صفـات الكـرد
هذا الفصل معني بانطباعات المستشرقين والرحالة حول ابرز الصفات والسجايا في المجتمع الكردي التي جلبت انتباههم وسجلت في مذكراتهم، كما سيجد القارئ فان هذه الصفات لم يلحظها مستشرق واحد او رحالة دون غيره، فهي أي هذه الانطباعات شهادة سوسيولوجية لرجال امعنوا النظر في الخصائص الكردية من خارج المجتمع الكردي.
ورب سائل يسأل، الم يجد هؤلاء المستشرقون والرحالة خصائص سيئة في المجتمع الكردي؟ او ألا يعد هذا الفصلُ من الكتاب متحيزاً للكرد؟
السؤال وارد ومشروع من وجهة نظرنا، لكننا لم نغفل ما دونه المستشرقون في مذكراتهم من حالات وقضايا اجتماعية اوردناها في فصولها الخاصة بها من هذا الكتاب.
فنحن على سبيل المثال لا نقول لا يوجد في المجتمع الكردي مجرم او لا توجد جريمة او جرائم ولم ننزه الكرد عن السرقة في حياتهم الاجتماعية فهي موجودة لديهم مثلما هي موجودة في مجتمعات الدنيا كلها ولكننا اشرنا إلى هذا في ثنايا الكتاب فقد اشرنا إلى السرقة وكذلك تطرقنا إلى الاقطاع والابتزاز القبلي والزواج بالخطف وزواج الأطفال.
اننا اذ نسجل الانطباعات الايجابية في هذا الفصل فهي لا تلغي حالات سلبية او مشكلات قائمة هنا وهناك ولكن عندما يكون الحديث عن صفات شعب فان الجانب الايجابي والغالب هو الذي يمثل هوية مثل هذا الفصل من الكتاب دون ان نتخلى عن أي جانب سلبي مشخص لكن في موضوعه المناسب من فصول الكتاب.
وللحقيقة والتاريخ نقول ان المؤلف حاول ان يستقرئ ما امكن في العراق من كتب ومصادر متاحة حول هذا الموضوع واستطاع ان يستنتج حقيقة واقعة، هي ان الخط البياني لانطباعات المستشرقين والرحالة عن الكرد خط في صالح الكرد، فالاعجاب بالكرد مسألة تكاد تكون ملازمة للمستشرقين والرحالة ومن هنا نود ان نؤكد اننا في هذا الفصل سجلنا تلك الانطباعات التي تكاد تكون (اجماعاً) ونجد في هذا فرصة لتعريف القراء على خصائص مجتمع اجتمعت عليه صلابة الزمن مع صلابة المكان فعركه التاريخ.
لعل من ابرز صفات هذا الشعب التي له فيها مفخرة واعتزاز انه لم يغزُ شعباً ولم يرغب بذلك ولا تعوزه إلى ذلك قوة او بسالة ولكنه ما رغب يوماً الا ان يكون مدافعاً عن ماله وعرضه.. والمستقبل الذي سيُضحى تاريخاً من بعد، ربما سيُنصَفُ هذا المجتمع النبيلُ..
الثقة والصدق
الكردي يثق بالاخرين ويتوسم فيهم الصدق لانه صادق، مع نفسه، ومن هنا يأتي اجماع كل من عايش الكرد، على الثقة بالانسان الكردي فهو مؤتمن.
يقول باسيل نيكيتين (1915-1918) عن احد الرحالة الفرنسيين ممن زار كردستان وهو بايندر عام 1887، على الرغم من بداوة الاكراد، فانهم يتمتعون بمشاعر الكرامة، ويتقيدون كلياً بعهودهم، فاذا ما وعدك احدهم بانه سيوصلك سالماً إلى مكان ما فاطمئن اليه دون تردد، ولكن اذا ما صادفك في الغد فانه لا يتردد اطلاقاً من معاملتك معاملة قاسية اذا لزم الامر (65).
نعتقد ان هذا التقويم موضوعي للشخصية الكردية التي تحترم العهد طالما كان العهد قائماً اما اذا اصبح الطرفان في حل عنه يختلف السلوك اذا لزم الامر ونلاحظ امثلة عدة يسوقها الرحالة للتأكيد على موضوع الثقة عند الكردي.
يقول باسيل نيكيتين لقد حدث ان وقع احد بكوات الاكراد اسيراً اثناء حملة حافظ باشا عام 1837 فأخذ اعداؤه يعرضون عليه العروض المغرية ليكشف لهم عدد ومواقع الثوار الاكراد فكان يجيب عن هذه المغريات بقوله ان الزعيم الكردي لا يقبل اطلاقاً ان يصبح زعيماً لقوم آخرين. ولن تنفع معه اساليب التنكيل والترغيب جميعها لمدة يومين فما كان من الباشا الحقود الا ان رماه في قدر من الزيت المغلي فلبث محافظاً على رباطة جأشه حتى مات هذه الميتة (68).
ان سون (في العقد الاول من القرن العشرين) يعطينا مثالاً آخر على ثقة الكردي بنفسه وبزوجته وبالغريب وثقته بسلامة النية، وقد ذكرنا ذلك في فصل الضيافة الكردية.
اما هاملتون (1928) فعلى الرغم من وجود ما يبرر خلق الشكوك لديه في ان ينتقم الكرد من الحكومة بشخصه فقد قصفت الطائرات البريطانية السليمانية وكذلك قرية علي اغا القريبة من موضع هاملتون ولكنه يقول لا يسعني الا ان اتأمل مستغرباً شعوري بالاطمئنان التام في رقدتي هذه وانا وحيد دون حارس لا ينتابني ايما احساس بخطر (130). ويضيف هاملتون في موضع آخر من مذكراته ان الكرد الذين يصفهم بانهم اشتهروا بعدم نسيان الاساءة دعوه لمشاركتهم عشاءهم واعطوه مفتاح الديوانخانه (المضيف) ليغلق الباب على نفسه أي ليطمئن اكثر… يضيف هاملتون ان من أشكال الثقة التي يمنحها المضيف إلى ضيفه هو ان الشيخ تأكد من ان بنادقهم إلى جانبهم قبل النوم وهم في ضيافته تأكيداً على حسن النية (196).
ومن باب منح الثقة من خلال خبرته ينصح الرائد المهندس الانكليزي في كركوك بيري، هاملتون زائر كردستان بالصدق اذ يقول، لا تقطع عهداً للكرد دون ان تنفذه واياك ان تلجأ إلى خداع الكرد وسترى انهم سيصدقونك ولن يخدعوك (46).
التأخي