الرئيسية » مقالات » الخارجية العراقية ..والدبلوماسية

الخارجية العراقية ..والدبلوماسية

لعل أهم أسباب النجاح في عمل وزارة الخارجية في أي بلد من بلدان العالم المختلفه ، لا يتمثل حصريا في تنفيذ الخطط العملية ذات البعد الممنهج وتطبيقها حرفيا على واقع العلاقات الدبلوماسية لتلك الدولة مع بقية دول العالم الأخرى ، بل أن المردود المعنوي والمادي لأي تحرك دبلوماسي بأتجاه توفير المزيد من التسهيلات وفتح سبل جديده تنمي آفاق التحرك الحضاري سواءا للدولة بمختلف مؤسساتها أو لأفرادها والتي تصب في النهاية في خدمة المواطن في تلك الدولة ، يشكل أبرز معالم ذلك النجاح .وتأتي الافكار الجديدة والمستحدثة من قبل العاملين في وزارة الخارجية من خلال الابحاث العلمية والمشاريع الفكرية التي يكلفون بها ويقدموها ليجدوا أهتماما جديا بها من قبل دوائر الوزارة ومؤسسات الدولة الرسمية أو القائمين على مهمة تعميق وترسيخ أسس ذلك البحث لتطبيقه في عمل الوزارة واحدا من الروافد المهمة التي يعتمد عليها للوصول الى سبل الارتقاء والنجاح .

أن الحقيقة القائمة على أساس أن الدول كالأفراد ، لابد من انها أقتضت بعدا منطقيا ، في كون الدولة لا يمكن أن تقوم وتنشأ وتزدهر وهي منطوية على نفسها ، يغلفها طابع من الاستكبار والأنغلاق عن ما حولها من الدول ، اذ لابد لها من أن تتفاعل بدورها لترسم أفقا من العلاقات المتينة والتي تؤمن لها المزيد من الاستقرار والازدهار في النمو ، فكان من الضروري جدا لها وهي تلعب هذا الدور الحضاري من أن تتعامل مع غيرها لخدمة مصالح أبناءها وتأمين الانسجام التام بين مصالحها المختلفة كل وفق أهميته الشمولية والاستراتيجية ، لهذا وغيره كانت هناك وزارة للخارجية .

ففي جانب حساب المصالح العليا لا يمكن أن يغفل الدبلوماسي كل ما يمكن أن يؤطر لعمل فيه خدمة عامة الناس وفتح باب المنفعة الكلية لجهات متعددة من شرائح مجتمعه المختلفة، وليس تقديم المصلحة الضيقة والآنية هو الحافز وراء أي عمل له ، لهذا نرى أهمية الاسس الدبلوماسية التي تتحرك الدول في مضمارها وأساسها التركيز على مراعاة الرأي العام وليس رأي الحزب أو الكتلة السياسية أو الحلفاء السياسيين أو حتى رأي زعيم ذلك الحزب أو الدولة ، فاذا كان الرأي العام مخالفا لتوجهات الدولة ، فلا بد لها من أن تعمل على توافقهما ايجابيا وليس سلبيا ، ومن خلال الدفع بتقديم ما يصلح من رأي فيه خدمة الأغلبية من عموم الناس وليس المتعلق بتوفير مصالح فئة أو أقلية منهم أو حتى مجموعة أقليات ، لأن ذلك العمل سيخلق أثرا واقعيا على مستقبل بقاء الدولة أذا أعتبرنا أن الرأي العام سيكون الفيصل الحاسم بين استمرار الدولة أو عدم ديموميتها .

وهذا ما نراه حتما حتى مع الدول التي هرم فيها النظام السياسي أو تلك المحكومة بالدكتاتورية المطلقة ، حيث ستكون النتيجة النهائية وهي أنه لا سبيل لبقاء الدولة الا بمراعاة الرأي العام والأخذ بما يطرحه ، لا معارضته أو أهماله جانبا أو تهميشه حتى في حالة كان الرأي العام لم يشاطرها الفكرة أو يخالفها فلابد لها من أن تستند اليه في أغلب الطروحات ، وهذا مالم يحصل حتى الآن سواءا في عهد الدولة الجديد أو تلك العهود القديمة بطبيعة الحال في العراق .

أن وظيفة الدبلوماسية تتركز بالاساس في محاولة ايجاد السبل الكفيلة والوسائل الاكفأ والانجع لتحقيق المصالح العامة والاهداف العليا للدولة. والشخصية الدبلوماسية المتمرسة وذات الفكر والمهارات العلمية يمكنها أن تسهم والى حد ما في رسم خطط السياسة الخارجية وتستطيع أيضا ومن خلال تقديم المقترحات أن تشاطر أصحاب القرار في البرلمان أو الحكومة الرأي في ايجاد الحلول التي تصب في خدمة المصلحة الانسانية العامة أولا والمصلحة الوطنية وليس المصلحة التي تخدم خصوصية العرق أو الطائفة فقط.لهذا فقد وضعت الدول المتحضرة جملة شروط لابد من توفرها مع خصائص معينة في العناصر التي يراد لها العمل في المجال الدبلوماسي ومنها : المرونة واللياقة البدنية والعقلية واللباقة وسرعة البديهة ومهارة كسب ود الآخرين وثقتهم وحسن التدبير والاعتدال وعدم التطرف أو التعنصر والحرص على عدم التفريط والتبذير لتحقيق العدالة والانصاف والاهتمام بالمصلحة العامة والمصالح المشتركة والمشاركة الفاعلة في التعاطف مع قضايا المجتمع المختلفة وتحسس جوانبها وتأثيراتها بالاضافة الى الكفاءة العلمية والخلق الرفيع والذوق السليم .وحيث لم يراعى كل أو حتى جزء من تلك الشروط في قبول العديد من المرشحين للعمل بالسلك الدبلوماسي سابقا وحاليا ، فأنك تسمع بين فترة وأخرى ، ورغم دخولهم دورات دبلوماسية ، عن أناس قد عملوا في بعثات دبلوماسية لتمثيل العراق بالخارج وكانوا لا يتحلون بأبسط مقومات الذوق العام وليس الرفيع ، فكان من بينهم من يحتسي شرب الماء الموضوع في أناء غير معد للشرب على طاولة الدعوات الرسمية المقامة على شرف السمات الدبلوماسية أو الرئاسية ، والمهيأ لتبليل الاصابع في حالة لمس شيء من المأكولات التي تؤكل باليد .

وفي مراجعة سريعة لمستوى وفاعلية دور الدبلوماسية العراقية في مجمل القضايا المطروحة على الواقع العراقي الراهن أو تلك التي لها مساس بذلك الواقع ، فأنها تتكشف لنا كم هيّ متدنية الى الحد الذي لم يؤهل كفاءات غير تلك التي أرتقت وظائف الخارجية في عهد الطاغية وبناءا على توصيات من كان يحتل مراكز عليا في الحكومة ، وأغلب تلك الملاكات قد وصفت بالدبلوماسية ظلما وعدوانا وهي أنما كانت تعتبر وظائف الخارجية كأي وظيفة أخرى في أي وزارة من وزارات الحكومة ، فكان من بينهم ضباطا في سلك المخابرات قد عملوا في وظيفة قنصل أو ملحق أو حتى سفير أو قائم بالأعمال ، وجاء للعمل اليوم في البعثات الدبلوماسية من كانت وظيفته سابقا كهربائيا أو حدادا أو نجارا مع الاعتزاز بتلك المهن !

أما من النواحي الفنية فحدث ولا حرج فلقد صرفت الحكومة الحالية ووفق التقاسم التحاصصي للثروات كما هو للوزارات كما هائلا من الثروات في اطار الميزانية التي اعتمدت من قبل وزارة المالية والتي وافقت عليها لعام 2007حسب طلب الخارجية فكانت نسبتها 300% مدعية أنها ستقوم بترميم بنايات السفارات العراقية بالخارج وهذا ما لم يحصل بالفعل ، هذا غير الذي صرف من اموال في عهد الحكومة الانتقالية أو في عهد بريمر والتي أوكل التصرف بها بأيدي المسؤول الاول في الخارجية عن شعبة الادارة والفنية والذي يشغل اليوم منصب سفير العراق في عمّان حينما كان وكيل وزير لتلك الشؤون في أول دخول المحتل للعراق .

ووزارة الخارجية اليوم متهمة بالتقصير في أنها لم تستطع أن تؤمن حلقة اتصال بينها وبين منظمات المجتمع المدني العراقية الفاعلة في الخارج وخصوصا بالغرب وربطها بقناة اتصال من خلال الممثليات والسفارات العراقية بالخارج ، كما انها لم تسعى لتفعيل دور الملحقيات في تلك السفارات لتعطيها أهمية حيوية وديناميكية يعتد بها في تحقيق ما يصبو اليه العراقي المقيم في الخارج من تواصل مع بلده وتواصل بلده معه من ناحية اخرى وللمساهمة في رفع أطر التعاون ومد الجسور بين الانسان العراقي المهاجر وتعلقه بقضايا بلده حتى وهو بعيد عنه أو في اطار حصوله على حق من حقوقه المدنية التي قد تتوفر بفرص اكبر للعراقي المتواجد في داخل العراق. كما أنها لم تعمل على خلق أو حتى دعم الجماعات الفاعلة والمؤثرة بما تمتلكه من نفوذ في بلدان العالم المختلفة والتي يشكل فيها العراقيون نسبة كبيرة من بين السكان الاصليين او الجاليات الاخرى ، ففي السويد مثلا يتصدر العراقيون المرتبة الاولى من بين التنوع الهائل للجاليات في هذا البلد ولكن هم السفير العراقي فيها يكون منصبا على التفاهم مع الشركات الاجنبية والتي بلغ عدد ما تم التفاوض معها على ايجاد عقود استثمار لها في اقليم كردستان وفي مجال النفط خصوصا أكثر من 80 شركة منذ تواجده في عمله خلال الثلاثة اعوام الماضية وكأنه سفير الاقليم وليس سفيرا للعراق.وهناك بلدان لم تفلح الخارجية العراقية لحد الان في اقناع مسؤوليها بفتح تمثيل دبلوماسي عراقي ولو بمستوى شعبة رعاية مصالح على اراضيها رغم تواجد هذه السفارات في العهد البائد وفيها عدد هائل من العراقيين من المقيمين على اراضيها مثل ليبيا التي فيها عدد العراقيين يزيد على 30 الف عراقي،بينما يوجد هذا التمثيل في تونس التي لا يتعدى عدد العراقيين فيها على أعلى تقدير 300 شخص وليس هناك مجالات للتعاون الاقتصادي او غيره بنسبة 20% بينها وبين العراق ، وينصب اهتمام المسؤولين في الخارجية على دعم جهود الدول العربية وتشجيعها على فتح تمثيل دبلوماسي لها في العراق فقط .في حين لا يلتفت الى معانات العراقي بالتفاهم مع بقية الدول على دخوله الى بلدان عديده دون حصوله على تأشيرة دخول أو الزامه بها أو دفعه مبالغ لاستحصالها ، أو بأسرع وقت ممكن اذا تعذر عدم الاتفاق حول رفع نظام التأشيرة عنه لأسباب قد تكون متعسر الألتفاف عليها من قبل الخارجية العراقية.

أن واقع الدبلوماسية العراقية هو كيان يرتكز على الخدمات لا السياسات ونفس الوزير كأنه موظف عادي يؤدي ما عليه ويخرج من دوامه متى ما انتهى وقت الدوام واحيانا كثيرة لا يحضر ، بل أنه يعترض على وزير آخر في نفس الحكومة اذا تناول في تصريح أعلامي رأيه كأي مواطن عراقي عن تصرفات أو تصريحات مغرضة لمسؤول أو وزير في دولة أخرى الهدف منها التدخل في شؤون العراق الداخلية ، ويحسب ذلك تداخلا في عمل وزارته التي من اختصاصها الرد على مثل تلك التدخلات أو انه من صميم عمله الذي يجب على الآخرين عدم الخوض في غماره وكأن صلاحياته قد تجاوز عليها.ولكي نكون واقعيين وموضوعيين فلابد من أن نشير الى ظاهرة المرجعيات السياسية التي يتبع اليها كل وزير وتتحكم بعمل وزارته ، بل تأسر أرادة الوزير تماما فتؤثر سلبا على مجريات عمل الوزارة ، بل أن الوزير يشعر أنه ممثلا للحزب الذي جاء به وأختاره لهذا المنصب، فيكون مدينا له حصوله على هذه الوظيفة التي يعتبرها الكثيرون أنها وصلت اليه تشريفا لا تكليفا وذلك بسبب طبيعة التقسيمة التحاصصية ليبلغ محله في الوزارة دون أن يأخذ على نحو الاستحقاق في الآهلية أو الكفاءة أختياره لهذا المنصب فتراه لا يستطيع التحكم حتى في تعيين أبسط موظف فالمرشح من بقية الاحزاب الاخرى ليكون موظفا في الخارجية أو دبلوماسيا ، لا يمكن أن يشطب الوزير على أسمه حتى لو كان غير مؤهلا أو كان عامل كهرباء كما صرح بذلك وزير الخارجية نفسه ليصبح دبلوماسيا والفاصل بينه وبين أن يكون هو دخوله دورة دبلوماسية امدها شهر واحد وأحيانا كثيرة لا يدخل أي دورة..! وأن دور الوزير في مدة خدمته بالخارجية ومستقبله الوظيفي محكوم بالتجاذبات المحلية للكيانات السياسية المتحالفة والمشتركة في الحكومة وليس بطبيعة الحال أن تكون حركة الوزارة تابعة لمؤسسة الحكومة او غيرها من المؤسسات الرسمية العليا وليس محكوم بالخطط التي ترسم أهدافا مهمة ومدروسة لعمل الدبلوماسية وأهميتها في أي حكومة تصل لتحكم الدولة .