مرحلة قيادة السيد الرئيس حافظ الاسد وبعده بشار الاسد لسوريا من اكثر المراحل التي
ينبغي التوقف عليها. حيث أشيع عن اداعاءات كثيرة من اجل الاشتراكية والاصلاح والتحول وغيرذلك من مرادفات ومصطلحات، لذلك فعند النظربعين نقدية الى الجوانب السلبية للعهدين في سورية واللذان يعتبران عهداً واحداً دام واستمر اربعة عقود، سيكون في الأمرالكثير من الفوائد.
ومن اجل وضع القراء في حقيقة هذه الصورة وتذكر جوانب النقد من اجل دفع الحركة خطوة اخرى نحو الامام وتجاه الرؤى التي تفسر العقود الاربعة بانها كلها تقدم وتطور وتغيير وتحديث، لا بد من ان ننظر الى الوضع بمنظار نقدي من اجل القدرة على المحاكمة الصحيحة وكي يتمكن الانسان من تمييز الصحيح من الخطأ، لان التحرك فقط من منطلق الايجابيات وحدها يمكن ان يقود الى الغفلة، واذا استطعنا ان نذكر السلبيات الموجودة في تلك المراحل واظهار اللوحة النقدية الى جانب اللوحة التي اظهرها الرئيسيان الأسد الأب والأبن في خطبهم المنصرمة حينها يمكن الاقتراب الموضوعي أكثر.
لقد سيطر حافظ الاسد على سدة الحكم في سورية عن طريق انقلاب بتاريخ 16-11-1970 ، واقتيدت على اثرها القيادة الحكومية والحزبية الى السجن وتم البدء من خلالها بعدة مراسيم تجعل السلطات متمركزة في يد الرئيس وبذلك دشن مرحلة الزعيم الفرد محل فكرة الحزب القائد .
ما تم القيام به في عهد الرئيس حافظ الاسد:
1- وضع دستور ايديولوجي الطابع تعسفي النهج يجعل من الرئيس يتحكم في السلطات الثلاثة ، وبهذا اصبحت القاعدة المعروفة في سورية من اجل الحصول على امتيازات شخصية لا بد من الولاء للقائد ، وهذا ما لعب دوراً في الغاء سيادة القانون ومبدأ المحاسبة .
2- تعطيل مؤسسات المجتمع المدني ، وجعل الفروع الامنية تقرر سياساتها وقياداتها ونشاطاتها العملية ، واسفر هذا عن نتائج سلبية في المجتمع بحيث اختزل المجتمع السياسي في حزب البعث والحزب بقياداته الموالية للرئيس .
3- تضخيم اجهزة الامن بحيث باتت اعداد هذه الفروع الامنية اكثر من اعداد منظمات المجتمع المدني . والتي اصبحت تتحكم بكل الامور في المجتمع حتى ان الحيازة على جواز سفر يتطلب الوثائق من الجهات الامنية.
4- مركزية السلطات بحيث اصبحت السلطة والثروة في ايدي فئة قليلة ، وتم خنق مبادرة الفرد الحرة من الناحية السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية .
5- تشكيل جيش من المخبرين المحترفين والهواة وذلك بمختلف الاساليب والسياسات التجويعية والترغيب والتهديد.
6- اقتيد عشرات الالوف من المواطنين الى السجون تحت شعار الحفاظ على امن واستقرار الدولة ، وبقوا فيها لمدة عقد او عقدين وحتى ثلاثة عقود واختفى الكثير من المساجين في السجون ولم يكشف النقاب عن مصيرهم بحيث وصلت الارقام الى قتل عشرات الاف تحت التعذيب نتيجة وحشية طرائق التعذيب التي ادت الى تشوهات جسدية ومعاناة نفسية ودفن الكثيرين منهم في مقابر جماعية.
7- المحاكم العسكرية التي اظهرتها اصبحت تحاكم المدنيين اكثر من العسكريين .
8- من الناحية الاقتصادية والمعيشية اصبح نصف المجتمع في سورية يعيش تحت خط الفقر الى جانب بطالة مرتفعة تصل الى ربع مليون حسب التقارير ، ومعدلات نمو منخفضة وتردي في نوعية الانتاج وتدني مستوى الخدمات الصحية والتعليمية للمواطن من قبل الدولة بحيث لم يتوفر اي ضمان صحي.
9- الفساد اصبح الاساس الذ ي يعتمد ويقوم عليه الجهاز الادراي والامني ، وتسيب قطاع الدولة وغياب اليات المراقبة من التحت واستحالة المراقبة الدائمة من الفوق . وغياب الشفافية في المشاريع الاستثمارية والصفقات التجارية والخارجية وذهاب اموال المساعدات الى جيوب فئة قليلة . واصبح كل شيء مرهونا بالرشوة والمحسوبية . ووصول الاموال المهربة الى 60 مليار دولار .
10- تقليص المشاركة الشعبية السياسية وخلق حالة تصحر ثقافية ، ومنع التعليم باللغات المحلية ونمو الوعي الطائفي الفئوي على حساب الانتماء الوطني ، وتفكيك الاحزاب السياسية ما بين المهمشة في السجون وما تلعب دور البوق للسلطة في جو تنامي الخوف من المستقبل ومن الاخر .
ما تم القيام بها في عهد بشار الاسد :
في خطاب القسم الاول في السابع عشر من تموز سنة 2000 ركز على الكثير من المواضيع ولكن كانت الممارسة العملية شيء اخر:
1- اعترافه بوجود ازمة لا يمكن مواجهتها بعصا سحرية وانما بالاصلاح والتغيير ومساهمة الاخرين وبوجود راي اخر ولكن الذي جرى في الواقع هو عدم تغيير اقطاب السلطة الرئيسية والهامش الديمقراطي الذي بدأ مع ربيع دمشق ،سرعان ما تحول الى خريف مع اعتقال البرلمانيين بحجة وجود خطر داخل النظام والانكماش بعد انفراج لم يدم شهوراً ،واصبحت المنتديات تحت غطاء الاجهزة الامنية .
2- عرقلة التغيير وعدم السماح لاية تظاهرة شعبية عفوية بالتعبير عن هواجسها، وشنت الاجهزة الامنية حملات شرسة على الشعب ، والتخويف والتخوين لكل ما يهدف الى التغيير والاصلاح .
3- فمن حيث الاصلاح الاقتصادي رغم التركيز على ان التطوير والانفتاح والتحديث والاصلاح هو برنامج حكومته ولكن مقابل ذلك يقدم الحجج ان الوقت مازال مبكرا وهذا ما ظهر في خطاب القسم الثاني حيث ركز بان كل شيء يقال لا يجب ان ينتظر منه غداً لتطبيقه فبعد سبع سنين كرر نفس ما قاله في خطاب القسم الاول وبان هناك معوقات تحد من تطبيقهم للاصلاح والتحديث وتطبيق القرارات ناسياً أو متناسياُ ان المعوقات الاساسية التي تكبل التطبيق هو الروتين والتردد والبيروقراطية والفساد وعدم رضى الناس والشارع .
4- اما الاصلاح السياسي : فقد كان الافراج عن بعض المعتقلين السياسيين وتشكيل الجمعيات وفتح منتديات في بيوت سكن خاصة في دمشق وضواحيها والمدن الكبرى الى جانب السماح باصدار صحف سياسية غير خاضعة للدولة مثل جريد النور والدومري ولكن لم يدم هذا كثيرا حيث تم اغلاق الكثير من المنتديات القليلة التي فتحت وتعرضت الى شتى الضغوطات الامنية من اجل ايقاف نشاطهم وبين الحين والاخر كان يتم تعرضهم الى حملات المداهمة من قبل هذه الاجهزة بحجة ان هناك امور خطر على امن الدولة رغم انها منتديات صغيرة مدنية . اما المسائل الاخرى من حيث احكام الطوارئ والاحكام العرفية والمحاكم الاستثنائية والافراج عن المعتقلين السياسيين وعودة المبعدين واطلاق الحريات الاساسية واصدار قانون الاحزاب والجمعيات وتنظيم الصحافة مازال ينتظر الاصلاح والتطبيق حتى انه لم يتم التركيز عليها في خطاب القسم الثاني بعد مرور سبع سنين من حكم الرئيس بشار الاسد .
5- بصدد القضية الكردية : لم يتم حتى الان الاعتراف الدستوري بالهوية الكردية ولم يعزز قوتها التنظيمية للمشاركة في سائر ميادين الحياة بدا من الادارات المحلية الى مجلس الشعب والانتخابات الاخيرة كانت خير مثال على حظرهم من هذه المشاركة وكذلك لم يعترف باللغة والثقافة الكردية ولم يرفع الحظر على المطبوعات والنشر والاعلام باللغة الكردية والمشاريع العنصرية القديمة مازالت سارية المفعول مثل الحزام العربي وقانون الاحصاء الاستثنائي ومشكلة الاجانب والمكتومين وعدم منحهم حق المواطنة الدستورية الى جانب سياسات التعريب والتجريد والنفي والاعتقال التعسفي والتهديد والتخويف والتخوين التي مازالت سارية المفعول .
فمن خلال هذه المقارنة الصغيرة والمختصرة بين العهدين، نكتشف بان احدهما هو استمرار للاخر ويمكن للقارئ الكريم ان يستنتج مدى التحديث والاصلاح في سورية ويمكن لسورية ايضا ان تاخذ هذه الرؤية والقراءة التي ربما فيها نواقص وفق وجهة نظرها، لكن يتطلب التفكير بان هناك رؤى اخرى قد تختلف معها في التحليل والتفسير وتقديم الحلول، والتي تكمن في التحول الديمقراطي والانفتاح على المجتمع.
واستمرار هذه السياسات الغير الصائبة والتي تعود الى اربعة قرون مرت اظهرت انها لن تفيد سورية وشعبها سوى بجرها نحو الازمة العميقة والفوضى والضعف والانهيار، فاتباع سياسة قمع جميع الحركات الاجتماعية والسياسية الديمقراطية يعمق الأزمة ويزيد الاختناق الداخلي، ويرفع من درجة العزلة الممارسة من قبل المجتمع الدولي. وما سياسة التنازلات التي يتبعها النظام بعلاقاته مع القوى والدول الأخرى سوى تعبير عن حقيقة الأزمة التي يعيشها النظام نفسه.
وسوريا غير قادرة على اللحاق بالعصر وتجاوز المحنة بنظامها القوموي التقليدي. لذا، فقد أصبح مهام إعادة البناء، وإجراء التحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية ضرورة حيوية بالنسبة للنظام والمجتمع، لتفادي التشتت والفوضى. لذلك يتطلب فتح المجال أمام حرية الفكر والتعبير، وتطور القوى السياسية والاجتماعية والديمقراطية ومختلف منظمات المجتمع المدني، وبناء دولة ترتكزعلى الحقوق والقانون والأخلاق الديمقراطية والعصرية ،ويعتبرالاعتراف بالشعب الكردي، وتناول القضية القومية الكردية بواقعية من قبل الحكومة والقوى السياسية السورية، من الأولويات لتحقيق الدمقرطة والانفتاح. كما أن تجاوز العقلية والذهنية التقليدية، وإيجاد البرامج والحلول الهادفة إلى بناء مجتمع ديمقراطي أيكولوجي وتحرري جنسوي ضرورة تفرضها مهام المرحلة على جميع القوى والأحزاب الديمقراطية بمختلف انتماءاتها القومية والمذهبية.
وهي ضرورة تفرضها طبيعة وبنية المجتمع السوري وحقيقته التاريخية. فسوريا التي دخلت التاريخ من أوسع أبوابه بفضل إبداعات شعوبها وأقوامها وحضارة الهلال الخصيب، تستطيع اليوم تحقيق انضمامها إلى المجتمع الدولي، ولعب دورها التاريخي بالاعتماد على ميراثها الحضاري والثقافي، وبناء نظامها الديمقراطي. وهذه الحلول يتم بالحوار الداخلي البناء والعمل الدؤوب والواقعية والموضوعية ومشاركة جميع الاطياف في لعب دورها لايصال سورية الى الموقع الذي تليقها كما وصف في التاريخ “بعشاق الحرية ” .