الرئيسية » مقالات » المتنبي بين سهام الدرزية وحنان الخليجية

المتنبي بين سهام الدرزية وحنان الخليجية

ما خطبك يا متنبي هذا اليوم ؟ قال إني واللهِ لفي أشد حيرة . خيراً يا أبا الطيب ؟ قال لا أعرف كيف أتصرف بين إمرأتين أحببتهما حقا ً معاً وأحبتاني عن طريق البريد الألكتروني . أنا واثق كرجل شريف من حبي ، أما هما فلست متأكداً مما تدعيان !! وما يقول لك قلبك يا متنبي ؟ لا شئ ، لا هو يقول شيئاً ولا أنا بالواثق مما يقول . إنتهى زمن القلوب وما تقول القلوب . (( السيف أصدقُ أنباءً من الكتبِ )) … لا من ثقة بقلوب العالمين في هذا الزمن . لقد ولى زمن الرومانسية وقراءة الغيب والكف وتخت الرمل والهورو سكوب . السيف أصدق أنباءً من الكتب … كما قال الشاعر ( أبو تمام ) في الزمن القديم . إذا ً ما أنت فاعل بأنثيين وقانون الأحوال المدنية يمنع الجمع بين أنثيين تحت سقف الزوجية ؟ رد المتنبي بعنف : ومن قال لك أني أنوي الجمع فيما بينهما كزوجين ؟ أنا محتار فيمن أختار كصديقة حبيبة تشاركني ما تبقى من حياتي الفانية دون إلتزامات ومسؤوليات وإرتباطات من النوع المألوف في أيامكم هذه . دون زواج وإنجاب أطفال وإرث وعقار منقول وغير منقول . هل تثق بي فتستمع لرأيي يا متنبي ؟ قال بكل تأكيد ، فلأنتَ نعم الصديق ، قلْ
وأوجزْ . الدرزية يا متنبي إمرأة متزوجة في الثالثة والثلاثين من عمرها ولها ولدان شديدا التعلق بها . أما الخليجية يا متنبي فإنها شابة صبية في مقتبل العمر لم تنجاوز العشرين من عمرها وغير متزوجة . أي لها فضيلتان كبريان على غريمتها الدرزية فما رأيك يا متنبي ؟ قال الأمر شديد الوضوح . ما الذي يجعلني أتورط في علاقة حب شائكة معقدة مع إمرأة متزوجة تسعى لتأسيس علاقات محدودة مع بعض الرجال ولا سيما الكتاب والشعراء منهم تنفيساً عن مشاكل تكتنف حياتها الزوجية ومهربا ً عما تعانيه من عنت وخشونة زوجها والتضييق على بعض حرياتها الطبيعية . لا يهم هذه المرأة نقاء وصفاء ومصداقية ما تؤسس من علاقات مع رجال آخرين خلف ظهر زوجها . ثم إنها تخون بمثل هذه العلاقات الغامضة زوجها وطفليها فكيف يطمئن لمثلها رجل جادٌ وقور كالمتنبي ؟ إذا ً إنس َ الدروز وركزْ همك على الخليجيات . فكّرَ المتنبي طويلاً قبل أن يقول : لكنَّ الخليجية صبية كما قلتَ دون العشرين من عمرها وأنا كما تعلم جازوتُ الستين !! لا أهمية يا متنبي للعمر في الخليج !! صبيات كثيرات يتزوجن من رجال بعمر أجدادهنَّ . فإذا أحبتك خليجيةٌ تزوجتك . قال لكنْ ليس لديَّ رغبة في الزواج ثم قد فات سن زواجي ثم قد كنتُ رجلاً متزوجاً وكان لي ولد ٌ إسمه ( محسَّد ) قتله معي بعض بني أسد في دير العاقول عام 354 للهجرة . لا من رغبة لي في الزواج ثانيةً . ما العمل يا أبا محسّد إذا ً ؟ ترك المرأتين جميعاً أو الجمع ما بينهما ؟ قال لا هذا ولا ذاك . ماذا تقصد يا شاعر ؟ قال أرى أن أنصرف للصبية الخليجية فإنها أصغر سناً وأكثر تحرراً من الدرزية المتزوجة الأكبر سناً منها . وماذا عساك فاعل مع وبالفتاة الخليجية يا متنبي ؟ قال الأمر متروك برمته لها . هي من سيقرر طبيعة وشكل وعمق ما بيننا من علاقة . وإذا أرادت الزواج منك يا متنبي ؟ قال لكل حادث حديث . قد أوافق على الزواج منها وقد أعتذر . الأمر النهائي الحاسم متروك كليةً لي وليس لها . سأعاشرها كأصدقاء ردحاً من الزمن ولسوف نرى . سيكتشف بعضنا بعضاً ولسوف تتداخل أمورنا وتتشابك وتتطور علاقاتنا الشخصية والإنسانية وغيرها فيغدو القرار أكثر يسراً وأوضح هدفاً . شئ رائع يا متنبي ، لكأني بك رجلاً عصرياً معاصرا تعرف حقوقك وحقوق وواجبات المرأة العصرية . قال هذا شئ طبيعيى في هذا الزمن فلا تستكثره عليَّ ولا تستغفلني .
هل نواصل حديثنا هنا في بيتي أو تفضّل أن نواصله في الشارع أو في مقهى ؟ بل هنا / فبيتك بيتي وأجد فيه راحتي ، ثم الشاي الثقيل وبقية المآكل والمشروبات غير الكحولية . أنت لا تتعاطى المشروبات الكحولية يا متنبي لكني لا أتعفف عنها ومنها . قال : لكم دينكم وليَّ ديني . إشربْ أنت ما شئتَ ودعني أشرب ما أشاء . لا تتطابق دائما مشيئتك ومشيئتي .
بعد الشاي وبعض المأكولات الخفيفة فتح المتنبي موضوع حنان الخليجية [ أو ربما الكويتية أو ألعمانية !! ] فقال أراها الأنسب لي والأكثر قرباً مني . لماذا يا متنبي ؟ لأنها ببساطة صبية غير متزوجة ولا خبرة لها في الحب والجنس والمعاشرة ما دامت دون العشرين من عمرها . وما الذي يغريك يا متنبي في العشرين أو فيما دون العشرين ؟ قال الفرق شاسع وجدَّ كبير بين من فوق الثلاثين ودون العشرين . لكنَّ قرارك أنْ لا تتورط في زواج جديد بصرف النظر عن العمر والدين والجنسية والقومية حسب مصطلحات هذا الزمان . قال أجل ، قد كان هذا قراري الأولي ولكن ، من يضمن تطابق الأوليات بالأخريات ؟ خواتيم أمور البشر تختلف في الغالب عن أوائلها . قد تبدأ في أمر لكنك تنتهي إلى سواه . أعني إذا ما تعرفتُ جيداً على الفتاة الخليجية الصغيرة وصفت ودامت بيننا الأمور فلربما أعرض عليها وعلى أهلها الزواج . وإذا رفضت هذا العرض يا شاعر ؟ قال سوف لن أبكي ولن أنتحر … ربما أحزن وربما أندم وربما أتشرد حيناً في الشوارع حتى أنسى ويلتئم الجرح . [[ قلتُ في سرّي مع نفسي : وربما أتعاطى الكحول الثقيل على أمل أن أنساها وأن أجد سواها أكبر سناً منها وأنضج وأقل مستوىً … وأقل ثراءً ]] . لكأن صاحبي إلتقط هواجسي فأضاف بصوت عالٍ : وربما إلتجئ إلى سماع أغاني فريد الأطرش الحزينة من قبيل ( يا قلبي يا مجروح ) أو ( بتبكي يا عين على الغايبين) . إذا ً ، قلتُ ، أنت غير مستقر على قرار واحد . أنت متذبذب لا تعرف كيف ينتهي مصيرك وكيف تختتم حياتك . قال أجل ، معك كل الحق . لا أعرف خاتمتي ومصيري . لا أعرف كيف تنتهي حياتي ولا كيف أنهيها . لا من زواج طبيعي بعد الستين وكل الآفاق معتمة غير واضحة في هذه السن . فما قيمة وما جدوى صداقات بريئة مجهولة النتائج مع فتيات صبيات في عمر الدراسة الجامعية ؟ صمت كلانا صمتاً طويلاً ثقيلاً قبل أن أقترح على الشاعر المتنبي أن ينسى الدروز ومشاكلهم القديمة والحديثة وأن ينصرف كليةً للصبية الخليجية الطالبة الجامعية . قال وكيف سأبدأ الخطوة الأولى في ترسيخ علاقاتنا وإرساء أسس الثقة والوفاء ؟ الأمر بسيط يا شاعر . أرسل لها بالبريد الألكتروني الرسالة التالية التي كتبتها خصيصاً لك ولها كمفتتح لعلاقة جديدة حتى يأتيك الرد منها . قال هيا ، أسمعني كلمات الرسالة . قرأتُ :

(( صباح الخير يا بابا ويا روحي وأكثر من حبيبة . الساعة الآن حسب وقتنا هي السادسة والنصف صباحاً أفما زال حبي نائماً في فراشه ؟ هل أسري له عجلانَ فأوقظه من نومه كي لا يفوته موعد المحاضرة الأولى في الجامعة ؟ هل أشارك حبي الفتي فراشه وغطاءه قبل أن ينهض قوياً منتعشا ً معافى أم أكتفي بإيقاظه وشمّه وتقبيله بجنون ثم تهيئة شاي أو قهوة الصباح كي نفطر سويةً ؟ يا حبي ويا كل حياتي : أتقبل سخاءك وكرمك الخلقي والروحي والجسدي بكل فرح ومسرة وتشرفني عروضك الجريئة التي لا تناسب سنّك رغم أني أتمناها من كل قلبي ولكن … أخشى عليكِ يا طفلتي مني . نعم ، أخاف عليكِ منى جداً جداً . أنتِ هديةُ الرب والسماوات والأرضين دون ريب . هدية العمر التي لا تعوَّض ولا تتكرر … لكني لعلمك ، لا أصلح اليومَ إلا للمداعبات البريئة لا أكثر . لا أصلح اليوم لما هو أكبر وأخطر من ذلك . أنت ما زلتِ شابة في مقتبل العمر وفورة الشباب ولك حقوقك كأنثى في جسدكِ ولك كل الحق في أنْ تنجبي أطفالاً يُخلِّدون ذكركِ في الحياة . ولشديد أسفي يا صغيرتي وحبي الكبير إني غير قادر على مساعدتكِ في الإنجاب … لقد فات أوانه … ولم يتبقَ لي من العمر في أحسن الأحوال إلا عشرة أعوام فكيف أسمح لنفسي أن أتركك أرملةً في عز ِّ شبابك دون الثلاثين من عمرك ؟ وكيف تقبلين أنتِ هذا الواقع المر ؟ أريد لإبنتي الحبيبة كل َّ السعادة والرفاه في الحياة فسعادتها سعادتي مهما كان نوع العلاقات التي ستربطنا . أحبك بجنون لا مثيلَ له ، نعم ولكنْ ، مستقبلك ونعيمك وسعادتك هي فوق أي إعتبار آخر . أحبك ، نعم ، أحبك كأنثى وإمرأة فوق حدود تفكير البشر وطاقاتهم … أحبكِ بجسدي وفكري وعقلي كرجل ذكر ولكنْ ، سأبقى ذلك الوالد والإنسان الذي يضعكِ ومصالحك الحيوية فوق كل إعتبار )) .

أنهيتُ قراءة الرسالة المقترحة آملاً أنْ سيوافق المتنبي عليها وعلى صياغتها دون أو مع بعض التعديلات الطفيفة . أخذ المتنبي مسوَّدة الرسالة مني دون تعليق . طواها برفق زائد عن اللزوم ووضعها في
جيبه . لم أتساءل منه عن رأيه أو قراره فلقد كان الجوغاية في الجدية كأنه جو فواتح وتعاز ٍ أو جو طقوس تعبّد وصلوات وبخور معابد هندوسية .
ما كان قرار صاحبي المتنبي ؟ هل سيمضي في المغامرة غير مضمونة النتائج مع الصبية ( حنان ) ؟ هل سيتراجع ؟ هل سيعود إلى غريمتها الدرزية ؟ هل سيترك الإثنتين ويعتزل الحياة ويعيش في عزلة كما في صومعة رهبان الأديرة ؟ هل يترك أوربا ويعود إلى الكوفة مسقط رأسه ؟
لا أحد يدري . الزمن نفسه يدري . إنه الكاشف الوحيد لنوايا النفوس وقرارات الرجال !!
تركتُ صاحبي المتنبي لأتفرغَ لحنان فكتبتُ لها :
حبي … حياتي حنان … قمتُ تجاهك بواجبي بكل أمانة وشرف … ووقفتُ بينك والمتنبي بموضوعية وحياد متوخياً سعادتك في الدنيا وأن تصبري وأنْ لا تتسرعي وأن تنتظري فرصاً أخرى مناسبة فما زال العمر أمامك وما زال الشباب فيك يحيطكِ من كافة جهاتك . لا تتسرعي فتتخذي قراراً متسرعاً متعجلاً بالإنحياز لجانب المتنبي الكاتب الكهل الذي فاته زمانه منذ حِقبِ وحقب . أتركي المتنبي لنساء غيرك في مثل عمره فهنَّ خير من يفهم المتنبي وأمثال المتنبي . للأجيال والأعمار أحكام لا تقبل المساومة . جيلك غير جيل المتنبي ومشاعرك غير مشاعره وآمالك غير آماله وقوة أعصابك تختلف عن قوة أعصابه إنْ كانت ما زالت في أعصابه من قوة !! أنتِ في عمر إبنته أو حفيدته ولا حبَّ في مثل هذا العمر !! ساعدته كصديق وهذه شيمتي وطبعي في مساعدة الناس أصدقاءًَ وغير أصدقاء . أنا ـ بصراحة ـ موزع ومنقسم بينك وبين صديقي المتنبي. أقول لك الصدق كما أقوله له . أنصحه كما أنصحك ولكما القرار الأخير.
{{ بيني وبينك طفلتي : صرت أميل سراً إليكِ وأغار من المتنبي عليكِ …
لا تنسي يا حبي … الأصدقاء يحبون حبيبات أصدقائهم !! ْ }}..