قرية صغيرة من قرى كوردستان العراق، تتكون من عدة بيوت صغيرة، بنيت على سفح جبل، وغمرت الثلوج الناصعة البياض كل مكونات اللوحة من سفوح جبال وصخور ووديان، ويوحي المنظر بجو طبيعي شتائي هادئ، وساعدت عدة ضربات من اللون الحار على بعض الصخور التي احتلت الزاوية اليمنى من المقدمة الامامية والاحراش التي تليها والنور المشع من الجهة الامامية المظلمة للبيوت، على خلق حيوية اكثر. ساعدت التقنية الخشنة التي امتازت بها المعالجة الفنية للمنظر، على دفعه الى نوع من (الواقعية التعبيرية) ولا ننسى الجانب البدائي او (نسبة ما) من الروح والتقنية-البدائية في اعمال الفنان ومن ضمنها هذا المنظر وبعنوان شتاء كوردستان.
وساعدت التدرجات اللونية الى درجة مناسبة (كان من الممكن التعمق فيها اكثر) على تحقيق البعد الثالث. ويشعر الناظر بان المنظر قد نفذه الفنان بسرعة مما حمله انطباعا كأنه دراسة تمهيدية سريعة، تسبق عادة رسم اللوحات التي يرسمها الفنان بتأن وصبر، ومع هذا جاء ما حللناه الان لمصلحة اظهار الجانب التعبيري وفيه وقد اهمل الفنان الانعكاسات المختلفة في اماكن الظل وكان من الممكن لاغناء العلاقات اللونية وتقوية وشائج مكوناتها (تنغيمها) فجاءت داكنة جدا شملت البيوت والصخور وحتى بعض الاجزاء البعيدة من الجبال. ونشعر بثقل الجانب الايمن نظرا لاملاء مكوناته من الطبيعة الخالصة مضافا اليها كل الطبيعة المصنعة، مقارنة مع الجانب الايسر، حيث الفراغ مع ادخال ضئيل لمكونات طبيعة خالصة من الاشجار. ومما لاشك فيه ان وجود الثلوج على قسم من مكونات اللوحة وعدم سقوط على اجزاء من ذات المكونات (البيوت مثلاًَ والاشجار التي رسمت على الجهة اليسرى) قد سبب تناقضا وقلقا لدى المشاهد.
والمنظر يمتلك صفة تسجيلية لقرية وديعة صغيرة من قرى كوردستان، حاول الفنان ان يجسم احساسه وانتماءه اليها من خلال مجموعة مناظرة وحسب منظوره وقناعته الفنية وهو أي الفنان واحد من جيل الشباب الذي اهتم برسم مناظر كوردستان العراق. وخاصة الاجواء القروية الجبلية. اما لوحة قرية تو بزاوه فقد قسم الفنان لوحته الى ثلاثة مستطيلات افقية تخضع لثلاثة انظمة لونية، فالقسم الاعلى الذي يشمل السماء وبعض الجبال ذات الارتفاعات الواطئة، باردة والشريط الوسطي، يمثل قرية من القرى التي تكثر في مناطق الهضاب الواطئة والسهول الممتدة في كوردستان وهي تجمع بين البيوت الصغيرة الطينية ذات السطوح المستوية، واخرى على نقيض الاولى، ذات سطوح شبيهة بالبيوت الغربية تسمى بطراز (الجزيري) عالجها الفنان بالوان دافئة، اما المستطيل الثالث والاخير، فيشكل الثلث ومقدمة اللوحة، عالجها الفنان بالوان حارة مكونة من البرتقالي والاصفر والاحمر والقهوائي، تمثل حقلا ذهبيا لمحاصيل الحنطة، تتوسط طريق ترابية ينحدر فجأة الى اليمين مختفية في العمق.
استعمل الفنان نوعين من التقنية، مما اضطر بوحدة الاسلوب، فنعومة معالجة السماء والغيوم والجبال وبيوت القرية، تختلف عن معالجة حقل القمح الذي عولج بنشاط وحيوية وشمل حتى الطريق الترابية الملتوية. الا ان معالجة البعد الثالث الذي حققه الفنان من خلال استعمال الالوان الباردة وبدرجات خفيفة، بل مبالغ في تخفيفها، مما دفع بالجبال الواطئة بعيدا جداً الى العمق، جاء لمصلحة المقدمة والوسط، وهكذا عكس ما كان من المعالجة المذكورة والذي حللناه في سياق الحديث عنه. ومما يلفت النظر كذلك، اهمال الفنان للانعكاسات الباردة الاتية من (السماء الباردة) على السطوح المقابلة لها، وكذلك الانعكاسات الدافئة التي تعكسها السطوح التي تغمرها اشعة الشمس وخاصة الاجزاء الملتصقة والمجاورة الى اماكن الظل وتحدثنا عن تحقيق هذا الجانب الفني في بعض لوحات الفنان (دانيال قصاب) التي رسمها قبل اكثر من نصف قرن في اربيل ولو ادخل الفنان (جوهر محمد) المعالجة المذكورة وحققها في اكثر مناظره لكان الربط الفني والايقاع الجمالي اجمل واقوى تاثيرا. وعدم رسم الناس والحيوانات والطيور وغيرها من ذوات الروح في اللوحات، توحي وكان امرا بـ(عدم التجول) قد صدر وشمل حتى (الحيوانات والطيور).. وهنا أود ان اشير الى بعض اراء الدكتور ثروت عكاشة حول اباحة تحريم رسم الانسان في اللوحات بشكل مختصر لعلاقته بموضوع الفنان. ففي الصفحة 14 من مؤلفه الموسوم بـ(التصوير الاسلامي) كتب يقول: (ان القرآن الكريم ليس فيه ما يشير عن قرب او عن بعد الى تحريم التصوير وكل ما في الامر انه روي عن النبي (ص)، بعض الاحاديث التي تحرم التصوير، ويستطرد الدكتور عكاشة قائلا: (ونحن نؤمن مع غيرنا من المؤمنين ان ما جمع من كتب الاحاديث ليس كله صحيحا ولو سلمنا تلك الاحاديث فللتأويل فيها متسع، فقد تكون هذه الكراهية للتصاوير والمصورين هي ما اريد به صرف الناس عن عبادة الله او ردهم الى الوثنية والشرك او تشبيههم الله في صور لا تليق بجلاله، او تحريما موقوتا بزمن وبظروف خاصة). واما الامام محمد عبده فيقول في ذات الموضوع (وفات هؤلاء ان الحديث ينصرف الى ذلك التصوير الذي شاع في الوثنية والذي كان القصد فيه الى تأليه بعض الشخصيات اما ما جاء لغير ذلك من تصاوير قصد فيها الى المتعة والجمال فلا يحمل قول الرسول (صلى الله عليه وسلم).
والخلاصة ان الفن وخاصة اذا كان الاسلوب واقعيا او تعبيريا او انطباعيا وحتى غيرها من المدارس المتباينة التي يحفل بها التاريخ الغني للفن العالمي وتراثه الرائع، اذ ادخل في مكوناته من مواضيع ومناظر، الانسان، كان افضل واكمل وكتحصيل الحاصل ان الفنون والاداب وكل الحضارة الانسانية هي من ابداعات الانسان ولسعادته واشعاره بانسانيته ونبله وكرامته.
المصدر: جماليات الطبيعة في كوردستان واثرها في الرسم العراقي المعاصر للفنان محمد عارف.