الرئيسية » مقالات » عالم اليوم والغرائز

عالم اليوم والغرائز

أن المجتمع الذي يحكم ُ فيه الحق والفضيلة والأخلاق والإنسانية والعدل والأنصاف ، ويتمسك أفراده بمكارم الأخلاق والقيم الإنسانية، فإن الحياة في هذا المجتمع تستمر في ظل الأطمئنان والهدوء النفسي ، وتشعر جميع الطبقات بالأمن ، ويرون أنفسهم في حماية من عدوان الأخرين ، في مثل هذا المحيط يتمتع جميع أفراد المجتمع بمزايا الحياة الإنسانية والتعاون الأجتماعي ،فضلا ً عن الاحترام الذي يحظون به في نفسهم ومالهم وعرضهم وكرامتهم وغيرها من الحقوق والحدود الأجتماعية .
لسوء الحظ فان أهتمام الناس في عالم اليوم موجهُ لاشباع الغرائز وتلبية الرغبات الحيوانية ، وتجاهل الجانب الإنساني والرغبات السامية للضمير ، واليوم وأينما اتجهنا نرى الحديث دوما ً عن الشهوة واللذة ، والقدرة والثروة والمنصب والشهرة وغيرها من الأمور المآدية ، بينما يقل الاهتمام بالحق والفضيلة والتقوى والطهارة والعدل والانصاف وغيرها من السجايا الإنسانية .
ان أغلب الناس يفكرون في اشباع غرائزهم بأية وسيلة كانت ، مشروعة أو غير مشروعة ، وارضاء الرغبات الحيوانية ، ويريدون أن يأكلوا اللذيذ ، ويلبسون الفاخر ، ويروا شهواتهم على الوجه الاكمل ويلتذوا منها بالقدر الأكبر كما يريدون الوصول الى مناصب عليا ، والسكن في منازل ممتازة ، وركوب أفخر السيارات ، والتنعم بلذائذ الحياة الى أقصى مدى، ولكنهم لايريدون تولية أهمية للجوانب المعنوية ولاتلبية ميولهم الإنسانية ، وللأسباب المذكورة فأنهم لايهتمون بالألهامات الإلهية، ولا يسمعون نداء الوجدان الأخلاقي وحتى لو فرضنا أنهم سمعوا ولكن اذا زاحم هذا النداء غرائزهم وشهواتهم فإنهم يتجاهلون ويواصلون النهج اللامطلوب ، وهذا الأمر يسوق المجتمعات البشرية نحو طريق الفساد والأنحراف ، ويغرق جميع الشعوب في أنواع الخطايا والجرائم التي تتضاعف يوما ً بعد آخر .
وما اكثر الذين وقعوا ضحية لعبودية الأهواء النفسية وأسير للغرائز والشهوات حيث كل فرد يفكر في رغباتهِ ولايعير اهتماما ً لمطالب الأخرين والحياة في مثل هذا النوع مليئة بالصراع والنزاع .وإما في الدول الكبرى لايختلف الحال ، حيث تستغل الدول القوية قدرتها لأستعمارالدول الصغيرة ونهب الشعوب الضعيفة ، ولكي تصل الى أهدافها الأقتصادية والسياسية تقوم بالاعمال غير الإنسانية. فالجرائم الوحشية التي وقعت خلال الحرب العالمية الاولى والثانية توضح هذه الحقيقة المرة وتبين الى أي مدى وصل إنسان القرن الحالي من الوحشية والأنحطاط الأخلاقي .
عالم اليوم يتحدث كثيرا ً عن العدل والحرية والحق والانصاف ، الا أن التطبيق غير هذا ، فما يحكمه هو فرض القدرة ، وسفك الدماء ، واشعال الحروب ، لهذا فان سباق التسلح حل محل القيم الأخلاقية والإنسانية، وبآتت أدوات القتل والجريمة تتطور يوما ً بعد آخر حتى وضعت البشرية على شفا أخطار كبرى محدقة بها.
ان تقدم العلوم واتساع نطاق الصناعات الميكانيكية والمظاهر الخداعة للحياة الصناعية ، كل ذلك ليس معيارا ً للحياة الإنسانية ، فلو أراد الإنسان أن يكون (إنسانا ً) ويعيش (الحياة الإنسانية) وينعم بالسلام والصفاء والتعاون ، عليه أن يحرر نفسه من أسر هوى النفس ، وعبودية الشهوات والخصال الحيوانية ، ويصبح باحثا ً عن الحق والفضيلة ، ويميل الى العدل والأنصاف ويتخلق بمكارم الأخلاق والسجايا الإنسانية .
لقد نفذ النبي الاكرم (ص) قبل أربع عشر قرنا ً برنامج السعادة هذا بين الناس المتخلفين في العصر الجاهلي ، فأحدث أكبر إنقلاب روحي وخلق تحولا ً اجتماعيا ً بينهم ، وأنقذهم من حضيض الأنحطاط والذلة وارتفع بهم الى ذروة العظمة والرقي .
لقد غير الرسول الاكرم (ص) في ظل التعاليم الإلهية الأوضاع الظاهرية والمعنوية لاؤلئك الناس . واستطاع بقوة الايمان أن يحررهم من عبودية هوى النفس ويسير بهم نحو عبادة الله الواحد ، كما تمكن بتعليمهم الأخلاق الحميدة والصفات الحسنة أن يسير بهم نحو سبيل الإنسانية ، ويزيل منهم الصفات الحيوانية التي كانت السبب في تعاستهم . بدل بشكل تدريجي الظلم والأستبداد ، والصراعات القبلية ، والقتل والنهب الذي كان سائدا ً في أنحاء الجزيرة العربية حياة يملأها العدل والأنصاف والتعاون والمواسآة والمحبة وفي النهاية نعم الناس بفيض الأخوة والمساوآة ، وحظوا بحياة إنسانية .
مع كل ما حققه العالم المتحضر من تقدم علمي وفني ، فهولا يزال أسير بعض العقائد الخرافية وأخلاق عصر الجاهلية الفاسدة ، ولم يستطع بعد مضي قرون على ظهور الأسلام أن يفهم هذه الحقيقة ويتوجه نحو القيم الإنسانية ويحرر نفسه من أسر الجهل والصفات المضادة للضمير الحر.


امريكا. ميشغن
Nathum2005@yahoo.com