الرئيسية » مقالات » نايف حواتمه‌: نطالب بحق تقرير المصير للشعب الكوردي

نايف حواتمه‌: نطالب بحق تقرير المصير للشعب الكوردي

حاوره: نزار جاف
نايف حواتمه‌، الامين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، واحد من القادة الفلسطينيين البارزين و المعروفين بمواقفهم الايجابية من القضايا المشروعة للشعوب المستعبدة في الشرق الاوسط بشکل خاص و العالم بشکل عام.
هذا الرجل المکافح الذي قضى عمرا مديدا في النضال من أجل إستحصال حقوق شعبه، من الوجوه الفلسطينية المعروفة بالاعتدال في مواقفها، لکي نلقي المزيد من الاضواء على مواقفه و آراءه بصدد المواضيع المتباينة أجرينا معه هذا الحوار.


س1: مع كل الانحياز الحاصل في الموقف الأمريكي لصالح إسرائيل، فإن غالبية دول مبادرة السلام العربية ما تزال تراهن على أن المفتاح الرئيسي لحل القضية الفلسطينية في اليد الأمريكية … كيف تنظر للتأثير الأمريكي من هذه الناحية ؟ الوضع الفلسطيني بشكل عام لا يبشر بخير، سيما تصاعد حدة الصراعات بين قوى سياسية رئيسية فيها، بهكذا وضع وفي ظل موقف عربي هزيل وأمريكي منحاز، ما الذي يتمكن من تحقيقه الرئيس محمود عباس للشعب الفلسطيني ؟
القضية الفلسطينية هي نتاج مشاريع وأهداف الكولونيالية والاحتلال العسكري، وأهداف الإمبريالية وإستراتيجيتها في المنطقة الإقليمية، ذاتها المنطقة التي تشهد حروباً منذ عقود مديدة، وتهدد بحروب “استباقية” جديدة، بدلاً من تحويلها إلى منطقة أمن جماعي يؤكد بها على حقوق الإنسان والتعددية الثقافية، والديمقراطية التعددية والحريات الأساسية والحقوق المدنية. ولهذه الأسباب تعارض الولايات المتحدة العودة بالقضية الفلسطينية إلى مرجعية قرارات المجتمع الدولي، الأمم المتحدة والشرعية الدولية والقانون الدولي، لتحقيق السلام المتوازن. وأعلن بوش في “إسرائيل” أن الأمم المتحدة عجزت عن حل القضية الفلسطينية، والتجاهل عمداً عن دور الولايات المتحدة في تعطيل كل القرارات الدولية بشأن الصراع الفلسطيني والعربي الإسرائيلي، ودوره طيلة سبع سنوات في الانحياز الأعمى لحكومات شارون ـ أولمرت، ومساندتها في حروبها على الشعبين الفلسطيني واللبناني.
بذات السياق يمكن تفحص زيارة بوش، التي تواكبت مع “نصيحة” البيت الأبيض بـ “عدم توقع اختراقات”، على الرغم من ترديد بوش في كلمته بأن ثمة “فرصة تاريخية للتوصل إلى سلام هذا العام وقبل انتهاء الولاية”، مشدداً على أن “يتفهموا أن الولايات المتحدة لا يمكنها أن تفرض إملاءاتها، إلا أننا سنساعد ونحن راغبون في المساعدة”، فرض الإملاءات يقصد بها عدم مواجهة اللاءات الصهيونية في منظورها للتسوية، قوى اليمين الصهيوني العنصري والمتطرف في الائتلاف الحاكم، ممثلاً في حزب “إسرائيل بيتنا” العلماني العنصري، وحزب “شاس” المتدين والمتطرف، اللذان يفرضان أجندتهما على الائتلاف الحكومي الإسرائيلي في جهود الاستيطان والسيطرة على الأرض الفلسطينية. والآن حزب ليبرمان يستقيل من حكومة أولمرت مجرد أن بدأت المفاوضات على قضايا الصراع الأساسية.
بين اليمين ويمين قوى الوسط (كاديما وحزب العمل)، فإن رئيس الحكومة أولمرت يؤكد أنه لن يفرط في إيديولوجية التوسع الصهيونية، ويؤكد ذلك دخوله في السباق الدموي الاستيطاني مع “ليكود” باتهامه زعيم هذا الحزب المتطرف نتنياهو بأنه قد “خضع لإرادة الولايات المتحدة، وفرط في التراث التوسعي (المسمى زوراً في أدبيات اليمين الصهيوني) أرض إسرائيل التوراتية”.
اللاءات الصهيونية فرضت نفسها على خطاب بوش، الذي لم يعلن التزام الولايات المتحدة بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لتأسيس دولة فلسطينية ذات سيادة على أراضي عام 1967 المحتلة، ومدينة القدس الشرقية عاصمة لها، وعودة اللاجئين وفق القرار الأممي 194، بل طالب بتعديلات على خط الهدنة، وتأكيده “دولة إسرائيل اليهودية” بالمعنى الإثني الإيديولوجي العنصري ومخاطره على حق العودة، وعلى عرب 1948.
إن الزيارة بما تمخضت عنها تستلزم فلسطينياً أولاً وقف المفاوضات حتى يتوقف الاستيطان بالكامل، وتشكيل مرجعية وطنية عليا للإشراف على كل العمليات السياسية والتفاوضية، بديلاً عن احتكار فريق أوسلو للقرار السياسي والمفاوضات العبثية المدمرة، لأن “إسرائيل” ترفض الدخول في برنامج واضح محدد المرجعيات والصفات للحل النهائي، والالتزام بسقف زمني للوصول إلى تسوية شاملة عام 2008، والأولوية إعادة بناء الوحدة الوطنية الفلسطينية وفق إعلان القاهرة، ووثيقة الوفاق الوطني النهائي.
إن استئناف المفاوضات بلا مرجعية ملزمة تستند إلى الشرعية الدولية، وبلا ضمانات دولية وآلية ملزمة، وبلا جداول زمنية محددة وملزمة، وحصرها في مفاوضات ثنائية بعيداً عن أي تدخل دولي باستثناء واشنطن المنحازة بالكامل لـ “إسرائيل”، وفي ظل الانقسام الفلسطيني، واستمرار العدوان الصهيوني الدموي والتوسع الاستيطاني واستكمال بناء الجدار العنصري والحصار، يدخل السلطة الفلسطينية في مأزق ومتاهة جديدين. ونظراً لاتفاقي معك حول هزال وتفكك الموقف العربي فإننا نطالب عربياً بالتمسك بالمبادرة العربية للسلام نصاً وروحاً، بموقف عربي موحد، ومرجعية عربية والانتقال لدور فاعل لإقرار السلام المتوازن في المنطقة، وعودة الجولان السوري للوطن الأم، ومزارع شبعا اللبنانية، بما يتطلب من توجه دولي لإقامة مؤتمر دولي تحت رعاية الأمم المتحدة، استناداً إلى قرارات الشرعية الدولية.

إن الوصول إلى هذا الحل يتطلب تفكيك المستوطنات الصهيونية في الضفة الفلسطينية، وهدم الجدار العنصري غير القانوني وفق القرارات الدولية (محكمة العدل الدولية)، وإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين، وشجب خرق حقوق الإنسان المنهجي اليومي في فلسطين، ممثلاً بالعقاب الجماعي، وحصار قطاع غزة، وإزالة حواجز تقطيع الأوصال والتفتيش، ومجازر القتل اليومية التي لا تنتهي أمام بصر كل العالم.
وعلى ذات السياق نحذّر عربياً من الأوهام التي يروج لها عديد من الأنظمة العربية، في التعويل على موقف الولايات المتحدة، بدون ممارسة الضغوط المطلوبة والموقف السياسي المطلوب، ولذلك أيضاً نتوجه إلى حملة القيم الإنسانية والرأي العام الدولي لممارسة الضغوط على “إسرائيل”، وفضح إجراءاتها العنصرية، وإلى الاتحاد الأوروبي للقيام بدور مستقل وفعال في حل الصراع في الشرق الأوسط، يبدأ بتحرير سياسته في هذه المنطقة من هيمنة الولايات المتحدة، والخروج من نقده الصامت للأوضاع القائمة إلى النقد العلني العملي، في صياغته للتضامن مع الشعب الفلسطيني ونضاله العادل، والانتقال لدور فاعل لإقرار السلام المتوازن في المنطقة نحو المؤتمر الدولي الذي سبق لروسيا أن طالبت به، فالأولوية هي للتضامن مع الشعب الفلسطيني ضحية السيطرة الكولونيالية والاحتلال العسكري، بالتعبئة المؤسساتية للرأي العام، لوقف أية حروب جديدة في المنطقة (تهديد بوش لإيران)، وحصر الملف النووي الإيراني بالمؤسسة الدولية للطاقة الذرية، على قاعدة اتفاقية الحد من الأسلحة النووية، والاتفاقات والقوانين الدولية المعمول بها، وبالخروج من ازدواج المعايير والكيل بمكيالين بما يشمل “إسرائيل”.
الآن ليس أمام رئيس السلطة محمود عباس إلاّ أولاً: إعادة بناء الوحدة الوطنية بانتخابات جديدة على أساس التمثيل النسبي الكامل لمؤسسات السلطة ومنظمة التحرير الجامع الموحد للشعب الفلسطيني في فلسطين المحتلة والشتات، وثانياً: تشكيل مرجعية وطنية عليا موحّدة للمفاوضات من كل القوى التي تدعو لحل سياسي شامل متوازن.
س2: كيف تنظرون للصراع الدائر بين حركة فتح وحماس، وما هي رؤيتكم لمعالجة هذا الموضوع بشكل جذري ؟
الوضع الفلسطيني الانقسامي القائم راهناً، هو الحالة المفضلة “لإسرائيل”، التي تعمل على تكريس هذا الانقسام الداخلي وتحويله إلى أزمة مديدة للقضية الوطنية الفلسطينية، وفرصة لمزيد من التوسع الاستيطاني في الضفة، وقبل وقوع الانقسام، ومنذ الصراع الدموي بين فتح وحماس بادرنا بإخلاص وجديّة من أجل إعادة توحيد سريع للصف الفلسطيني، ومن أجل بناء إستراتيجية عمل وطني تكفل مواجهة الإستراتيجية الإسرائيلية.
نحن نناضل من أجل ذلك، فلقد تقدمت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين بالمبادرة الشهيرة في 4 تموز/ يوليو 2007، أي بعد الحرب الأهلية التي وقعت بجولاتها السبعة في قطاع غزة، واستيلاء حماس على قطاع غزة بالقوة المسلحة، ثم مبادرة مشتركة من الجبهة الديمقراطية والجبهة الشعبية، وبناءً وبعد اجتماع رباعي مع حماس شمل الديمقراطية، الشعبية، الجهاد الإسلامي، وحماس برئاسة محمود الزهار، وطلب الزهار أن تبلور أفكارنا الديمقراطية والشعبية بمبادرة لإعادة بناء الحوار بين حماس وفتح، وقدمت فعلاً في 27 تشرين أول/ أكتوبر 2007، ثم التعاون الثلاثي (الديمقراطية، الشعبية، الجهاد الإسلامي) قدمت لكل من فتح وحماس، ولكن يحزنني أن أقول إن فتح وحماس ليستا ناضجتين وجاهزتين لاستئناف الحوار الوطني الشامل، ولكل منهما شروطه. حماس تشترط أن تعترف فتح وكل القوى الفلسطينية بالأمر الواقع الذي تشكل بانقلاب القوة لحماس في غزة، وتفكيكها للأجهزة والمؤسسات السياسية والأمنية والقضائية، وتسمي هذا “أمر واقع”، كذلك تدعو لحوار مع فتح دون شروط أي بشروط حماس شروط الأمر الواقع، هذا لا يمكن أن يكون، كما أن فتح كذلك تقول أنها لن تعود للحوار مع حماس، إن لم تعد الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل 14 حزيران/ يونيو 2007.
نحن ندعو للتالي في هذه المبادرات: أن تعود حماس عن انقلابها العسكري وتسلم المقرات الأمنية والسياسية للسلطة الفلسطينية لعباس أو من ينوب عنه، وتعود فتح والسلطة عن قرارها لا حوار مع حماس، ونلتقي على طاولة الحوار الوطني الفلسطيني الشامل لنطبق وثيقة الوفاق الوطني وإعلان القاهرة وفي المقدمة تشكيل حكومة انتقالية برئيس وزراء مستقل وشخصيات مستقلة، نتوافق عليها جميعاً عملاً بوثيقة الوفاق الوطني، كمرحلة انتقالية تشرف أيضاً على تسيير الأعمال بدلاً عن الحكومتين؛ حكومة فياض والحكومة المقالة حكومة إسماعيل هنية، حكومة تشرف أيضاً على الإعداد لانتخابات تشريعية ورئاسية جديدة بموجب قوانين التمثيل النسبي الكامل التي نصت عليها وثيقة الوفاق الوطني.
س3: على مشارف أربعة عقود من النضال والدور المبادر والمميز في العديد من المحطات التاريخية والمفصلية، أين أصبحت الجبهة الديمقراطية ؟ بل أين هو دور القوى اليسارية والديمقراطية بشكل عام ؟
الجبهة الديمقراطية انطلقت برنامجاً وممارسة في إطار العملية التاريخية لإعادة بناء الكيانية الوطنية المستقلة والحقوق بتقرير المصير والاستقلال وعودة الشعب اللاجئ وعلى قاعدة مصلحة الشعب الفلسطيني بأسره، والذي يستوعب المساحة المشتركة للحركة الفلسطينية السياسية والمجتمعية بمكوناتها المرحلية والإستراتيجية، وأطلقت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين التيار اليساري الثوري الجامع في حركته اليومية بين سلاح الفكر وفكر السلاح، ذلك حصل برؤية وطنية شاملة، تنطلق من المصلحة الوطنية الفلسطينية أولاً وقبل أي شيء آخر. والرؤية اليسارية انحكمت إلى ثلاثة اعتبارات: الأول هو المنهج التحليلي والرؤية لمعادلات الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي التوسعي والصهيوني الاستيطاني، بتشابكاتها الإقليمية ومنحاها العملي.
والاعتبار الثاني انحكمت الرؤية إلى إطار اجتماعي يربط ما بين المصالح الوطنية والاجتماعية للفئات الاجتماعية المحركة للثورة، “الطبقة العاملة، الفئات الكادحة في المدينة والريف ومخيمات اللاجئين، الطبقة الوسطى”، أي باختصار الكادحين بسواعدهم وأدمغتهم، الذين يتحملون الثقل الرئيسي في المقاومة والصمود على طريق تقرير المصير والدولة والعودة.
والاعتبار الثالث هو وضع الحركة الوطنية الفلسطينية، باعتبارها حركة تحرر وطني في مقاومة الاحتلال وانتزاع الحرية والاستقلال، وفي مسار الحركة الوطنية والقومية والانسانية الجبارة، التي تصب بها حركات التحرر الوطني، والتقدم الاجتماعي، وقوى السلام، والقوى التواقة إلى غدٍ أفضل للبشرية.
من هنا مثلت الجبهة الديمقراطية منذ انطلاقتها؛ بالبرنامج والممارسة، تلك الصيغة المتقدمة، التي استطاعت أن تقطر وتربط البعد الوطني بالبعد الاجتماعي، في سياق الأولويات التي تمليها الاعتبارات الخاصة للقضية الوطنية الفلسطينية.
وإذا أردنا أن نلخص مساهمات الجبهة الديمقراطية البرنامجية والنضالية، في المسيرة الكفاحية للشعب الفلسطيني، فبإمكاننا أن نعيدها إلى عنوانين رئيسيين: “البرنامج السياسي المرحلي” “الوحدة الوطنية الائتلافية الديمقراطية بين مكونات الشعب والمقاومة ومنظمة التحرير والاتحادات والنقابات”، والدفاع عن الشعب والثورة ضد القوى المضادة داخل اكثر من ساحة عربية حول فلسطين المحتلة.
الاستقطاب الثنائي “كما هو واقع بين حركتيّ فتح وحماس” ليس حالة فلسطينية عامة، فالشتات الفلسطيني يقع خارجه، وهو بادٍ في الضفة وغزة لاعتبارات متعلقة بسلسلة من التطورات الاجتماعية التي وقعت في فترة الاحتلال، التي حولت الاقتصاد الفلسطيني إلى اقتصاد مستتبع لاستعمار استيطاني، فأتت اتفاقيات أوسلو لتكرس السمة الريعية والزبائنية للاقتصاد الفلسطيني، فبات أكثر من ثلث القوى العاملة الفلسطينية مرتبطة بقطاع السلطة (الوظائف الإدارية والأمنية التي تستهلك 80% من الموازنة السنوية) والمؤسسات الأهلية، في الوقت الذي جرى فيه تدمير الصناعة الوطنية وقطاعات الإنتاج الصغير، والقطاع الزراعي، وأغلقت أبواب العمل ما وراء الخط الأخضر، وهذا تحول سياسي بالغ الأهمية، ترتبت عليه نتائج اجتماعية، جعلت من القوى السياسية ذات الصلة بمراكز التمويل التي تضخم الحالة الريعية السائدة، تسند نفوذها السياسي وتوسعه من هذه البوابات. ما قاد إلى افتقاد برامج القوى السياسية (التي هي الميثاق ما بين الأحزاب والفصائل والجمهور بشكل عام)، لوظائفها في التحشيد السياسي، ومساءلة القوى على مدى التزامها ببرامجها ومحاسبتها على هذا الأساس، هذا التطور الاجتماعي الهابط بموجبات الاقتصاد الريعي، أضعف القوى المناضلة على أساس ميثاق برنامجي بينها وبين أوسع القطاعات الشعبية، وقوى بالمقابل القوى التي تستخدم برنامج التمويل والمؤسسات الخدماتية ومال المنافع اليومية ومال “البقشيش” السياسي المتعدد القنوات الإقليمية، من أجل إحكام سيطرتها على تلك الأقنية، التي تسمح لها بنفخ وتضخيم هيمنتها ونفوذها، وفي هذا السياق تندرج الحالة (المال، السلطة، السلاح) التي شهدناها مؤخراً، حيث كانت جرعة الصراع على السلطة هي الأكبر في الاقتتال الداخلي، من الجرعة السياسية والكفاحية البرنامجية، والذي أوصل إلى الاقتتال الدموي وانتهى بانقلاب حماس في قطاع غزة، لقد وجد احتكار المال والسلطة نتيجته الطبيعية والمنطقية في التناحر على السلطة، والنزوع للسيطرة على اقنية التمويل وقد بلغ ذروته في السنوات الثلاث الأخيرة وفي ظل الصراع بين مؤسسة الرئاسة وحكومة حماس.
يتركز جهدنا الجاد المبذول من أجل استعادة م. ت. ف الائتلافية بانتخابات مجلس وطني جديد داخل الأرض المحتلة وفي أقطار الشتات وبالتمثيل النسبي الكامل عملاً بإعلان القاهرة ووثيقة الوفاق الوطني، سيعود الوضع الفلسطيني إلى حالته المتوازنة، وتضطلع القوى اليسارية والديمقراطية بدورها في هذا السياق، فسياسة م. ت. ف. انحكمت منذ العام 1968 وحتى الفترة الأخيرة بالتعددية، ودون أن تختزل قطبية ثنائية التعددية المعبر عنها. وثنائية صراع فتح ـ حماس على السلطة والمال والنفوذ نتاج تدهور الأنظمة العربية نحو اليمين أكثر وأكثر، وسعيها الذي لا يتوقف لصياغة الحالة الفلسطينية بين يمين وطني شعبوي (فتح) ويمين أصولي سلفي ديني مذهبي (حماس)، وضخ مئات ملايين الدولارات في طاحونة هذه الثنائية الاحتكارية.
س4: الفلسطينيون ما زالوا مختلفين بصدد موضوع الاعتراف بدولة “إسرائيل”، ألا تعتقدون أن شعارات من قبيل “محو إسرائيل” أو “رميها في البحر” باتت شعارات لا تعني شيئاً، سيما مع الموقف الدولي المتفهم لنظرية “الأمن الإسرائيلية” … كيف تنظر إلى مسألة الاعتراف بدولة “إسرائيل” ؟
نحن في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين نعمل ونناضل من أجل دولة ديمقراطية موحدة على كامل أراضي فلسطين التاريخية من بحرها إلى نهرها، يعيش فيها الجميع بمساواة الحقوق الإثنية بين الفلسطينيين العرب واليهود الإسرائيليين، وبما أن هذه العملية يجب أن تمر بمراحل كما مرت كل خطط العدو بمراحل يجب علينا أن ننتزع في المرحلة الحالية التي طالت منذ العام 67 حتى الآن حق شعبنا بتقرير المصير، وحقه بدولة فلسطينية مستقلة بحدود 4 حزيران/ يونيو 1967 عاصمتها القدس العربية المحتلة، وحق العودة للاجئين الفلسطينيين عملاً بالقرار الأممي 194، وعليها هذا النضال والصراع الفكري والسياسي الذي دار في السبعينيات، قدمنا البرنامج الوطني المرحلي ودار الصراع بيننا وبين فتـح وفصـائل أخرى لمدة سنة تقريباً إلى أن تم إقرار البرنامج المرحلي بإجمـاع المجلس الوطني الفلسطيني في حزيران/ يونيو 1974 بديلاً عن مصادرة الحقوق الوطنية الفلسطينية بين “إسرائيل” والدول العربية المجاورة، كما وقع من نكبة 1948 حتى حزيران/ يونيو 1974، وقرارات قمة الرباط العربية في تشرين أول/ أكتوبر 1974، التي اعترفت لأول مرة بعد 74 سنة بحق شعبنا بتقرير المصير ودولة فلسطين بحدود 4 حزيران/ يونيو 1967 عاصمتها القدس وحق عودة اللاجئين، وهكذا أنقذنا الثورة الفلسطينية من عنق الموت، من عنق الزجاجة عام 1974، في سبيل البرنامج الوطني المرحلي، برنامج تقرير المصير ودولة فلسطين المستقلة عاصمتها القدس العربية، وحق عودة اللاجئين وفق القرار الأممي 194، لأن في ذلك الوقت كان مدعواً لمؤتمر جنيف بعد حرب أكتوبر 1973 أربعة دول (إسرائيل، الأردن، سوريا، مصر) ومشطوب الشعب الفلسطيني بالكامل، مشطوب الحقوق الوطنية الفلسطينية بالكامل، وكان المطروح تنفيذ القرار 242 وآليته التنفيذية القرار 338 وهذان القراران لا يتطرقان إلى الحقوق الوطنية الفلسطينية. ولا إشارة للشعب الفلسطيني ولا لفلسطين ولا لحق الشعب الفلسطيني بتقرير المصير، يتكلمان فقط عن أراضي عربية محتلة تعود إلى الدول العربية، عندما كانت الدول العربية تديرها الضفة تعود إلى الأردن، وقطاع غزة إلى مصر، وهكذا … فالشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية بالكامل مشطوبة. أنقذنا الثورة الفلسطينية من عنق الزجاجة وفي الوقت ذاته كان مؤتمر جنيف برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي.
فرضنا لأول مرة على خارطة فلسطين وعلى صدر المجتمع الإسرائيلي وعلى جميع الدول العربية وعلى جميع دول العالم الثالث، ثم فرضنا على الأمم المتحدة ضرورة الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني، وهكذا أقر المجلس الوطني الفلسطيني بالإجماع هذا البرنامج في حزيران/ يونيو 1974، ثم أقرت قمة الرباط العربية هذا البرنامج الوطني الفلسطيني بالإجماع، بينما كانت كل الدول العربية بلا استثناء تتجاهل الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية بحق تقرير المصير ودولته المستقلة، حاله حال أي شعب من الشعوب العربية والشعوب المسلمة، وتتجاهل اللاجئين وحقهم في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم.
من هذا المسار الملموس يتضح أننا منذ انطلاقة الجبهة الديمقراطية ضد شعارات الديماغوجيا الشعبوية التي أشرتم لها، ونحن الذين دعونا الإسرائيليين منذ فبراير/ شباط 1969، “تعالوا لنحول السيوف إلى مناجل”، “حان الوقت ليدفن الأبناء آباءهم بدلاً من استمرار دفن الآباء أبناءهم”.
س5: كانت للحركة الكوردية التحررية علاقات متينة مع منظمة التحرير الفلسطينية، هل كانت للجبهة الديمقراطية علاقة مع القوى السياسية التابعة لحركة التحرر الكوردية ؟ وكيف كنتم تنظرون إليها أيام صراعها مع أنظمة الحكم المتعاقبة في العراق، ولا سيما في عهد الرئيس السابق صدام حسين ؟
نحن في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، ومع بداية انطلاقتها، اتخذنا موقفاً يطالب بحق تقرير المصير للشعب الكوردي منطلقين من حقوقه ومن المضمون الطبقي الاجتماعي للحركة الكوردية، ممثلة بالاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكوردي والحزب الشيوعي العراقي، وقدمنا عوناً مادياً وسياسياً لها جميعها، واحتضنا أبناء هذا الشعب، الذي شاركنا لقمة العيش والخنادق، في العديد من الجبهات المحيطة بفلسطين، منذ انطلاقة منظمة التحرير الفلسطينية، قبل عهد صدام حسين وأثناءه وبعده، اذهبوا واسألوا قادة الأحزاب الكردية.
سبق وأن تعرضنا للوضع العربي الرسمي تجاه القضية الفلسطينية راهناً، ونضيف هنا أنه يعيش مفارقة الانحدار والانحطاط الشامل، المعبر عنه بعمق المعضلات الفعلية والعجز عن المواجهة العقلية المنطقية والمادية للتحديات والأخطار التي تطاله سوى بمسلسل تنازلات لا توقف لها. مفارقة عمق الشرخ السياسي الاجتماعي والوطني ـ القومي، والقومي هنا بعيداً عن العصبية الضيقة والمغلقة. هذا كله؛ يرتبط بأزمة بناء الدولة العصرية الحديثة، وأزمة الهوية الوطنية، والتي هي نتاج التوتاليريات الحاكمة التي دمرت المجتمع ونسيجه التعددي الثقافي الجميل. ذاتها التوتاليريات التي وصلت إلى السلطة بشعارات “تحرير فلسطين” و “قضية العرب المركزية” هي التي سحقت بقسوة وبلا رأفة المضمون الاجتماعي ـ السياسي والحقوقي للهويات الوطنية ـ القومية، فسحقت التكامل ومعاصرة المستقبل عبر النظام الديمقراطي وإنتاج الثقافة البديلة المعمقة للوجود التاريخي، في صهير التنوع الثقافي والتعدد الديمقراطي، حيث طال السحق التوتاليتاري الروابط الثقافية العميقة تاريخياً.
أما الهدف من هذا فهو حماية السلطة، ولكن عبر المشاعر التحتية والهويات الجزئية مثل العشائرية والدينية والطائفية والجهوية، بدلاً من عمق الرؤية المنطقية العملية عبر البديل الديمقراطي الحقوقي الذي يتعايش فيه الجميع بتساوٍ، وفي وحدة مكونات المجتمع الثقافية والإثنية القومية التعددية، الذي يتعايش به الجميع، المساواة كنمط حياة ضمن الهوية الوطنية الجامعة ببعدها الحقوقي وعمقها التاريخي، صهير الانتماء الوجداني للكل، الصهير المتنوع في الوعي الثقافي، خارج حيز العشائرية والطائفية والمذهبية الضيقة. هذا المنهج الديمقراطي هو وحده القادر على بناء دولة الجميع والمجتمع المدني. مرة أخرى لقد انطلقنا بموقفنا من القضية الكوردية من معادلة الحقوق الكوردية ومضمون الموقف الطبقي.
يمثل الكورد جماعية عرقية وقومية لا تختلف عن العرب، في تجاور وتعايش أعراق وقوميات فيها على مجرى التاريخ، وهم أحد مكونات الشرق الأوسط في مكنوناته العرقية والثقافية المختلفة، وفي تعداد متفاوت وموزع داخل دول المنطقة المحيطة وصولاً إلى نسب ضئيلة في أرمينيا، وقد أفرد تاريخ المنطقة صفحات مشرقة للأكراد، في الدولة الإسلامية التي قامت على أنقاض الدولة العربية حتى منتصف العهد العباسي الأول. وبعد انهيار الدولة العثمانية وتوقيع معاهدة “سيفر” بين الحلفاء وتركيا عام 1920، التي تمخض عنها أول اعتراف دولي بوجود قضية كوردية.
حقق كورد العراق الأهداف القومية، في أعقاب حرب الخليج الثانية بسببٍ من الفراغ الأمني، بالحصول على استقلال ذاتي واضح المعالم، ثم الدعوة الجارية لإعادة بناء العراق تحت سقف فيدرالية تتمتع بالصلاحيات السياسية والاقتصادية في أعقاب حرب الخليج الثالثة واحتلال الولايات المتحدة للعراق، وجرت ترجمة الحقوق الكوردية السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية في الدستور العراقي الأخير، وظهرت الفيدرالية الكردستانية ضمن الدولة العراقية الراهنة، وهي تعتمد على “البيشمركة” كقوة تقوم بدور الجيش، إلى جانب سن القوانين للإقليم للمحافظة على الهوية الديمغرافية الكوردية في شمال العراق، وإدخال شركات النفط والغاز وضمان تدفق الأموال، ورئيس العراق جلال الطالباني هو زعيم كوردي ورئيس حزب الاتحاد الوطني الكردستاني.
س6: على مرّ سنوات طويلة، كان الشعب الكوردي متعاطفاً مع القضية الفلسطينية، وحتى أنه تبرع من أجلها في أحلك الفترات التاريخية قساوة، لكن الذي يراه الآن هو أن قطاعات كبيرة من الشعب الفلسطيني ما زالت تنظر بعين الريبة للتجربة السياسية الكوردية الناهضة في كردستان العراق، كما أن قائد فلسطيني بارز صدرت عنه تصريحات لاقت استهجاناً من قبل الشارع الشعبي الكوردي، في ضوء ذلك كيف تنظرون للتجربة السياسية الكوردية في إقليم كردستان العراق ؟
علينا التمييز بين حقوق الشعب الكوردي وبين المشاريع الإمبريالية في المنطقة، وفي سياقها المشاريع الخطرة القائمة في البرنامج التفتيتي للمحافظين الجدد في واشنطن، في سياق “الشرق الأوسط الكبير” لإعادة صياغة المنطقة على أسس عرقية وإثنية وطائفية، وما يسمى بـ “الفوضى البناءة”، كما حدث في البلقان يوغسلافيا ومن ثم صربيا، وكوسوفو، والبوسنة والهرسك، وكرواتيا، والجبل الأسود، واستخدام هذه الصراعات في المشروع المذكور، ومن ثم تفتيت المفتت …

إن هذا يجري بعيداً عن نموذج اسكتلندا، وويلز، وكويبيك، وهي مناطق ذات مزايا إدارية استثنائية لكنها ضمن تركيبة وطنية قوية، لأن التفتيت المبني على المعايير الإثنية والدينية المذهبية التي لا حدّ ولا مدى لها، كما رأينا في يوغسلافيا، فكل قطاع مفتت قابل للتفتيت، بينما الحل الفيدرالي هو فكرة منطقية جديرة بالاهتمام بين العرب والكرد في العراق، ولأن طرح حلول الانفصال الكوردي سيشعل ناراً لا يعرف مداها الحارق. وتبرز الآن المعضلة الكردية والأمنية لتركيا، كذلك في إيران، خاصة إذا ما استخدمت هذه الورقة كورقة ضغط من قبل القوى الكبرى المتدخلة في المنطقة.
لنتفحص التاريخ العراقي، البلد الذي يتوفر به الاستعداد الذاتي لصهير مختلف الأقوام المتعاقبة بكل أبعادها الثقافية، السومرية، البابلية، الآشورية، الفارسية، العربية، الكوردية، التركية العثمانية والإسلامية، تاريخ وتراث متنوع ومتعدد في الجذور للنشأة وعلى عمق التاريخ، لم يدخل ضمن حيّز العرقية والقومية الضيقة أو الدينية والمذهبية. لقد أفرزت الهزات الأخيرة الطائفية والمذهبية والقبلية الجهوية، وغيرها … التي تخرج عن حقيقة قوانين الدولة العصرية، ومحاولة بعث هويات والاحتماء بها، هويات ضعيفة وهشة، ولا تستطيع بناء شخصية حرّة بمعيار الحق والشرعية، لتمثل الهوية الثقافية للعراق، كما أن أي أدلجة أو تسويغ للتاريخ بالتأويل لا تعني التاريخ. وحده النظام الديمقراطي بمضمون الحقائق التاريخية القومية للشعوب والثقافية الوطنية، وتواصل الاحتفاظ بالتنوع عبر لائحة الحقوق، التنوع الجميل للأصول القومية الذاتية للهوية الثقافية للعراق، وحده الذي يمنع بروز “أرض متنازع عليها” أو أية مشاكل ومعضلات جديدة، طالما أن العراق وعلى عمق تاريخه كآثاره وعمارته وفنه ومسلاته وألواحه الطينية وأنهاره وأساطيره وكتابته، يعبر عن المجرى العميق التاريخي الثقافي الثابت للعراق، تحت سقف حلول فيدرالية قومية وطنية بين العرب والكرد، تقدم نموذجاً ملموساً تفتح أفق حل المسألة الكردية في الأقطار المجاورة في المرحلة الراهنة، تؤسس لمرحلة أخرى أرقى تضمن حق كل شعب في منطقة الشرق الأوسط بتقرير المصير بما فيه حق الاستقلال أو الاتحاد الفيدرالي.
ملاحظة: تم نشر الترجمة الکوردية للحوار في صحيفة”کوردستان ريبورت”الصادرة في أربيل بإقليم کوردستان العراق.