ليت مجزرة الأيزيدية الأخيرة ما يدفع المرء لمواساة تلك العوائل الفقيرة التي فقدت أحبتها ، وليت المشاعر العراقية المتأججة والمفعمة بالمشاركة الحقيقية في الحزن هي التي تدفع الإنسان للتعبير عن حزنه ، وليت تلك الكتابات والبيانات والمواقف التي أصطف بها أصحاب الضمائر الحية من أهل العراق من غير الأيزيدية وحدها تعبر عن الموقف الذي وصل إليه أهل العراق تجاه إخوتهم الأيزيدية .
وليت التدافع في التظاهر والتبرعات المادية والمعنوية التي وقفتها شرائح عريضة من المجتمع الكردي والتركماني والعربي والكلداني والأشوري والأجنبي تجاه عوائل الضحايا ، وليت مراسيم العزاء التي أقيمت للشهداء في كل أركان الدنيا تعبر عن حجم المشاركة الحقيقية التي وصلها العراقي ، بغض النظر عن دينه أو قوميته أو مذهبه .
ليت تلك العقول التي لم تزل محقونة بالحقد الأصفر تدرك أنها في زمن عراقي جديد ، زمن تقيم فيه الضمائر العراقية من غير الأيزيدية مجالس العزاء للأيزيدية دون تكليف من أحد ، ودون إن يكون بين الشهداء قريب أو نسيب ، ودون معرفة الأيزيدية بتلك المجالس .
أنه زمن عراقي جديد لم يزل الأيزيدية يعطون الضحايا والقرابين ، ويزدادوا تماسكا وإصرارا على ديانتهم ، ولم تزل تلك الخناجر الغادرة والسيوف الظلامية والرصاص تحصد منهم ، مع تمسكهم بتوحيدهم لله ومحبتهم لكل الملائكة وعلى رأسهم طاؤوس ملك واعتقادهم بالحلول والتناسخ ومحبة الإنسان .
ليت تلك العقول التي تزداد تحجرا تدرك إن الأيزيدية اليوم أقرب الى وريد العراق وقلوب أهل العراق ، وليت تلك العقول المتكلسة تدرك أن الأيزيدية ساهموا في رسم الغد العراقي الجديد بشهداء ضمن قوافل البيش مركة والأنصار وسجلوا حضورهم الوطني بجدارة وافتخار ، وليت تلك العقول المتعفنة تدرك أن الأيزيدية اليوم ليسوا كما كانوا بالأمس ، فقد عرف أهل العراق حقيقتهم ، وكشفوا التخرصات والأقاويل الباهتة والإشاعات المغرضة التي قيلت عنهم ، فباتوا أقرب الى القلوب .
وهو زمن مستمر لم تزل تلك العقول تشحذ السيوف والخناجر ، وتتربص الفرص لتغدر كما غدرت بالأمس بالأيزيدية ، وتذبح أطفالهم في المهود ، مثلما تمزق أجسادهم اليوم في تل عزير وسيبا شيخ خدر ، فتعيد الزمن لكنهم باتوا يكسبون محبة أخوتهم من أهل العراق فيشتركون في محنة التضحيات الكبيرة ، ويوحدهم العدو في استهدافه بعد أن كان العدو ينفرد بالأيزيدية تحت شتى الذرائع والستائر ، فبات عدو الأيزيدية عدوا للعراقيين وعدوا للإنسانية .
قديما كانت الجيوش الجرارة المحملة بكل أنواع الأسلحة ، وقديما كانت الألوية والكتائب مدرعة بالمدافع والرشاشات ، وقديما كانت السيوف والخيول والأمراء والحقد الأصفر ، كلها تتدافع لقتل الأيزيدية ، وتسعى الى إبادتهم كليا ومسحهم من الأرض ، وانتهت تلك الجيوش الجرارة ورحل معها ملعونا في ذاكرة التاريخ كل من أراد بهم السوء وأمعن بهم في القتل ، وتكشفت صفحات عديدة كانت مستترة في التاريخ ، حيث تسعى تلك العقول التي لها شكل البشر وطبائع البهائم أن تحول تلك الجيوش الجرارة والسيوف البتارة الى شاحنات محملة بالمواد المتفجرة ، شاحنات تكفي لإزالة مدن من الأرض ، وأربع شاحنات تعادل أربعة جيوش ، تمزق الأشلاء وتقتل الأطفال الحلوين وتحيل أعراس الشباب الى حزن أسود ، وتمزق أشلاء البشر وثياب الزفاف ، وتدمر القرى الفقيرة التي سكنها الأيزيدية منذ زمن قديم قدم ديانتهم ، واستشهد في تلك المجزرة المئات وجرح وأصيب بالعوق المئات ودفن تحت الأنقاض المئات ، واحترقت قلوب الآلاف وسفحت دموع غالية ، وصرخات لم تزل تدوي في ثنايا العراق ، كما انتحرت تلك البهائم في تلك البقعة ، وتخلص العالم من براثن تلك البهائم وشرورها أبدا ، ولكن الأيزيدية لم تزل باقية ، وستبقى أبدا .
لم تخسر الأيزيدية سوى أعداد من الشهداء سجلوا أسماؤهم ضمن سجل طويل وواسع في تأريخ الأيزيدية من الشهداء ، ولم تخسر الأيزيدية سوى دموع أخرى سفكت حزنا على فراق الأحبة والأبرياء .
وليت تلك العقول التي حركت بهائمها أن تدرك أنها خسئت فلم ينتج فعلها غير الخسة كما هي ، ولم يتكلل فعلها بغير الأعمال الجبانة التي لايفعلها الرجال في سوح المعارك ، وخسئوا حين ازدادت الناس محبة للأيزيدية ، وخسئوا حين تضامنت كل تلك الضمائر الحية مع مشاعر الأيزيدية ، وخسئوا حين أرادوا إن يوجعوا الايزيدية فأوجعوا العراق وكردستان .
لايليق بكم السواد ايها الصابرون على البلوى .
لايليق بكم السواد يامن تحديتم جبال من الغدر ولم تغدروا ولاكان من شيمتكم الغدر .
ولم تكن نداءاتكم إلا الخير والمحبة والبساطة .
ستبقى الأيزيدية رغم نوائب الزمان ، ويبقى اللون الأبيض رمز طهارتها .