طالب دكتوراه التاريخ(العثماني)
إن التاريخ الكوردي ليس غير مدروس فحسب بل انه أهمل وشوهه في كثير من الأحيان وان ما دونه أيضا قد تعرض لتشويه وان الباحث الكوردي كان يتعرض في كثر من الأحيان إلى الملاحقة القانونية إذا ما تعرض إلى مواضيع كان السلطة الحاكمة قد وضع عليها خطوط حمر ويجب إن لا يتجاوزها. على سبيل المثال في مرحلة دراستي الماجستير اخترت عنوان رسالتي الأوضاع الاقتصادية والثقافية والاجتماعية في إمارة سوران ثم الموافقة عليها وباشرت بكتابة الفصل الأول وبعد مرور ثلاثة أشهر تم إشعاري باختيار موضوع اخر لأن اللجنة العلمية في الكلية لم توافق عليها ثم همس في إذني رئيس القسم وقال لي(يقولون إن الخوض في هذا الموضوع يؤكد على إن للكورد الحق في المطالبة بحقوقهم القومية وان مثل هذه المواضيع وضعت عليها علامة(×) كروس الأحمر.
إن مذكرات الرحالة الأوربيين الذين زاروا المنطقة الكوردية الوعرة ابتداء من أول رحال وأقدمهم هو المؤرخ(هيرودتس) اليوناني الذي زار العراق قبل الميلاد ومن بعده المؤرخ اليوناني وقائد الجيش الإغريقي (كزينوفون أو زينفون) سنة(401) ق.م ورحالة آخرون من أمثال نيبور و جيمس ريج ، والأب بول بايندر ، والمس بيل، وفريزر، ومينورسكي ، ونولدكه، وكراتشكوفسكى، وخالفين، ونيتكينس، وسترك، وادمونس، وملنجن ، ويلسون ، وفيليد، ودرايفر …الخ والسياح والمسافرين والتجار وأطباء وعلماء وما دونت في دفاترهم اليومية من مذكرات بشكل مستمر عن الطرق التي كانوا يقطعونها والأحداث والمصائب التي شاهدوها فضلا عن بلاغات وتقارير التي رفعها الدبلوماسيون الأوربيون كانوا يمارسون مهنتهم الشريفة إلا أنهم كانوا في الوقت ذاته جواسيس وعملاء لبلدانهم وهؤلاء المستشرقون(ان صح التعبير) وان الرحال الذي يزور البلاد الشرقية ويتجول في ديارها ويبحث في أطرافها، أو يعيش مع أهلها سنوات يلبس لباسهم ويأكل مآكلهم وينطق بلسانهم ويتغلغل في بيئاتهم ويتعود شمائلهم ثم يعود بعد ذلك إلى بلاده فينشر ما يراه نافعاَ لبلاده ولدولته أو جامعته أو جمعيته التي أرسلته لهذا الغرض وقد ينقل الحقائق إذا كان هدفه علميا أو مشوهة إذا كان غرضه مدسوساَ ومتصورا ولكن الاخبار والمعلومات التي تناقلته من قبل الرحالة الاوربيين يعتبر مصدراً مهماً لتاريخ الكورد على الرغم من سلبيات بعضها ولكن كان بعضهم منصفين نقلوا الحقيقة أمثال ولاياردLayard ،وFraser ، وكلوديويس جيمس ريج Rich وان الأخير الذي شغل منصب القنصل البريطاني في بغداد ومن رحلته التي قام بها هو لغرض سياسي والحصول على معلومات عن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في كوردستان حينذاك وان الاهداف السياسية كانت سببا وراء زيارته لسليمانية، والذي أصبح فيما بعد ضيفاَ في السليمانية لدى بابانيين عام 1820م فان المعلومات الواردة في رحلته ذات فوائد جمة بالنسبة لتاريخ الكورد وكوردستان (1). وان هذه المعلومات التي وردت في رحلة ريج لاهميتها دفع بأحد المؤرخين العراقيين إلى القول((كان ريج يهدف في جميع ما كتبه إثارة الروح القومية للكورد لمصلحتهم وإنما لإثارتهم على حكومة بغداد ومن ثم إضعاف قوى العراق. ولذلك كان ريج يعمل على إقامة أطيب العلاقات مع الزعماء الكورد فقد كان صديقاَ لـ(عبدالرحمن الباباني) يعطف على آماله ، كما كان صديقاَ لـ(عثمان بك) أخو محمود الباباني ـ الكاره ـ لداود))(2)
وفي أثناء الحرب العالمية الأولى(على سبيل المثال) تم احتلال العراق من قبل الانكليز فعمل الكثير من ضباط الانكليز كمستشارين ومندوب السامي في المناطق الكوردية وفي العراق وطبع كثير منهم مذكراتهم وعلى شكل تقارير وكتب فيها معلومات في غاية الأهمية ومن هذه الكتب كتابُdmonds فيها معلومات مهمة حول كوردستان وان أرشيف وزارة الخارجية البريطانية public Record – office فيها كثير من الوثائق يشمل البرقيات والرسائل وتقارير ميدانية التي تم رفعها من قبل العاملين في المؤسسات البريطانية في العراق وفيها معلومات عن الكورد في تركيا والعراق وإيران. وهذا ما نلاحظه أيضا على لسان مس بيل ، كما جاء في مقدمة كتاب((عرب بين النهرين وآسيا العثمانية ومس بيل)) وهي مجموعة من المقالات وأبحاث كتبها مس بيل وجى.آل .بي من مكتب القنصل المدني في بغداد سنة 1917م والذي صرح قائلاَ((الكتاب كتب على شكل مقالات ونشرت في الصحف بعضها. والكتاب موجه إلى الانكليز القادمين مع القوات الغازية للعراق لتعريفهم بأوضاع البلدـ العراق الذي يقاتلون فيه ضد العثمانيين الحاكمين فيه ـ يتطرق الكتاب إلى الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. والكتاب كتبت مقالاته شخصيات بارزة زاروا العراق والمناطق التي حوله قبل الحرب العالمية الأولى وجابت تلك الربوع خدمة لإغراضهم المستقبلية ثم أن القيادة الانكليزية الموجودة في البصرة ارتأت خدمة هذه المقالات بكتاب وطبعه في مطابعها في البصرة سنة 1916م وهي عبارة عن دراسة للمجتمع العراقي وما فيه حسب نظر السائح من مشاكل وقضايا لفتت انتباهه لمعرفة السلبيات والايجابيات في هذا المجتمع العراقي سواء مشاكل الإدارة العثمانية أم سكان الريف والعشائر وسكان المدن مع دراسة معتقداتهم الدينية والمذهبية كما تراءى لهم وان هذه المقالات كتبت للجنود الانكليز في البصرة الذين نزلوا فيها في 7 تشرين الثاني سنة 1914م والذين دفعتهم الحرب إلى هذه المناطق من العالم . وعندما يقراون هذه المقالات سيكونون سعداء بفرصة الحصول عليها(المقالات) بشكل ثابت ومناسب.))(3) وكان جواسيس الدول الغربية يدخلون المنطقة تحت غطاء المبشرين والتجار ولإغراض علمية وهذه الحالة نلمسها لدى كاهن انكليكاني الذي يدعي بأنه ينتمي إلى كنيسة انكلترا والذي الف قبل كتابة مذكراته كتاباَ معروفا باسم(تاريخ البيعة الاثورية) وكان قد عين في العام 1897م ـ 1898م عضو البعثة التي أرسلها رئيس أساقفة كانتربري إلى اثوريي منطقة حكاري في كوردستان تركيا لتعليمهم وتمدينهم دون المساس بطقوسهم الدينية أو العمل على تحويلهم عن مذهبهم بناء على طلب بطريركهم في أوائل النصف الثاني من القرن التاسع عشر وقد جاب هذا المبشر بلاد كوردستان الشمالية الشرقية وأم مدنها الكبيرة وظل فيها أكثر من عشر سنوات وغادر البلاد العراقية في العام 1921 لاخر مرة وكانت السلطات العثمانية قد قبضت عليه أثناء الحرب العظمى الأولى بتهمة التجسس إلا انه نجا بمحض الصدفة.(4)
وانقسم الباحثون في تقدير الرحالة وتقييمها إلى فئتين وهما: 1ـ فئة ترى أنهم حملة تتقدم الاستعمار وتخدم مصالحه وتدرس حالة البلاد المستعمرة، وتغزو البلدان الشرقية قبل الجيوش وتسعى إلى أضعاف قومياتها ولغتها ودينها وفي حالة دخول الفاتح لابد من قيام صلة بين الأهالي والجيش المهاجم والتاريخ يحدثنا ان هؤلاء كلهم من المستشرقين وفي حالة السلم يحاول إيجاد التفرقة وبث الدسائس بين أهل البلاد.
2ـ والفئة الثانية من الرحالة جاءوا لإغراض علمية تعني بدراسة المدنيات الشرقية ما غير منها وما حصر وبما خلفته من آثار فكرية وأدبية وفنية وما يتصل بالحضارات القديمة.(5) كما في حالة الرحالة الألماني الأصل والدانماركي الجنسية(كارستن نيبور)(1733م ـ 1815م) الذي زار العراق في القرن الثامن عشر ،ومشاهدات نيبور في رحلته من البصرة إلى الحلة سنة 1765م أو 1766م ، وزار كذلك النجف والحلة وكربلاء وبغداد وكركوك واربيل والموصل وهو يعد خير من وصف بغداد في القرن الثامن عشر وان معلوماته مهمة للغاية لأنه زار المنطقة في إطار بعثة علمية فدون معلومات غزيرة ومتنوعة عن المناطق التي زارها وألف كتاباَ بعنوان(رحلة نيبور إلى العراق في القرن الثامن عشر))(6) وكذلك الرحالة الفرنسي اوليفيية(1756م ـ 1814م) فقد تجول في البلاد العثمانية وإيران وكوردستان وبتكليف من السلطات الفرنسية ولأهداف سياسية واقتصادية وعلمية فزار المنطقة خلال سنوات (1794م ـ 1796م) واعد رحلته أهم مصادر لتدوين تاريخ في تلك الفترة فأجاد في تشخيص المواقع وتدقيق المسافات ووصف الموارد الطبيعية والمنتوجات الزراعية والمصنوعات اليدوية والحرف وطرق المواصلات والحالة الاقتصادية والعسكرية والسياسية. أما الرحالة الهولندي ليونهارت راوولف الذي زار المنطقة عام 1574 واستطاع إن يتعرف عن قرب على السكان الكورد والعرب والترك وشعوب المنطقة برمتها وعلى حياتهم الاجتماعية وأوضاعهم الاقتصادية وطريقة المعيشة اليومية في ظل الحكم العثماني والتعرف على عاداتهم وتقاليدهم وأصبح الكثير من هؤلاء الرحالة والسواح شجعان لا يخشون أي شيء ويتحدون المصاعب وعلى حد قول(ب.م. دانتسيغ) (( ولم يخش هؤلاء السواح والرحالة فتوغلوا حتى إلى قبائل الافشار والكورد(7) المتعصبة والتي تسكن بلادا لم تدرسها العلوم الطبيعية إلا قليلا..))(8) وهذا مما دفع الرحال الروسي ديتيل إلى تسمية كوردستان بـ(الأرض المجهولة) وعندما زار الرحالة ديتيل الموصل زار دير يعود إلى الكورد الايزدية تسمى بـ(شيخ عادي) في مضيق لالش في قضاء شيخان ناحية اتروش(تعود هذه الرحلة إلى المحاولات الأولى للأوربيين المنجزم بحزم إلى مكان بعيد جدا حيث تعيش فيه هذه القبيلة(الطائفة) العنيفة وركز اهتمامه على وصف القبائل في طريقه إلى حلب خلال ماردين ونصيبين ودياربكر واورفه ودراسة لغتهم فقد كتب ديتيل((إنني عرفت هنا حوالي250 قبيلة يعرف الأوربيون منها حوالي السبعين فقط))
وقدم ديتيل دراسة((رائعة عن الكورد بالرغم من انه لم يتجنب الصفة التي كانت نمطا جامدا في ذلك الوقت وهي إنهم قطاع طرق))(9) وان المدونات والمعلومات التي حصلوا عليها الرحالة والتجار الأوربيون وما جمع من قبلهم تعتبر مواد ومراجع قيمة لأن هؤلاء شاهدوا بأم أعينهم مشاهد مثيرة وأحداث عجيبة وأخبار مدهشة تستحق التحدث عنه. وان هؤلاء الرحالة قطعوا مسافات شاسعة في سبيل الحصول على معلومات التي يرمون الحصول عليها كما فعل الدكتور ليونهارت الذي زار المنطقة من اجل الحصول على معلومات حول النباتات التي تزرع في منطقة الشرق الأوسط . وان الرحال مارك سايكس الضابط المخابراتي الذي قام برحلة في كوردستان ومن خلال رحلاته الكثيرة على عربة تجرها الخيول جمع معلومات كثيرة عن القبائل الكوردية وقد قام بهذه الرحلة قبل الحرب العالمية الأولى عبر شرقي الإمبراطورية العثمانية. وان معلوماته وبياناته قد أرخت وهي نقطة بداية مفيدة في أية دراسة حول قبائل الكورد في تركيا وكتب مارك سايكس انه بعد خمسة الاف ميل من الترحال براَ، وإجراء عدد كبير من المحادثات مع السكان المحليين كانت النتائج هزيلة إلى ابعد حد. ومهما يكن فقد صنف الرجل(183) قبيلة، كما انه صنف فروعاَ إضافية ذات بنى قبلية بدءاَ من أنقرة حتى خانقين، مهملاَ القبائل المقيمة في إيران فقط وان ما دونه عن قبائل الكورد في العراق ما يزال صحيحاَ بشكل أساسي وهذا يعني ان كثيراَ مما يشتمل عليه تصنيفه للقبائل في تركيا ينطبق على الواقع ولا يطمح هذا العرض إلى تصنيف كل الفروع والقبائل ولكنه لن يغفل عن القبائل والفروع الأكثر أهمية(10). وان هذه المعلومات التي دونت من قبل هؤلاء الرحالين تثبت لنا ألأهمية العظمى التي كانت توليها كل من بريطانيا وروسيا وفرنسا وايطاليا وغيرهم من الأوربيين إلى الشرق الأوسط في الربع الثاني من القرن الثامن عشر وازدادت هذه الأهمية وبلغت ذروة تطورها في القرن التاسع عشر والعقد الأول من القرن العشرين حيث إن مدونات هؤلاء الرحالة والدبلوماسيون احتوت على معلومات في غاية الاهمية ولاهمية هذه المعلومات فأنها دخلت في صلب الدراسات العلمية في بلدان الأوربية وخاصة في كل من روسيا وبريطانيا وفرنسا وهولندا. ويصاب المرء بالدهشة حين يتبين مدى المجاهل والمواقع البعيدة التي نفذت إليها طلائع الرحال المغامرين في أحوال وظروف شاقة للغاية. كان بعضهم (الرحالة) ذوي ثقافة عالية ومواهب فذة.. فدونوا وقائع رحلاتهم وكتبوا تقاريرهم الأستخباراتية ورفعوا مذكراتهم الدبلوماسية إلى الجهات العليا وكتبوا هذه التقارير قبل الحرب العالمية الأولى (1914 ـ 1918) وبعدها وهناك كثير من التقارير التي كتبها رجال التجسس التابعة للانكليز ورفعوها إلى حكومة الهند التابعة للتاج الانكليزي والى الحكومة الانكليزية أيضا تعرفهم على الكورد وان هؤلاء الرحالة المتجولين قد وطدوا علاقات صداقة مع كثير من رجالات ورؤساء العشائر الكوردية وعملوا المستحيل للوصول إلى مناطق يمنع الوصول إليها لغير الكورد.وللأسف كان موقف أكثرية الرحالة الأوربيين تجاه الكورد موقف حاقد ولئيم وظهرت هذه المواقف في تقارير هؤلاء الجواسيس حيث كانت احد المصادر التي استندت عليها لتقسيم الإمبراطورية العثمانية وتمزيقها وكذلك أثرت على الوحدة بين الكورد وتكوين دولة كوردية موحدة. لأنهم اثبتوا لأسيادهم بان الدولة الكوردية المرتقبة سوف تهدد مصالح الدول الأوربية وخاصة مصالح بريطانيا وفرنسا في منطقة الشرق الأوسط ولذا عليهم ان يبقوا الشعب الكوردي وكوردستان ممزقين ومتخاصمين مفرقين. وان كثيراً من هذه المدونات والتقارير والمذكرات تثبت لنا حقدهم الدفين وخاصة في أواخر القرن التاسع عشر وظهرت هذه النوايا السيئة في معاهدة سايكس ـ بيكو. وكذلك لا ننكر بان هذه المدونات تحتوي على معلومات في غاية من ألأهمية وتعتبر مصدر لذة لا ينضب معينها(11) كما يقول الرحالة الايطالي سبستياني الذي زار العراق في القرن السابع عشر قائلا((…ونظرا لما رأيت بأم عيني وما سمعت من أشخاص جديرين بالثقة أقاموا مدة طويلة في مختلف مدن هذه الإمبراطورية(العثمانية) أو من مواطنيها على اختلاف مللهم ونحلهم اعتقد بأنه بإمكاني أؤكد صحة ما اكتبه))(12). وان بعض هذه المذكرات تتناول الأحداث بأدق تفاصيلها لأن أصحابها عاشوا وتفاعلوا مع هذه الأحداث على سبيل مثال مذكرات مأمون بك بن بيك بك((فان لهذه المذكرات من فضل السبق لتأليف الشرفنامة للأمير شرفخان البدليسي بنحو خمسة وعشرين عاما تقريبا ولما فيها من شرح مفصل للأحداث الواقعة بين القوات العثمانية المحتلة للبلاد والقوات الإيرانية الصفوية التي كانت تتدخل باستمرار في شؤون الكورد))(13).
التآخي
الرئيسية » التاريخ » أهمية ما كتبه الرحالة الأوربيون في مذكراتهم في تدوين تاريخ الكورد وكوردستان – الحلقة الاولى