الرئيسية » شخصيات كوردية » وداع الفقيد الشاعر والصحفي محمد البدري

وداع الفقيد الشاعر والصحفي محمد البدري

جاءنا هذا المقال من أحد من رافقوا فقيدنا الكبير وهو الاخ الاستاذ عبد الوهاب الطالباني.. بعد قراءة ما كتبنا عن بحثنا عن من يحتفض بتراث الفقيد .. من اجل جمعه، فالف شكر.


تشرفت بمعرفة المرحوم الفقيد محمد البدري منذ عام 1972 وفي اثناء عملي في جريدة التاخي( برايه تي) وفي صفوف الحزب الديمقراطي الكوردستاني ، واستمرت صداقتنا وعملنا المشترك بعد ذلك في اذاعة صوت كوردستان ، حيث عملنا سوية كمذيعين باللغة العربية عام 1974 في منطقة جومان ، واستمرت علاقاتنا ولقاءاتنا في المجالات الادبية والثقافية الى يوم لا اتذكره بالضبط كان في الاسبوع الاول من شهرتشرين الثاني عام 1992 ، في مطعم صغير في شارع اثنين وخمسين ببغداد حيث كنا على موعد كان الاخير ولم ار بعد ذلك صديقي وزميلي الراحل البدري حيث تركت بغداد نهائيا ، ولم تتسن لي الظروف في العودة الى كوردستان واللقاء به بعد ذلك ، وكان لقائي في ذلك اليوم هو من اجل وداعه ، قلت انني سأسافر بعيدا وقد تطول سفرتي واريد ان اودعك، وقد فهم جيدا ما كان يدور في خلدي ودون ان افصح له نوعية او اتجاه السفرة التي تحدثت عنها ، وقال وقد بدا التأثر واضحا على وجهه ، اتمنى لك الموفقية ، ارجو ان يأتي يوم نلتقي فيه مرة اخرى ، كن حذرا صديقي.

وافترقنا وفي ليلة اليوم نفسه كنت قد صوبت نحو كوردستان المحررة ، وودعت محمد البدري الصديق والزميل والاخ الذي افتقدته بعد ذلك كثيرا ، حيث اتسعت المسافات بيننا وعبرت المحيطات ، وبقي البدري هناك يواجه الظروف الجائرة والصعبة التي خلقها نظام الدكتاتور ، بقي المرحوم البدري ذلك الكوردي المخلص لقوميته ولقضية شعبه بعناد لا مثيل له وبصبر وجلد كبيرين ، كاتما ثورة ملتهبة بين جوانحه كانت تأخذ اوارها من عنفوان الغضب الكوردي الذي اشعل فتيله القائد الاسطوري مصطفى البارزاني ، وليعبر عن تفاصيل ذلك العنفوان في قصائد ومقالات وقصص ومتابعات ومحاضرات باللغتين العربية والكوردية اخذت كل عمره . وكان الفقيد احد الادباء الكورد الاكثر احاطة واجادة للغة العربية ، اضافة الى لغته الام الكوردية ، يكتب بهما شعره ومقالاته ومتابعاته وقصصه ، وخلف لنا مجموعة من الكتب والمجاميع الشعرية باللغتين ، عدا المئات من المقالات المنشورة في الصحف الكوردية لحقبة تمتد الى اكثر من اربعين عاما.

في الفترة التي كنا نعمل فيها في اذاعة صوت كوردستان ، كنا صباحا نذهب الى الاستوديو لتسجيل بعض البرامج الا البرنامج الاخباري الذي كنا نقرؤه حيا ومباشرة على الهواء ، وكان المرحوم اضافة الى كونه مذيعا للاخبار يقدم من اذاعة صوت كوردستان برنامجا باللهجة العامية العراقية موجها الى الجنود والى العراقيين العرب بأسم احاديث ( مام غريب) ، وكان هناك قرب الاستوديو ملجأ على شكل شق في الجبل وملجأ اخر على شكل حفرة لتفادي ضربات الطائرات التي كانت يوميا تقريبا تحوم فوق رؤسنا وتضرب موقع الاذاعة ومواقع اجهزة الثورة والقرى المحيطة على امتداد وادي كلالة – جومان – دربند – ازادي – حاجي اومران ، في وقت الفراغ كنا نجلس قرب الملجأ الحفرة نتبادل اطراف الحديث ، وكان يقول دائما تصور حجم الامنيات الكبيرة التي نحملها والاف البيشمركة ، ويتسائل اترى هل ان حفرة كهذه يمكن ان تختصر كل تلك الامنيات ، ثم يلعن الطائرات ومن يرسلها ، ويظل ساكنا على حافة الحفرة غير هياب بالطائرات وهي تجوب سماء المنطقة ، وفي الليلة التي ضربت اذاعة صوت كوردستان بقنبلة طائرة عراقية ، اعتقد انها كانت في شهر حزيران 1974على ما اتذكر، كنا نحن الاثنين مذيعي الخفر لتلك الليلة باللغة العربية داخل الاستوديو، وعندما خرجنا من الملجأ سليمين وقد غطتنا الاتربة والغبار نظر الي البدري وهو ينفض الغبار عن نفسه وقال شيئا لم اسمعه ، فقلت له ماذا تقول ونظر الي اذ لم يسمعني ، هنا نظرنا الى بعضنا وبدأنا نضحك اذ عرفنا ان ثمة عطب مؤقت قد حث في سمعنا.

كان الفقيد مثالا للاستقامة والخلق الجميل والنزاهة ، ومحبا لمحيطه من الاصدقاء والادباء والمثقفين عموما من الكورد والعرب ، كان حاضرا في كل الملمات يحاول باسلوبه الهاديء العقلاني حل الاشكالات ، وكان هذاالانسان الكوردي الاتي من سهول اقاصي الجنوب الكوردستاني في مناطق بدرة وجصان ، يحمل كل طيبة اهلنا الكورد من اللور او الفيلية ، وكان يتابع النصوص الكوردية المكتوبة باللورية ويبحث عنها وسط العديد من الاخوة الكورد الفيلية في بغداد ، وقد صاحبته في العديد من المرات وهو يزور هؤلاء الطيبين الذين لا اتذكر اسماءهم مع الاسف خصوصا في سوق الشورجة ، ويحاول العثور على بعض النصوص ليدونها في دفتر صغير كان يحمله معه ، وقد وظف معرفته الجيدة باللغة العربية لخدمة شعبه الكوردي في المجالات الثقافية والصحفية.

وداعا محمد البدري الاخ والصديق ، وغيابك يشعل لوعة في القلب لا يعرف اوارها الا الذين كانوا يعرفون خصالك الطيبة عن قرب.