لا يمكن باي حال من الاحوال حصر وتوصيف المعاناة الرهيبة التي سببها النظام المقبور للشعب العراقي والتي ما تزال افرازاتها الامتدادية شاخصة حتى وقتنا الحاضر حيث ان كل ماوصل اليه العراق وشعبه كان بسبب تلك السياسات المجنونة الظالمة والطائشة لراس النظام صدام واركان حكمه باعتبار ان ما نشاهده اليوم هو نتيجة منطقية لمقدمات جرائم صدام الكوارثية وظلمه الغريب لشعب العراق على مدى اكثر من اربعة عقود بغيضة.
وليس من السهولة بمكان تعداد اثار الظلم المادية والنفسية والمعنوية والتي عانت منها شرائح كبيرة من ابناء المجتمع العراقي وعلى وجه الخصوص من كان يعارض سياسات النظام البائد بشكل او باخر ومن بين هؤلاء الشباب الذين كانوا يقاومون ويرفضون الحروب الظالمة التي كان يشنها صدام ونظامه اللاانساني على دول الجوار وشعوبها.
وابتداء من شن ذلك النظام لحربه الباغية على دولة الجمهورية الاسلامية الايرانية ودولة الكويت وحتى لحظة سقوطه الاخيرة فهناك مجاميع كبيرة من الشباب العراقيين الذين كانوا يعلمون علم اليقين انهم حين يساقون قسرا لاداء الخدمة العسكرية انما يساقون لخدمة اهداف النظام وسياساته الشريرة وخدمة ابنائه وعائلته والتي ادت الى تدمير العراق وخرابه وافناء شبابه الذين هم الطاقة الحقيقية للشعب وان قتلهم خلال تلك الحروب العبثية يعني فقدان الشعب لاهم شريحة فاعلة تسهم في بناء البلد وادامة استقراره وتقدمه.
وهذه المجاميع الوطنية والتي كان يدفعها الشعور الوطني الصادق والحس الغيور للحفاظ على دماء ابناء العراق من خلال عدم مساهمتها في اداء الخدمة وتخلفها عن اداء هذه الجريمة البشعة قد تحملت معاناة والاما وظروفا معيشية قاسية تنوء لحملها الجبال الراسيات وامتدت هذه المعاناة الغريبة العجيبة طوال فترة امتدت اكثر من 23 عاما فمنهم من وقع في قبضة السلطة الغاشمة وتم تطبيق حكم الاعدام بحقه في الشوارع والساحات العامة بل كانت سلطات النظام الغاشم تستوفي ثمن الاطلاقات التي تخترق الجسد الشريف للشاب الذي يتم اعدامه من ذويه ويتسلمون وصلا بانهم دفعوا المبلغ لكي يزيد النظام في جلب الالم والمعاناة لاهالي المعدومين ومن هؤلاء الشباب من بقي متخفيا وملاحقا في داخل البلد ومنهم من تمكن من الخروج من العراق وهم في كل هذا كانوا يعيشون وضعا نفسيا واجتماعيا واقتصاديا رهيبا لم يسبق له نظير في تاريخ الازمات الخانقة التي مرت بها شعوب الارض على مر التاريخ .
اذ ان النظام البائد كان يحاول اغلاق كل طرق الحياة امام هذه المجاميع كي لاتستمر في مقاومتها لسياسات النظام الطائشة المجرمة من خلال تخلفها وكما هو معلوم للمراقبين للشان العراقي انذاك فان النظام البائد كان قد استخدم برنامجا معقدا وخططا منهجية غاية في الوحشية والظلم لقطع الطريق على هذه المجاميع من الاستمرار في نهجها المعادي لجرائم النظام وكلنا يتذكر وبالم تلك العقوبات البالغة القسوة والشذوذ والتي لم يعرف لها مثيل في تاريخ الجيوش والتي اولها التعذيب في معتقلات النظام وسحب دماء المعتقل قبل اعدامه او اجراء التجارب الكيمياوية على اولئك المعتقلين قبل اعدامهم لمعرفة اثر استخدام الاسلحة الكيمياوية على الانسان قبل استخدامها اثناء الحرب العراقية الايرانية او عمليات قطع الاذان ووشم الجباه وقطع الايدي والارجل ومصادرة اموال المتخلفين اوالهاربين المنقولة وغير المنقولة او اعتقال افراد عائلته كرهائن حتى يسلم نفسه للنظام فيما تطول عقوبة الاعدام عوائل هذه المجاميع بتهمة التستر على ابنائهم او عدم السماح للمتخلف من الزواج وذلك من خلال منع تسجيل عقد زواجه في المحاكم العراقية الا بعد ان يتم تثبيت موقفه من خدمة النظام من قبل دوائر التجنيد الصدامية وهذا يعد من اغرب القوانين التي لم يسبق لطاغية ان اصدره على وجه الارض.
لقد حاول الطاغية المرعوب من شعب العراق تدمير حياة هذه الفئة المهمة من فئات الشعب وغلق فرص العمل والحياة الطبيعية بوجهها وبقي من تبقى من هذه المجاميع على قيد الحياة على الرغم من توالي السنين الطوال وزادها الصبر الذي مل الصبر منه حتى لحظة سقوط الصنم بارادة الله سبحانه وتعالى وبعد التضحيات الجسيمة التي قدمها ابناء الشعب على مذبح الحرية للتخلص من هذا النظام اللاانساني وهذه العصابة التي لا تنتمي الى عالم البشر.
ان الوصف اليومي الدقيق لهذه المحنة الطويلة يحتاج الى مجلدات عديدة لكي يقف القارئ على تفاصيل هذه الجرائم التي سحق بها صدام انسانية الانسان العراقي وادميته البشرية وكرامته وحقه الطبيعي الذي كفلته له جميع الشرائع السماوية والقوانين الوضعية وقوانين حقوق الانسان وعلى اية حال فان من تبقى من افراد هذه المجاميع على قيد الحياة ربما ابقاهم الله سبحانه كي يكونوا شهود اثبات على جرائم النظام البائد ويتحدثوا للعالم عن مظلوميتهم ونضالهم ووقوفهم البطولي بوجه ابشع طاغية على وجه الارض وكيف انهم تزوجوا الموت زواجا قد امتد في كل ثانية من عمرهم وقتذاك وانتهت محنتهم بسقوط الصنم الصدامي بعد ان كان الاختفاء والتخفي هو زادهم اليومي وبعد ان تجاوزت اعمارهم الخمسة والاربعين عاما وقسم منهم بقي بلا زوجة او اسرة خاصة او عمل او راتب يكفل له معيشة يحفظ بها كرامته بسبب ممارسات ذلك النظام الانفة الذكر.
ان محنة من بقي على قيد الحياة من هذه المجاميع الوطنية الشريفة والاضرار المادية والمعنوية والنفسية الكبيرة جدا والتي لحقت بهؤلاء والضرورة الملحة بوجوب تعويضهم عن كل ما لحقهم من اضرار وتخصيص راتب تقاعدي لهم ومنحهم قطع اراض سكنية وتشكيل هيئة لمتابعة شؤونهم لهو حق من ابسط الحقوق الواجب تقديمها لافراد هذه الفئة الوطنية المتضررة من الممارسات التعسفية للنظام الصدامي المقبور جنبا الى جنب مع عوائل الشهداء والسجناء السياسيين الشرفاء والذي يفترض ان ياخذ الاهتمام الجدي والسريع من قبل مجلس النواب العراقي والحكومة العراقية وضرورة اصدار قانون لضمان حقوق هذه الفئات التي تعتبر التوام الشرعي لفئة السجناء السياسيين او عوائل الشهداء الذين اعدمهم النظام البائد لاسيما ان الدستور العراقي الدائم اشار في المادة(128) الفقرة(1) الى وجوب ان( تكفل الدولة رعاية ذوي الشهداء والسجناء السياسيين والمتضررين من الممارسات التعسفية للنظام الدكتاتوري البائد).
ان الواجب الوطني والاخلاقي والقانوني والدستوري يحتم على مجلس النواب والحكومة العراقية والتي صوت لهما الشعب العراقي وكجزء مهم من اولويات استحقاقاتهما الانتخابية ان يسارعا الى اصدار القانون الخاص بتعويض هذه الفئة التي ظلمت ايما ظلم فاحش كما هي حال ومظلومية عوائل وابناء الشهداء الذين اعدمهم الطاغية المقبور وكما هي ايضا استحقاقات الاخوة السجناء السياسيين وهم التوام الشرعي الحقيقي للمتضررين واكرر ان هذا الامر هو في حقيقته اقل واجب تضامني لرد بعض الاعتبار لهذه الفئات المظلومة والتي ما زالت تعاني الاهمال والنسيان حتى وقتنا الراهن وعلى مجلس النواب والحكومة العراقية ان لايغضا الطرف عن هذا الموضوع الواجب التفعيل ففي اهمال هذا الواجب تخاذل عن نصرة الحق واصحابه وتقصير في دعم مظلومية الشرفاء من ابناء العراق الغيارى الذين ضحوا بوجودهم ومستقبلهم من اجل كرامة وعزة العراق وشعبه وتذكروا ان الوقوف مع هؤلاء المظلومين ليس منة او عطفا اوصدقة يمن بها مجلس النواب او الحكومة العراقية على هؤلاء الابطال النجباء بل هو جزء بسيط من رد اعتبارهم وبعد ان اعيد القسم الكبير من البعثيين الى وظائفهم بل ضمنت حقوقهم وباثر رجعي من قبل الحكومة العراقية ومن بينهم اعضاء الشعب والفرق البعثية الذين كانوا الاذرع التي يبطش بواسطتها الطاغية ويسوم العراقيين سوء الويلات والالام والعذاب فكيف يبقى الشرفاء العراقيون المتضررون دون رد اعتبار حتى هذه الساعة سؤال ستكشف الايام القادمة مدى جدية مجلس النواب والحكومة العراقية في الرد عليه لاسيما والكل يعلم ضخامة الامتيازات المالية التي يتمتع بها اعضاء مجلس النواب والوزراء في الحكومة العراقية بينما بقي اخوانهم المتضررون والسجناء السياسيون وعوائل الشهداء بلا مصدر معيشي يكفل لهم الحياة الكريمة لولا رحمة الله الواسعة ونذكر مجلس النواب والحكومة العراقية والمتناسين والمتغافلين عن هذه الفئة المناضلة الشجاعة بانه وكما روي عن الرسول الاكرم محمد (صلى الله عليه واله) انه قال ( ليس منا من بات شبعانا وجاره جائع).
التآخي