الرئيسية » مقالات » كردستان اليوم لم تعد ساحة عرضات عسكرية

كردستان اليوم لم تعد ساحة عرضات عسكرية


في رقعة من الأرض على كوكبنا يسكن شعب اسمه الشعب الكردي ، وعرفت تلك الأرض باسم الشعب الذي يقطنها فسميت كردستان أي بلاد الأكراد او الكورد ، وهي لا تختلف عن أي أرض أخرى يقطنها شعب آخر ، إن قلنا أفغانستان او باكستان ، او قلنا بلاد العرب او بلاد الفرس .. وهذا الشعب ـ الشعب الكردي ـ له الحق في الحرية والحياة والعيش بسلام وأمان وهو يقيم على أرضه . وينبغي ان تكون هذه حقيقة لا لبس فيها ولا تقبل التأويلات والأجتهادات .
تمخضت المصالح والحروب في المنطقة فأفرزت مسالة او مشكلة او قضية عرفت بالمسألة الكردية . وهذا المقال لا يتسع لشروحات مراحل ولادة هذه القضية ولكن يمكن التطرق الى نتائجها وهي ماثلة أمامنا ، المشهد كينونة شعب كردي مقسم الى اوصال تتقاسمها دول تدعو الى التحرر لبلدانها وشعوبها ولا تقبل بحرية هذا الشعب ، فالعراق يدعو الى التحررالقومي العربي ، وهذا حق لا تساوره الشكوك وكذلك الدولة التركية ، والدولة الأيرانية الفارسية ، فالأمم والشعوب لها حق تقرير المصير وهذا حق مشروع لا خلاف عليه .
والآن ننتقل الى العدوى الأخرى من النهر كما يقال ، فالأكراد شعب لهم لغتهم وتراثهم وأرضهم ، ولهم طموحهم في تكوين دولة كردية تضم حدودهم ويرفرف عليها علمهم ، وهم شعب خلقه الله ايضاً ولهم نفس الحقوق المضمونة للشعوب الأخرى . ولحد الآن كل شئ في مساره الطبيعي لا اعترض عليه .
لكن مصالح الدول كانت تقضي بأن يغير مجرى النهر ليصب في بساتينهم فحسب وترك الشعب الكردي دون حصة في هذا التقسيم ، فجزأت أرضه مع التقسيمات السياسية ، وخرج الشعب الكردي من المولد بلا حمص .
وحينما تحرك الشعب الكردي لنيل حقوقه أسوة بالآخرين ، كانت تلصق به تهم الأنفصال والتآمر والتمرد والتخلف والقبلية … وهلم جراً . واتفقت دول الجوار ” العراق ، أيران ، تركيا ” مع بريطانيا بعد الحربين الكونيتين ، على ان يبقى الأكراد شعب ممزق لا تقوم له قائمة .
وبغية تطبيق تلك الرؤى كان لابد من قمع كل تحركات هذا الشعب لأخمادها وهي في مهدها لكي لا تتوسع رقعتها فتصل شرارتها الى الأجزاء الأخرى او يلتئم الشعب في وحدة نضالية فاعلة ، فكانت الأرض الكردية أرض مشاعة لهذه الدول لاستخدام شتى صنوف القسوة والقمع بما فيها استخدام القوة العسكرية ، بمختلف صنوفها .
كانت كردستان أرض منتهكة وساحة عرضات عسكرية لجيوش المنطقة ، لقد لقب الأنكليز الشيخ محمود الحفيد بلقب ” مدرب ” القوة الملكية الجوية البريطانية ، ومما لا شك فيه ان كردستان أصبحت منذ أيام الشيخ أحمد البارزاني ساحات تدريب او مختبر للحكومات العراقية لتدريب جيوشها واستخدام اسلحتها الفتاكة ، ولم يكن استعمال نظام صدام حسين للأسلحة الكيمياوية إلا النتيجة المنطقية والحتمية للعقلية والممارسة التي مكنت الحكومات العراقية وبدعم من بريطانيا في قمع الحركات الكردية وثورتي الشيخ محمود الحفيد والشيخ احمد البارزاني ( د. عثمان علي : دراسات في الحركة الكوردية 593 ) .
وفي نفس السياق يؤكد هاملتون في كتابه طريق الى كردستان يقول :
عندما جردت حملة على الشيخ احمد البارزاني عام 1931 بالرأي الذي يقول : وماذا نعمل بالجيش العراقي الذي صرف على إعداده وتجهيزه الأموال الطائلة إن لم نبعث به الى طريق راوندوز ليتعلم فنون القتال وليتدرب بشنها على الكرد . ويضيف ان جوابي التالي قوبل بالضحك :
أقرب من هذه المنطقة الى بغداد والموصل توجد مساحات شاسعة من المناطق الصحراوية الخالية التي يملكها العراق وهي صالحة لتجربة البنادق ومدافع الميدان وتحريك الدبابات وتحليق الطائرات ، فلنطلق المدافع حيث لا يخشى ان تصيب احداً .. ( مسعود البارزاني : البارزاني والحركة التحررية الكردية ج1 ص36 ) .
اليوم تتكرر تلك النغمة الناشزة من قبل تركيا وأيران حيث يجري قصف المنطقة تحت ذريعة ملاحقة البيشمركة من حزب العمال الكردستاني التركي ، والبشمركة من حزب ( بيجاك ) الحياة الحرة الكردستاني الأيراني . ونرى تركيا وأيران الأسلامية تجريان في نفس المضمار وتمارسان نفس اللعبة القديمة ، والمعروف ان لكل ظرف زمني لغته ومستحقاته ، ولا يمكن التعامل مع كردستان اليوم باللغة التي عوملت بها سابقاً .
كان ينبغي على تركيا وأيران الأسلامية ان تعلما ان الوقت الذي كانت فيه أرض كردستان ساحة العرضات العسكرية قد ولى ، وإن عجلة التاريخ لا ترجع الى الوراء ، إن أقليم كردستان اليوم قد خط الحدود الموضوعية بين البناء المدني والتنمية وبين قوانين الثورة وطقوسها ، ومتطلبات السلطة وموجباتها ، اليوم يبنى في أقليم كردستان وفي مدينة السليمانية بالذات صرح أكاديمي حضاري وهو الجامعة الأمريكية ، في اقليم كردستان برلمان منتخب وقانون وحكومة ومؤسسات ، تعمر فيها الفنادق والمدارس ، وتنتعش فيها الأسواق التجارية وفيها حرية للمراة وحرية للأديان والمعتقدات وحرية الصحافة ، وفيها تنتعش الأقليات ولها حقوقها أسوة بكل مكونات الشعب الكردي ، إنها تكافح الفساد والرشوة وتسعى الى أقامة مجتمع مدني مزدهر ، وتنمو الطبقة الوسطى من المجتمع وتبذل الجهود بغية انتعاش الديمقراطية في هذه الرقعة من الأرض التي تسمى كردستان ، هل بعد هذا يحق لأحد ان يخرب هذا الصرح ويعود لجعلها ساحة عرضات عسكرية مفتوحة ؟
إن الشعب الكردي مطلوب منه اكثر من أي وقت آخر الذود عن أرضه ومكتسباته .
حبيب تومي / اوسلو