الرئيسية » مقالات » كركوك … (الجنجويد!) يحاربون تنفيذ المادة140

كركوك … (الجنجويد!) يحاربون تنفيذ المادة140

منذ ان تدفق النفط من حقول باباكركرفي عام 1927 ، فرضت قوى دولية واقليمية ، والحكومات العراقية المتتالية حملة تشويه ظالمة ضد مطالب الشعب الكوردي في احترام حقوقه القومية ، وفي العراق تركزت الحملة لتشويه حقيقة انتماء كركوك الى الاقليم الكوردستاني ، وبدات الحكومات العراقية بتنفيذ مخططات تغير الهوية القومية للمحافظة والمدينة على وجه الخصوص ، فكانت مشروع ري الحويجة اول مشروع استيطاني عربي في المحافطة، حيث استولت الحكومة في ثلاثينات القرن الماضي على اراضي العشائر الكوردية في تلك المنطقة وقدمتها الى العشائر التي جلبتها من مناطق بعيدة عن كركوك ، و رويد رويدا تحولت حقيقة انتماء كركوك الى معضلة قومية كوردية ليس لشعب كوردستان ، مما دفع بالحركة التحررية الكوردية ومنذ ثورات الشيخ محمود الحفيد وثورات القائد البارزاني الخالد الى اعتبار مسألة كركوك ركيزة النضال التحرري الكوردستاني ، ولتأخذ هذه المسألة بعدا اكبر واعمق بعد انطلاقة ثورة ايلول1961 التي فجرها البارتي بقيادة الخالد مصطفى بارزاني ، ولتصبح كركوك احد العناوين الاستراتيجية الرئيسة للنضال القومي الديمقراطي الكوردستاني المعاصر ، و عنوانا كبيرا من عناوين الامن القومي الكوردي بكل ما للكلمة من معنى ، كونها احد اهم المراكز التاريخية التي عاش فيها الكورد بصورة متواصلة منذ ازمنة الكوتيين ( الذين شيدوا المدينة حسب مصادر تاريخية عديدة) والميتانيين والمملكة الميدية وفي العهد الاسلامي وفي ايام العثمانيين والامارات الكوردية وبعد تأسيس الدولة العراقية ، وكونها تشكل رمزا قوميا في الذاكرة الكوردية على الرغم من ان كركوك كأحد مراكز تصارع الحضارات القديمة شهدت مرور حقب تاريخية مختلفة الالوان والاعراق بها ولتبقي هذه الحالة تأثيراتها في الزخرفة الاثنية التي نراها الان في كركوك.

عن اسم كركوك تقول الموسوعة الحرة(ويكيببيديا):
(وقد اضاف الميديون على نهاية الاسم اللاحقة الزاكروسية ( اوك) فغدت التسمية كوركورك بالكوردية .عرفت مدينة كركوك في عهد الساسانيين بكرمكان والتي تعني الارض الحارة الي تحول الى جرمقان او جرميق في العربية وكه رميان في الكوردية….)

وعلى الرغم من تعرض الكورد في هذه المدينة واطرافها الى كل انواع سياسات الغدر من تتريك و ترحيل(مثلا ترحيل عشيرة الهماوند من منطقة جمجمال الى…ليبيا في بدايات القرن الماضي) ايام الحكم العثماني ، واستمرار سياسات التعريب والترحيل بحقهم منذ تأسيس دولة العراق ، وتعرضهم الى عمليات الابادة الجماعية (الجينوسايد) في العهد الدكتاتوري السابق ( مئات القرى الكوردية في ضواحي كركوك دمرت بالتمام وتم انفلة سكانها وقتلهم في صحاري وبوادي الجنوب والغرب العراقي – شهادات محاكمات الانفال-) ، لكن القامة الكوردية الكركوكية ظلت منتصبة غير قابلة للانحناء امام كل تلك العوصف ، و بقي الكورد هناك يتحدون كل تلك النوائب وعينهم على النار الازلية يلتمسون منها القوة والثبات ، ويملئون سهول كركوك وهضابها بكدهم وتعبهم وشجن مزاميرهم.

وبالتأكيد انه لولا وجود النفط في كركوك لما تعرضت هوية هذه المنطقة الى كل هذا التشويه على ايدى الحكومات العراقية المتتالية ، حيث تشكل حقول باباكركر النفطية احدى اغنى خزائن النفط في العالم والتي يبلغ احتياطيها حوالي عشر مليارات برميل ، ويمثل هذا7.5% من احتياطي النفط العالمي ، وايضا لولا وجود النفط في هذه المنطقة لم نكن لنرى كل هذا الكم من المؤامرات والاحابيل للاجهاز على المادة 140 من الدستور الدائم التي وضعت الية تطبيع الاوضاع في كركوك لحسم امرها واعادتها الى الجسم الكوردستاني .

هناك من يقول انه كان على القيادة السياسية الكوردية اتخاذ قرار بقاء قوات البيشمركة في كركوك منذ اليوم الاول لتحريرهم اياها في انتفاضة عام 1991 وعدم مغادرتها ، او السيطرة على المدينة بعد تحرير العراق وسقوط النظام الدكتاتوري عام 2003 ، وبسط الامر الواقع هناك وتحمل كل الضغوط الاقليمية والدولية ( يقال انها كانت امريكية ) ومهما كان الثمن ، ويبدو ان هذه النظرية ربما كانت مناسبة لتلك الظروف ، لانه وعمليا عندما تضطر فيما بعد لتقييد نفسك بمادة دستورية تعرف جيدا ان الموقعين عليها ( واقصد كل الجانب العراقي ، بأستثناء بعض اليسار وشخصيات عربية متحررة من الفكر العنصري) لا يمكن ان يسيروا فيها الى النهاية ، وسيستمرون في وضع العراقيل امامها حتى وان وقعوا معك على الف وثيقة عهد ، ومعنى ذلك ايضا انك اوقعت نفسك في مصيدة (التشكيك) بأمر محسوم في ضميرك وقدمت من اجله مئات الالاف من الشهداء ، و بالتالي ادخلت نفسك في نفق طويل لا يكون سهلا الخروج منه منتصرا ، وكلنا نعرف التحديات و الكم الهائل من المؤامرات والتضليل الذي تمارسه الاطراف العراقية التي تتعامل معها ، الصديقة منهم قبل العدو. وهذا الكلام لايعني مطلقا التشكيك قيد انملة في نوايا القيادة الكوردستانية في تعاملها المبدئي الثابت من مسألة كركوك وفق رؤى تعتمد النفس الطويل و الحوار تعتقد انها مناسبة للظرف الحالي الذي يشهد تعقيدات كثيرة وتداخلات في المعادلات السياسية الداخلية والاقليمية والدولية وفيما يخص الوضع العراقي عموما والكوردستاني ومسألة كركوك على وجه الخصوص ، وقد اكد الرئيس مسعود بارزاني والقيادة السياسية للحزبين الكوردستانيين ، البارتي والاتحاد الوطني الكوردستاني والاحزاب الكوردستانية الاخرى ، ودون اية مواربة على كوردستانية كركوك وانها الخط الاحمر في مسألة تعاملهم مع اي طرف عراقي او اقليمي او دولي ، كونها مسألة قومية مركزية لا يمكن المساومة عليها في حال من الاحوال.

ومع التأكيد على اهمية ما تم انجازه في اقليم كوردستان ( بحدودها الحالية) من بناء اقتصادي واجتماعي وعمراني وتربوي جيد يجب الاقرار به والوقوف عنده وتثمينه عاليا رغم بعض المطبات والظواهر السلبية ، الا ان الاحساس الشعبي والقومي ما زال وسيظل مصوبا ايضا نحو اعمار و اعادة المناطق الكوردستانية المعربة وخصوصا محافظة كركوك ، و تنفيذ مضامين المادة 140 من الدستور الدائم ، فهذه المناطق جزء مكمل لجغرافيا الروح الكوردستانية ، وهم قومي متأصل في الذات الكوردية.

و يتبين من استقراء مواقف الحكومة المركزية انها لم تول كركوك الاهتمام اللازم ، كونها ، ربما ، لانها فقدت الامل من بقاء المدينة ضمن سيطرتها ، كما ان حكومة كوردستان لمحدودية ميزانيتها لا تتمكن من ان تقدم المزيد من الاموال لاعمار المدينة ، على الرغم من انها تقدم ما وسعها ، وتحاول ان تقدم المزيد الذي لا يمكن بطبيعة الحال ان يرقى الى تلبية كل المطاليب والاحتياجات لمدينة تعمل يد الخراب فيها منذ تأسيس الدولة العراقية والى الان ، ولكنها( اي حكومة اقليم كوردستان) يبدو ان عليها وعلى الاقل ان ترعى احتياجات المرحلين العائدين ، وتحاول بناء بيوت او شقق سكنية لهم ، وليس من العسير ان يتم ذلك في فترة قياسية اذا احسن تنفيذ المشروع بعيدا عن (حاسة الشم القوية) للفاسدين ، كما يمكن تقديم مساعدات مادية مناسبة للمرحلين شرط صرف تلك المساعدات في بناء البيوت على الاراضي الموزعة عليهم. وحسب ما يتناقله اهالي كركوك ان (المنافسات) الحزبية هي ايضا احد اسباب الحالة التي تعاني منها المدينة.

والان بدأت الفترة الباقية التي يفترض ان تنفذ فيها مضامين المادة 140 تقترب من نهايتها ، فنحن قاب قوسين او ادنى من نهاية عام 2007 ، وفي الفترة الماضية شهد الجميع تشكيل لجان ورؤساء للجان لم يلتحقوا بوظائفهم او استقالوا ، وكتب وقرارات هامشية او مهمة ظلت وما زالت تدور بين ادراج ومكاتب رئيس الوزراء والوزراء ، وزيارات مريبة الى تركيا كلما زادت وتيرة الحديث الكوردي عن كركوك ، وغموض واضح في مواقف الاصدقاء لا يبتعد كثيرا عن صريح مواقف اعداء كوردستانية كركوك ، لجان المراقبة او لنقل المتابعة الكوردية اصابها التعب من هذا اللف والدوران الذي تمارسه بغداد حول المادة 140 ، ومسؤولو كركوك واقصد الكورد منهم ( مع كل الاحترام لهم) يتحدثون كثيرا ولكن دون يكون هناك شيء متناسب مع ما يقولونه على الارض ، فشوارع الشورجة ورحيماوا ورابه رين وغيرها تزداد وحلا وترابا وحفرا غريبة وساعات طويلة من قطع الماء والكهرباء ، وعندما تزور ( الملعب ) لا تستطيع ان تميز بين وجوه سكانه المتعبين ( بفتح العين) الغرباء في مدينتهم وبين لون التراب الذي يغطي اغراضهم القليلة المرمية هنا وهناك ، ومدارس كركوك الكوردية القليلة تشبه هياكل مرت عليها عاصفة التورنادو ، واسواق اشبه بأسواق عصور الحجر لا يمكن ان تميز فيها اي لون الا لون الغبار والتراب الذي يعلو كل شيء هذا في يوم غير ممطر ، والله اعلم كيف يكون شكله في الشتاء ، وقد رأيت كل ذلك بأم عيني عندما زرت محلة الشورجة في شهر مايس الماضي وبقيت فيها 11 يوما ، وما زال صوت الفنان الكبير شكر خياط والمطرب الشعبي صلاح داودة وزهرة كركوك الرائعة (جوبي) يحمل ترانيم الحزن العميق بأنتظار يوم يحلقون فيه بأهزوجة الفرح ال(كه رمياني) العذب عندما يرفع العلم الكوردستاني على قلعة كركوك ايذانا بعودة مدينة النار الازلية الى الحضن الكوردستاني .

ومع اشتداد وتيرة الاعمال الارهابية ضد المواطنين الكورد في كركوك ، قيل ان جبهة (الميت) التركمانية تعمل جاهدة على التحضير للدخول في عالم الجريمة والارهاب من ( اوسع ابوابه) ، فقد اعلن مسؤول امني في كركوك ان ثمة اخبار تؤكد على ان الجبهة المذكورة ارسلت مجموعة من شباب التركمان الى تركيا بغية اعدادهم لتنفيذ اعمال ارهابية ضد المواطنين في كركوك ( موقع نيشتمان نيت) ، كوسيلة لمنع تنفيذ اجراءات التطبيع.

نعم ، نقترب من نهاية عام 2007 ويقال ، ومن فم اكثر من مسؤول في كركوك نقل ان التعريب مازال مستمرا في المدينة ، ولكن من تحت الطاولة وبطرق ملتوية ، واحد المسؤولين قال قبل ايام قليلة ان حوالي 6000 شخص تسللوا الى كركوك فرادى او مع عوائلهم من غير اهالي المدينة ومن مواقع الارهاب في ديالى وتكريت ، ومع ذلك عندما يعود كوردي مرحل الى مدينته ويسكن كوخا من الصفيح والتنك او يلوذ بخيمة ممزقة بانتظار تحقيق العدالة ينبري من يزعم ان الكورد يمارسون( تكريد) كركوك!

بقي فقط اقل من اربعة اشهر ، والمادة العتيدة لم تزل بين اخذ ورد ، ولم يستلم اي مستوطن فلسا واحدا حتى يرحل ، ومع الزيادة التي اقرت اخيرا لتعويض المرحلين الكورد العائدين الا انهم ايضا لم يستلموا فلسا احمر او اخضر (حسب علمي)!

وما زال الفقر والعوز والتعب والانهاك والخوف من كوليرا الارهاب هو النصيب الاوفر لكورد كركوك ، وحده ما زال العميد سرحد قادر مع اسوده يصولون ويجولون في ليل كركوك يصطادون النكرات من جرابيع الارهاب العنصري ، واطراف في وزارة الداخلية في حكومة بغداد العتيدة لا تعترف بهؤلاء الرجال كشرطة في خدمة حقيقية والسبب واضح وهو انهم يؤدون واجباتهم بصورة جيدة ليس الا ، وفي كل مناسبة يختلقون لهم الف مشكلة ومشكلة ويهددونهم حتى في رواتبهم ، وتم نشر الكثير حول هذا الموضوع في الصحافة.

اهلنا في كركوك يعيشون المرارة بكل معانيها ، انهم يتحملون وضعا مأساويا لا يمكن ان يتحمله انسان ،
هناك جهد مشبوه يطبخ له في بعض العواصم العربية وفي تركيا لتحويل كركوك الى دارفور اخرى ، و(الجنجويد) يعلنون عن انفسهم بأشكال مختلفة ، على شكل وزير رفيع المستوى لاحد الانظمة المحيطة بكوردستان ، او على شكل ارهابي ملثم ، او على شكل اداري فاسد ، اوعلى شكل جاسوس لجهاز مخابرات اقليمي ويغطى وجهه بغطاء حماية الوحدة العراقية وما الى ذلك من شعارات معروفة الخلفيات والاغراض من اطلاقها.

وحتى ان وصل الامر في اسوأ الحالات الى تأجيل البت في تنفيذ المادة 140 الى فترة محددة اخرى الذي ان حدث ، لا يعني بالتأكيد ، مع مفاهيم هذا الزمن ، انطباق السماء على الارض ، ولو ان هذا ان تم سيكون مؤشرا غاية في السلبية وجرسا خطرا على طريق الفيدرالية الكوردية كلها ، اقول حتى ان تم ذلك يبقى من المهم ان لا يضيع اتجاه بوصلة العمل من اجل عودة المدينة الى حضنها الحقيقي مع حساب دقيق وتحسب لعامل الوقت ، وان لا تستمر حالة مواطني كركوك وخصوصا المرحلين منهم في هذا الفقر المدقع والضياع والعيش تحت الخيم البالية واكواخ الصفيح والشتاء الكوردستاني القارس على الابواب ، وان يكون هناك اجراءات حاسمة لحفظ ارواح الكركوكيين . وان توقف نهائيا اجراءات التعريب بالطرق والاساليب التي تتم بها حاليا.