الرئيسية » مقالات » الطريق الى السلطة

الطريق الى السلطة

تمهيد : ـ أ ـ
الطريق إلى السلطة ، عنوان كتاب قيم ، لـ ( كارل كاوتسكي ) 1854 ـ 1938 ترجمة جورج طرابيشي …. وكاو تسكي هذا بغنى عن التعريف ، فهو زعيم الحزب الاشتراكي الديموقراطي الألماني ، أقوى الأحزاب الماركسية في العالم وقتها .وهو من أشهر الماركسيين الألمان بعد أنجلز ، انتقد كاوتسكي البلاشفة خلال تناوله الجانب الديموقراطي في ثورة أكتوبر ، و سيادة البروليتاريا ، وتساءل : لماذا ينبغي أن ترتدي سيادة البروليتاريا شكلا لا يتلاءم مع الديمقراطية ؟ ورأى أن النظام الذي يتمتع بجذور راسخة بين الجماهير ، ويعرف أن الجماهير معه، لن يخاف من الانتخابات الديمقراطية كخيار توصل الجديرين إلى سدة الحكم،ولن يلجأ إلى العنف، إلا من أجل حماية الديموقراطية . غير أن البلاشفة ـ برأيه ـ قد قضوا على الديموقراطية ، عندما اختاروا طريق الديكتاتورية ، لهذا كانت قضيتهم غير صحيحة . عده لينين مرتدا عن الماركسية ، لجملة أفكار ومواقف ، سلم بها الجيل التالي ، لكن الشيء
الثابت ، أن نواب الحزب الاشتراكي ، قد صوتوا في البرلمان بالموافقة على الاعتمادات العسكرية لبلادهم ، في الحرب العالمية الأولى 1914 ـ 1918 . رغم هذا أقول : لا يحرجن أحد ، من قراءة مؤلف كاوتسكي ( الطريق إلى السلطة ) فقد أشاد لينين بالكتاب في عام 1917 أي بعد ( ارتداد ) كاوتسكي مثلما أشاد لينين بمؤلفات بليخانوف الفلسفية رغم اختلافه معه .. يقول لينين في ( الطريق إلى السلطة ) بأنه ( خير كتاب لكاوتسكي ضد الانتهازيين ) وبان الكتاب يعالج الشروط العينية التي ترغمنا للإقرار بأن عصر الثورات قد بدأ . و لا ننسى أن أنجلس في سنواته الأخيرة كلف كاوتسكي لإنجاز الجزء الأخير من كتاب ( رأس المال ) لماركس، وفعلا أنجز كاوتسكي الكتاب بعد وفاة إنجلز. وهذا أيضا شهادة لمصلحة كاوتسكي ، و تقدير لمكانته العلمية . ونتناول فيما يلي جانبا من أفكار الكتاب نرصد فيه ، موضوعا واحدا ، يتعلق بمسألة مشاركة الحزب البروليتاري مع الأحزاب البرجوازية في السلطة ، يعكس رؤية كاوتسكي وموقفه من هذه المسألة
ب ـ
ـ إن مشاركة حزب بروليتاري مع الأحزاب البرجوازية في تأليف حكومة ، لابد أن يترتب على ذلك وقوع الحزب البروليتاري في تناقضات ، تفضي به في النهاية إلى الإخفاق والفشل الأكيد،لأن هذا الحزب يقع في حيرة الاختيار، حيث يتجاذبه طرفان ، السلطة والشعب، وبالتالي مع من يقف، وهذا هو الامتحان الأكبر لأي حزب، وبالتالي محرقة فيما لو مال إلى السلطة وابتعد عن الجماهير الشعبية.مكتفيا ببعض الفتات.
ـ إن مشاركة الحزب الاشتراكي في السلطة ، يعني أن يبيع قوته السياسية لحكومة برجوازية ، لن تجني منها البروليتاريا سوى بعض البرلمانيين الذين سيعقدون الصفقات مع السلطة،ومن هنا تأتي خيبة الجماهير التي عقدت الآمال على هكذا أحزاب،
ـ إن العناصر التي ستجني فائدة من مشاركة الحزب الاشتراكي في كتلة برجوازية ، هي العناصر التي لا ترى في الحزب الاشتراكي سوى مطية للصعود ، هي العناصر الوصولية والمحبة للخمول والبطالة، فالحزب ـ إذن ـ عندما يمارس حياة ديمقراطية داخل التنظيم بإمكانه التخلص من هذه العناصر الانتهازية المتقاعسة، والتي ينتهي مشوارها النضالي، حيث مصلحتها الذاتية.
ـ في حال مشاركة البروليتاريا الطبقة المالكة في الحكم ، فهي أي البروليتاريا لا تستطيع ممارسة السلطة ، بسبب التناقضات الحادة المستعصية بين الطبقتين ، لهذا تعمد الطبقة المالكة إلى استثمار السلطة لمصلحتها ، وقمع البروليتاريا بالتالي .
ـ يتجلى التناقض في الحكومة الائتلافية ، عندما تذهب البروليتاريا تطالب أجهزة الدولة بمؤازرتها ضد الرأس المال ، في حين تعمد الطبقة المالكة على استثمار السلطة لقمع البروليتاريا ، فتخفق الأولى ، وتفلح الثانية ، واهم من يعتقد عن إمكانية الوصول إلى الوئام الاجتماعي . عن طريق المصالحة و التوفيق بين الطبقات، لأن المجتمعات أي مجتمع منقسم إلى طبقات وشرائح ، لكل منها مصلحتها تنشدها، وبالتالي رؤيتها في النظر إلى الواقع، وتتصرف على أساسها.
ـ إن الحزب البروليتاري سوف يجد نفسه في الحكومة الائتلافية ، شريكا وضالعا ومتواطئا في قمع البروليتاريا ، وسيجلب لنفسه ازدراء البروليتاريين وأنصارهم واحتقارهم له ، و يقف عاجزا عن أي نشاط مثمر ، بسبب الحرج الذي يشعر به أمام الشعب ، وبسبب ريبة شركائه في الحكم ، الذين لن يسمحوا له بأي نشاط ، إلا في إطار دائرة ضيقة . لهذا تجده يعيش في عزلة بعيدا عن محيطه الاجتماعي ، مثل هذه المشاركة لن تزيد من قوة البروليتاريا ، بل ستكون النتيجة توريط الحزب البروليتاري ، و تلويث سمعته ، و تضليل الطبقة العاملة وتشتيت صفوفها
ـ الحزب الاشتراكي كلما ثابر على معارضته لفساد الطبقات الحاكمة ، انصبت عليه ثقة الجماهير الشعبية عبر تعفن النظام ، فالطبقة الحاكمة لن تكون حليفا جديرا بالثقة أبدا، للريبة المتبادلة بين الطرفين، أي الحزب الاشتراكي والطبقة الحاكمة.كلاهما يضمر للثاني ويتحين الظرف المناسب للإيقاع به
ـ ينوه كاوتسكي إلى فعالية التكنولوجيا ، فهي ـ برأيه ـ لا تبدل العلاقة بين الإنسان والطبيعة ، وإنما تبدل أيضا العلاقات بين الإنسان و الإنسان .أي أن كاوتسكي يرى ضرورة إيلاء العلم والتكنولوجيا الأهمية والاعتبار اللازمين،
ـ عندما تشكل النخبة الفكرية والثقافية حرجا للسلطة جراء ما يطرحون من أفكار ومبادئ ، يقصون بعيدا ، فتخلو الساحة لصغار النفوس و الجبناء والدساسين ليستأثروا بمكان الصدارة، هذه هي طبيعة النظم الاستبدادية للتخلص من المناوئين، وهذه هي طبيعة صغار النفوس لقنص الفرص واغتنامها، وتلك هي سقوف مسعاها النضالي.
ـ قد يمضي وقت طويل نسبيا ، يخمد فيه الحراك السياسي جراء قمع السلطة ، فيشعر كثير من قادة الأحزاب ، و ساسة الطبقات ، بأنهم لم يعودوا مطالبين بالنضال في سبيل غايات عظيمة كانوا قد نذروا لها أنفسهم أمام طبقاتهم ، فلم يبق أمامهم سوى بذل المستطاع للوصول إلى الحكم ، وجلهم يتقنون فن التكيف و المرونة و التزلف أمام نوازع الحكام .لكن على العموم يشعرون بصغر شأنهم، في عيون الأعداء وأيضا عند الأصدقاء الذين يشعرون بخذلان هؤلاء لهم، والتنكر للمبادئ التي آمنو بها، والمهام الجليلة التي تصدوا لها في فترة من الفترات..
ـ وأخيرا .. يرى كاوتسكي بأن الطبقات الحاكمة عندما تصاب بالانحطاط الأخلاقي و يصبح بلوغ السلطة أمرا متعذرا ومنيعا أمام الجمهرة الكبرى من الشعب ، عندها لا بد من كارثة تحل بالبلاد ( لإماطة اللثام عن كل عفن النظام ) .و يسوق لنا كاوتسكي مثال الحرب الروسية اليابانية وكيف أن الحرب كشفت عن عري النظام القيصري في روسيا .
ما أشبه اليوم بالبارحة، فالتاريخ يعج بالأمثلة، وهو خير ناصح لمن أراد أن ينتصح، والزمن كفيل بفضح عورة أي نظام، وبالتالي إماطة اللثام عن عفنه.إن تدارك الأخطاء والانتهاكات قد يشفع لهؤلاء المتسيدين اليوم ، أي في الظرف الراهن، بأنهم حاولوا الإصلاح قدر طاقتهم ولكن كانت التركة والتراكمات ثقيلة، والشفاعة لهم بأنهم حاولوا ، ليجازوا بالتالي على قدر نياتهم…