذلك مدى التفاف الدوائر المباشرة من كبار العشيرة حوله، وهل ان رئيس العشيرة يتمتع بسلطة دينية فضلا عن سلطته الدنيوية، ومدى اقتراب او ابتعاد العشيرة عن سلطة الدولة، هذه العوامل على ما نعتقد كانت ولم تزل مسؤولة عن حالة التباين في سلطات الرؤساء الكرد مما يجعل السلطة القضائية سلطة غير مستقرة لا يمكن ان تحدد بمعالم واضحة وفضلاً عما تقدم فان عدم توفر (قانون مدون) لدى القبيلة يجعل الاحكام متباينة على صعيد القبيلة الواحدة في تكرار نفس الجرم وعلى صعيد القبائل المختلفة، لكننا نعتقد ان اعدل الرؤساء العشائريين هم الاكثر اعتماداً على كبار القوم في العشيرة، او ما يشبه بمجلس العشيرة فهؤلاء يمثلون (المحكمين) الذين يعتمدهم القاضي في البت واعطاء القرار في المحاكم المتقدمة.
ان ما تقدم من توضيح يمكن ان نلمسه في وصف نيكيتين لما يسميه بـ (المحكمة العليا) في القبيلة الكردية.
التآخي